تعجّب الكثيرون حول العالم من إعلان تقرير وكالة الاستخبارات الأمريكية مؤخرًا حول مقتل المواطن جمال خاشقجي - رحمه الله -؛ لأن حكومة المملكة العربية السعودية وصفت مقتله حينها بأنه (جريمة بشعة، وانتهاك صارخ لقوانين المملكة العربية السعودية وقيمها)، كما أمرت بفتح تحقيق جاد وعادل مع المتورطين في قتله، واتخذت جميع الإجراءات القضائية اللازمة لتقديمهم للعدالة، وبالفعل تمَّ التحقيق معهم، وصدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية، ورحّبت بذلك أسرة خاشقجي مثمنةً جهود وإجراءات القضاء السعودي العادل في هذه القضية.
وقد ردَّت وزارة خارجيتنا بقوة على هذا التقرير الأمريكي القائم على الظن والتخمين، والخالي من أية معلومة أو دليل واحد يدين أية قيادة سعوديَّة في جريمة مقتل جمال خاشقجي، ورفضت رفضًا قاطعًا ما ورد فيه من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة، وأكدت بحزم أنه لا يمكن قبول هذه الاستنتاجات بأي حال من الأحوال.
لقد تضمن التقرير الأمريكي جملةً من الاستنتاجات غير الصحيحة، وعبارات هلامية فضفاضة، لا تقطع بأي اتهام جازم. ويعد هذا التقرير تدخلاً غير مقبول في شؤون المملكة العربية السعودية الداخلية، ومحاولة مفضوحة، يستغلها أعداء المملكة للنيل منها، لكنها بفضل الله تعالى عصية على كل هذه المؤامرات وتلك الألاعيب!!
وعندما نتأمل الأمر جليًّا نجد أن من المثير للدهشة إعادة فتح ملف قضية مقتل جمال خاشقجي!! فهو من الملفات المنتهية؛ إذ أكَّدت الجهات المختصة أنها جريمة نكراء، شكَّلت انتهاكًا صارخًا لقوانين المملكة وقِيمها، ارتكبتها مجموعة من المتهمين، تجاوزوا الأنظمة كافة، وخالفوا صلاحيات الأجهزة التي كانوا يعملون فيها، وتمَّ تقديمهم للعدالة، والتحقيق معهم، وصدرت بحقهم - كما أسلفنا - أحكام قضائية نهائية، رحبت بها أسرة خاشقجي!!
فما الذي يدعو الإدارة الأمريكية بعد أكثر من عامين لإعادة فتح الملف بعد انتهائه؟! لماذا تُبعَث القضية لتتصدر المشهد السياسي مرة أخرى؟!! تُرى ما الذي حمل الإدارة الأمريكية الجديدة على ذلك في ظل وجود ملفات سياسية دولية ساخنة، لا تزال مفتوحة، وتؤرق الإنسانية، مثل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يعانون في هذا البرد القارس؟! وماذا عن الحقوق الإنسانية لمسلمي الروهينجا الذين يُحرَقون في ميانمار، وغيرها من الملفات الساخنة بل الملتهبة في العالم؟!
إن المملكة العربية السعودية معروفة بالاعتدال والتسامح على مدى تاريخها الطويل، وتلعب دورًا حيويًّا ومحوريًّا بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله تعالى - في تعزير الأمن والاستقرار الإقليمي، وحفظ الأمن والسلم الدوليَّين، فما الذي يُراد منها؟! وما الذي يُدبَّر لها، ويُحاك ضدها؟!! ثم هل يمكننا تصديق ادعاء أمريكا أنها المدافعة عن حقوق الإنسان حول العالم؟ وماذا عن التمييز العنصري فيها من البيض ضد السود؟! ألم يقتل رجل شرطة أبيض في ولاية (مينسوتا) الأمريكية المواطن الأمريكي الأسود (جورج فلويد) قبل أشهر قليلة؟!! ومن الذي يساعد إسرائيل التي تقتل أطفال ونساء وشيوخ الفلسطينيين العزَّل الأبرياء، وتهدم منازلهم؟! أليست هي الولايات المتحدة الأمريكية؟!!
في الواقع، يذكرنا هذا التقرير المعتمد على الظن والتخيل والاستنتاج بالتقرير الذي أعدته المخابرات الأمريكية، بالتعاون مع المخابرات البريطانية سنة 2003م، الذي ادعى امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، تهدد سلام البشرية والإنسانية. وبناء على هذا التقرير تم تدمير العراق!! وتبيّن بعدها أن العراق لم يكن يمتلك أية أسلحة نووية ولا كيميائية، بل لم يكن لديه سلاح تقليدي متطور، لكن محصلة تقرير مضلل هي تدمير دولة عربية، كانت آمنة مستقرة، وتم إسقاطها في مستنقع آسن من الفوضى والخراب والصراعات الطائفية، وتم قتل وتشريد الملايين من أبنائها!!
إن المملكة العربية السعودية قوية بالله تعالى، وهي قمَّةٌ شمَّاء شامخة قوية - بفضل الله - ثم بأهلها الأوفياء وشعبها الأصيل، ثم هي قوية بأشقائها وملايين المسلمين حول العالم؛ فقد أعربت حكومات الدول العربية والإسلامية عن تضامنها الكامل مع المملكة العربية السعودية، وأكَّدت ضرورة التمسك بمبدأ احترام السيادة الوطنية لجميع الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وفقًا للأُطر الدستورية والالتزامات الدولية.غسان عسيلان