أخبار عاجلة

«ابتكار آنا» يعطى دروسًا عن زيف الحلم الأمريكى والصحافة الحقيقية

«ابتكار آنا» يعطى دروسًا عن زيف الحلم الأمريكى والصحافة الحقيقية «ابتكار آنا» يعطى دروسًا عن زيف الحلم الأمريكى والصحافة الحقيقية

الأسبوع الماضى، ذكرت BBC فى تقرير لها نقلًا عن نتفليكس أن مسلسل «Inventing Anna» حقق أعلى معدلات مشاهدة لمسلسل باللغة الإنجليزية؛ حيث شوهد لمدة 196 مليون ساعة، حتى كتابة هذه الكلمات، متفوقًا بذلك على الموسم الثالث من مسلسلYOU الذى حقق 178 ساعة فى أكتوبر الماضى. لم يكن تفوق المسلسل فى عدد ساعات المشاهدة هو الدافع لمتابعة حلقات المسلسل التسع فحسب، لكن أيضًا اسم المسلسل «Inventing Anna» أو «اختراع آنا».

كلمة Inventing تبعًا لقاموس كامبريدج تعنى صناعة أو ابتكار شىء وقد يكون قصة غير حقيقية بهدف الخداع، وهذا بالضبط ما أراده صناع المسلسل وبدأت به الأحداث من داخل مطبعة أثناء طباعة عدد من مجلة مانهاتن يحمل غلافها صورة «آنا ديلفى» وتحقيقًا حول حقيقتها، ثم الكثير من الصور لجميع شخصيات المسلسل التى تظهر على مواقع التواصل، خاصة إنستجرام، وماكينة تسجيل الإعجاب التى تخلق حالة وهمية عن شخصيات لتكتمل الصورة الكبيرة عن آنا ديلفى أسطورة الإنستجرام والوريثة الألمانية المتهمة بالاحتيال فى قضية ضخمة تورطت فيها شخصيات شهيرة فى عالم الأعمال والبنوك فى نيويورك.

فى مسلسل Inventing Anna تدور الأحداث حول تحقيق صحفى تجريه صحفية فى مجلة مانهاتن «الخيالية» حول قصة أسطورة الإنستجرام الوريثة الألمانية «آنا ديلفى» التى استحوذت على قلوب الأوساط الاجتماعية فى نيويورك ودخلت وسط الطبقة العليا فى مدينة مانهاتن وأقنعتهم بأنها تمتلك صندوقًا ائتمانيًّا فى أوروبا تصل قيمته إلى 60 مليون دولار لكنها تواجه بعض المشاكل فى التصرف الحالى فى الأموال بسبب بعض المشكلات مع والدها، لذلك تسعى للحصول على قرض يزيد على 200 مليون دولار من أحد البنوك لتبدأ A.D.F أو مشروع مؤسسة آنا ديلفى للفنون.

لم يشك أحد من أثرياء نيويورك ومشاهيرها فى انتماء آنا لهذه الطبقة مع قدرتها على اختلاق القصص ومظهرها الثرى وحياة البذخ التى تعيشها، والتى كانت جميعها قائمة على الكذب والادعاء الدائم بأنها تواجه مشكلات فى بطاقاتها الائتمانية، حتى ألقت شرطة نيويورك القبض عليها عام 2017 فى عدد من التهم وصلت إلى تسع منها: السرقة الكبرى من الدرجة الثانية، وسرقة الخدمات، وتهمة واحدة بمحاولة سرقة كبرى من الدرجة الأولى، وخلال المحاكمة التى تحولت وقتها إلى «تريند» على وسائل التواصل الاجتماعى فى الولايات المتحدة، وجد المحلفون أن «آنا سوروكين» وهو اسمها الحقيقى غير مذنبة فى واحدة من أخطر التهم وهى محاولة السرقة الكبرى من الدرجة الأولى لقرض قيمته 22 مليون دولار حاولت الحصول عليه، كما برأوها من سرقة 60 ألف دولار من صديقتها دفعت ثمن رحلتهما إلى المغرب.

مسلسل «ابتكار آنا» مأخوذ عن مقال بعنوان «كيف خدعت آنا ديلفى مجتمع نيويورك» نشرته الصحفية جيسيكا برسلر فى مجلة نيويورك عام 2018 قدمت فيه قصة عن حقيقة آنا ديلفى أو سوروكين التى تغلغلت داخل دوائر الفن والتمويل والأزياء فى مدينة نيويورك حتى لحظة محاكمتها.

لعبت دور «آنا» فى المسلسل الممثلة «جوليا جارنر الحاصلة على جائزة إيمى مرتين عن دورها فى مسلسل «أوزارك»، وقدمت الممثلة الأمريكية آنا شلومسكى دور الصحفية المستوحى من شخصية جيسكا بريسلر، وظهرت بعض الشخصيات بأسمائها الحقيقية مثل المحامى تود «أريان موياد»، وريتشل صحفية فانيتى فير التى كانت السبب الرئيسى فى إلقاء القبض على «آنا» وقدمت دورها «كاتى لويس»، فى حين تم تغيير أسماء الكثير من الشخصيات الثرية والعاملين فى البنوك.

بعد انتهاء المحاكمة عام 2019 والتى حصلت فيها آنا على حكم بالسجن من 4 إلى 12 سنة، استطاعت شبكة نتفليكس التفاوض معها والحصول على حق تقديم قصتها كمسلسل تليفزيونى مقابل 320 ألف دولار.

لم يكن مسلسل «ابتكار آنا» مجرد قصة احتيال عادية لفتاة تعود أصولها إلى أسرة روسية متوسطة، عمل والدها سائقًا للشاحنات قبل أن ينتقل للعمل فى الشحن والتبريد فى ألمانيا، لكن «آنا» كانت تعبيرًا عن الحلم الأمريكى والنظر إلى نيويورك باعتبارها مدينة الأحلام التى يمكنها ببعض التحايل أن تكون جزءًا من صورتها البراقة، وهو ما عبرت عنه «آنا» الحقيقية فى تصريح صحفى بعد سجنها فى مجمع سجون جزيرة رايكرز فى مدينة نيويورك: «لست آسفة؛ أنا فقط نادمة على الطريقة التى اتبعتها فى أمور معينة».

ألقى المسلسل الضوء أيضًا على الدور الذى أصبحت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعى خاصة إنستجرام فى خلق صورة ذهنية عن أشخاص يمتلكون حياة ليست حقيقية لكنها عبارة عن كذبة ملونة بالكثير من الفلاتر، وحتى فى اللحظات المهمة يتحول الأمر لعبث ومحاولة للظهور؛ فقد تحولت محاكمة آنا الحقيقية إلى «تريند» على وسائل التواصل الاجتماعى ليس بسبب أهمية القضية وأنها تضم أسماء عن شخصيات فى عالم البنوك والتمويل فى نيويورك لكن لأن المتهمة «آنا» أصرت على استئجار مصفف شعر ومصمم أزياء خاص بظهورها فى المحاكمة وهو ما جعل قاعة المحكمة مكانًا لعدسات المصورين فقط لالتقاط تفاصيل ظهور «آنا ديلفى».

تفاصيل العمل الصحفى التى تظهر فى المسلسل رغم أن بعضها لم يكن حقيقيًّا مثل استعانة الصحفية «فيفيان» بعدد من زملائها لمساعدتها فى كتابة قصة «آنا» حتى تستطيع اللحاق بموعد النشر قبل أن تداهمها آلام الوضع، ورغم أن بعضها تعرض لانتقادات لاذعة من الصحفيين مثل المشهد الذى أقنعت فيه فيفيان آنا بعدم قبول صفقة إقرار بالذنب والذهاب إلى المحاكمة، ضد نصيحة محاميها، حتى تتمكن فيفيان من كتابة مقال عنها، فهذا الحدث فى العالم الحقيقى كان من الممكن أن يكون أكبر فضيحة فى القصة، لكن أيضًا أظهر المسلسل الدأب والمثابرة التى يعمل بها الصحفى فى محاولة للحصول على الحقيقة، والمساومات وربما الضغط الذى يقوم به الصحفى للحصول على المعلومة الصحيحة ومحاولة التأكد منها من أكثر من مصدر وكيف يمكن أن تتحول محاكمة احتيال إلى قضية كبيرة تدين مجتمعًا بأكمله.

المصرى اليوم