أخبار عاجلة

مارس الأخضر.. خارطة طريق لمبادرة وطنية رائدة

مارس الأخضر.. خارطة طريق لمبادرة وطنية رائدة مارس الأخضر.. خارطة طريق لمبادرة وطنية رائدة
في 19 مارس الماضي، حدد مجلس الوزراء يوم الـ27 من شهر مارس من كل عام يوما رسميا لمبادرة « الخضراء»، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 27 مارس 2021.

وفي إطار هذه المبادرة، أعلنت المملكة في 9 أكتوبر 2023 خارطة الطريق الخاصة بزراعة 10 مليارات شجرة، التي تندرج ضمن التزامات المملكة الوطنية والدولية بالتصدي لكل التحديات البيئية المتعلقة بالمناخ، وتحسين جودة حياة المواطنين من خلال الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي سيتم تحقيقها على المدى الطويل عبر جهود التشجير.

خطة إستراتيجية

تتضمن الخارطة خطة إستراتيجية مصممة لتنمية الغطاء النباتي في جميع مناطق الموائل الطبيعية. كما ستشمل المدن والطرق السريعة والمساحات الخضراء؛ لضمان إسهام الأشجار الجديدة في تعزيز صحة ورفاه سكان المملكة الذين تعيش النسبة الأكبر منهم في المناطق الحضرية.

ومن المتوقع أن تستفيد مراكز المدن من زيادة الكثافة الشجرية التي ستسهم في خفض درجات الحرارة بمقدار 2.2 درجة مئوية، وتحسين جودة الهواء. وتُعَدُّ درجات الحرارة المرتفعة وتلوث الهواء من المخاطر البيئية الأكثر شيوعا في المناطق الحضرية حول العالم، وترتبط بانتشار مجموعة من الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب والشرايين والجهاز التنفسي. كما تُسهم جهود تنمية الغطاء النباتي بالمدن في خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون.

بالإضافة إلى ذلك، سيسهم تنفيذ خارطة الطريق في توفير العديد من فرص العمل في مختلف أنحاء المملكة؛ للقيام بمهام زراعة الأشجار، وجمع البذور، وتجهيز وصيانة الأراضي الزراعية، وتطوير شبكات لإعادة استخدام المياه المعالجة، وإنشاء حدائق ومتنزهات ومحميات جديدة، في خطوة مهمة تمهد الطريق لتطوير أساليب جديدة ومبتكرة لتعزيز الاستدامة.

تحديات بيئية

تعدّ مبادرة «السعودية الخضراء» واحدة من أكبر مبادرات إعادة التشجير في العالم، وتعكس التزام المملكة بالتصدي للتحديات البيئية المختلفة التي تواجه البلاد، بما في ذلك انخفاض معدلات هطول الأمطار ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة ومناطق الغابات إلى ما دون المعدلات العالمية. وكان الهدف الأول الذي تم إعلانه لزراعة 10 مليارات شجرة معادلة استصلاح 40 مليون هكتار من الأراضي في المملكة. ومن خلال تنفيذ الدراسة، تم رفع هذا الهدف ليعادل الآن استصلاح 74.8 مليون هكتار من الأراضي. ويشكّل هدف زراعة 10 مليارات شجرة 1% من هدف التشجير العالمي، و20% من هدف زراعة 50 مليار شجرة الذي حددته مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر».

ولا تمثّل خارطة الطريق بداية جهود التشجير في المملكة، إذ شهدت الفترة بين 2017 و2023 زراعة 41 مليون شجرة في مختلف أنحاء المملكة.

ظروف بيئية

استندت خارطة الطريق إلى دراسة جدوى علمية إستراتيجية تفصيلية، استمرت عامين، وجرى تنفيذها بالتعاون بين وزارة البيئة والمياه والزراعة والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحّر، بمشاركة نخبة من أمهر الخبراء، محليا ودوليا، في تخصصات متعددة.

كما توسّعت الدراسة إلى جانب التركيز على تمكين المملكة من تحقيق هدف زراعة 10 مليارات شجرة؛ لتشمل أساليب الريّ المستدامة التي يمكن استخدامها في أنشطة التشجير، وضمان توافق أنواع الأشجار المختارة مع الغطاء النباتي، وقدرتها على التكيف مع مناخ المملكة. وشملت الدراسة أكثر من 1.150 مسحا ميدانيا في مختلف مناطق المملكة؛ لتحديد المواقع الجغرافية الأنسب لزراعة الأشجار استنادا إلى الظروف البيئية المختلفة، بما في ذلك التربة والمياه ودرجات الحرارة والرياح والارتفاع عن مستوى سطح البحر. كما تضمنت الدراسة تقييما شاملا للقطاعات ذات الصلة بالاستفادة من التوصيات العلمية والتقنيات المتقدمة.

نهج شامل

ومن المقرر تنفيذ خارطة الطريق المعتمدة على مرحلتين: المرحلة الأولى تمتدّ من 2024 حتى 2030، وتَتَّبِع نهجا قائما على الطبيعة لإعادة التأهيل البيئي، بينما ستبدأ المرحلة الثانية في 2030، وسيتم خلالها العمل على استحداث نهج شامل يعتمد على الجهود البشرية في إعادة التأهيل البيئي.

وتحتضن المملكة العربية السعودية أكثر من 2.000 من الأنواع النباتية التي تزدهر عبر مجموعة متنوعة من الموائل الطبيعية، بما في ذلك غابات المانجروف والمستنقعات والغابات الجبلية والمراعي والمتنزهات الوطنية والوديان. ومن المتوقع زراعة أكثر من 600 مليون شجرة بحلول 2030، أي ما يعادل استصلاح 3.8 ملايين هكتار من الأراضي. وتعدّ استعادة وحماية التنوع الأحيائي إحدى أهم الجوانب التي يركز عليها هدف زراعة 10 مليارات شجرة.

مستقبل مستدام

تحمل مبادرة «السعودية الخضراء» في مستهدفاتها تأكيدا لدور المملكة الريادي، وعملها على إحداث نقلة نوعية داخليا وإقليميا تجاه التغير المناخي، لبناء مستقبل أفضل، وتحسين مستوى جودة الحياة.

ومنذ إطلاق «رؤية المملكة 2030» في 2016، بذلت المملكة جهودا فعالة لحماية البيئة، وتقليل آثار التغير المناخي، إذ تجمع «السعودية الخضراء» بين حماية البيئة وتحويل الطاقة وبرامج الاستدامة، لتحقيق ثلاثة أهداف شاملة ترمي إلى بناء مستقبل مستدام للجميع من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية، وتشجير مساحات من المملكة، وحماية المناطق البرية والبحرية.

الطاقة المتجددة

في جانب الطاقة، يُعد خفض انبعاثات الكربون أمرا بالغ الأهمية لإبطاء آثار التغير المناخي وإعادة التوازن البيئي، لذلك تبذل المملكة جهودا حثيثة في تعزيز وتوحيد جهود مكافحة أزمة المناخ تحت مظلة مبادرة «السعودية الخضراء» من خلال تنفيذ مجموعة متنامية من مشاريع الطاقة المتجددة، وتقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من الإسهام العالمي من خلال توفير 50% من إنتاج الكهرباء عبر مشاريع الطاقة المتجددة بحلول 2030، وإزالة نحو 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية من خلال تنفيذ العديد من المشاريع في مجال التقنية الهيدروكربونية النظيفة، ورفع نسبة تحويل النفايات على المرادم إلى 94%، وتزويد المباني والصناعات المختلفة ووسائل النقل بالطاقة اللازمة بكفاءة وفعالية التقدم والإنجاز من خلال مشاريع الطاقة المتجددة الحالية التي ستنتج طاقة كافية لتزويد 600 ألف منزل بالكهرباء، مما يعني تخفيض غازات الاحتباس الحراري بما يعادل 7 ملايين طن سنويا. كما سيتم استثمار 7 مليارات دولار سنويا في الحلول التي تسهم في تخفيض نسبة انبعاث الكربون من قِبل مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ (OGCI)، التي تعد «أرامكو» السعودية عضوا مؤسسا لها، وسيتم تخصيص أكثر من 35 مبادرة لتعزيز كفاءة الطاقة في جميع أنحاء المملكة، وتقليل استهلاكها وهدرها.

وفي إطار الخطة الإستراتيجية لتوسعة الخطوط الحديدية، سيصل طول السكك الحديدية إلى 9.900 كم، مما سيسهم في التقليل من الازدحام المروري وانبعاثات الكربون الصادرة عن المركبات.

وسيحظى الجانب البيئي بزراعة 10 مليارات شجرة في جميع أنحاء المملكة، لتحويل الصحراء إلى أرض خضراء، وإعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي خلال العقود المقبلة، التي تعد بمنزلة حجر الأساس لـ«السعودية الخضراء»، حيث يسهم التشجير في تحسين جودة الهواء، وتقليل العواصف الرملية، ومكافحة التصحر، وتخفيض درجات الحرارة في المناطق المجاورة.

وتدرك المملكة، بصفتها منتجا عالميا رائدا للنفط، تماما نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، حيث تسعى إلى توفير حلول مبتكرة تدعم مكافحة تغير المناخ في وقت أصبح فيه الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة ضرورة حتمية، بينما ستدعم مبادرة «السعودية الخضراء» جهود المملكة لتصبح رائدة في مجال الاستدامة على المستوى العالمي.

مستهدفات عالمية

في 27 مارس 2021، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، اللتين سيجرى إطلاقهما، سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة، ووضعهما في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة، وستسهمان بشكل قوي في تحقيق المستهدفات العالمية.

وقال ولي العهد: «بصفتنا منتجًا عالميًا رائدًا للنفط، ندرك تمامًا نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، ومثل ما تمثّل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل على قيادة الحقبة الخضراء المقبلة».

وأضاف ولي العهد: «المملكة والمنطقة تواجهان الكثير من التحديات البيئية مثل التصحر، الأمر الذي يشكل تهديدا اقتصاديا للمنطقة (يقدر أن 13 مليار دولار تستنزف من العواصف الرملية في المنطقة كل سنة). كما أن تلوث الهواء من غازات الاحتباس الحراري يقدر أنه قلص متوسط عمر المواطنين بمعدل سنة ونصف السنة، لذا سنعمل من خلال مبادرة «السعودية الخضراء» على رفع الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية».

التقنيات الهيدروكربونية

بيّن ولي العهد أن «السعودية الخضراء» تتضمن عددا من المبادرات الطموحة، من أبرزها زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة العربية السعودية خلال العقود المقبلة، بما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، مما يعني زيادة المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفا، تمثّل إسهام المملكة بأكثر من 4% في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1% من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة.

كما ستعمل على رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضيها التي تقدر بـ600 ألف كيلومتر مربع، لتتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كل دولة، بالإضافة إلى عدد من المبادرات لحماية البيئة البحرية والساحلية.

واستطرد: «مبادرة السعودية الخضراء ستعمل كذلك على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من الإسهامات العالمية، وذلك من خلال مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50% من إنتاج الكهرباء داخل المملكة بحلول 2030، ومشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات إلى المرادم إلى 94%».

وأوضح ولي العهد أنه بينما لا يزال هناك الكثير الذي يتوجب القيام به، فإن المملكة مصممة على إحداث تأثير عالمي دائم. وانطلاقا من دورها الريادي، ستبدأ العمل على مبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» مع الدول الشقيقة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية والشرق الأوسط، وتسعى بالشراكة مع الأشقاء في دول الشرق الأوسط إلى زراعة 40 مليار شجرة إضافية في الشرق الأوسط، مبينا أن البرنامج يهدف لزراعة 50 مليار شجرة، وهو أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، وهو ضعف حجم السور الأخضر العظيم في منطقة الساحل (ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع). ولفت إلى أنه سيعمل هذا المشروع على استعادة مساحة تعادل 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، بما يمثل 5% من الهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة، ويحقق تخفيضا بـ2.5% من معدلات الكربون العالمية.

جودة الحياة

لفت الأمير محمد بن سلمان إلى أن حصة إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط لا تتجاوز اليوم 7%، وأن التقنيات التي تستخدم في إنتاج النفط بالمنطقة ليست ذات كفاءة، لذلك ستعمل المملكة العربية السعودية مع هذه الدول على نقل المعرفة ومشاركة الخبرات، مما سيسهم في تخفيض انبعاثات الكربون الناتجة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%، مضيفا أن هذه الجهود المشتركة ستحقق تخفيضا في الانبعاثات الكربونية بما نسبته أكثر من 10% من الإسهامات العالمية.

وأوضح أن هاتين المبادرتين تأتيان تعزيزا للجهود البيئية القائمة في المملكة العربية السعودية خلال السنوات السابقة وفق رؤية 2030، نظير رغبة المملكة الجادّة في مواجهة ما عانته من تحديات بيئية، تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الأمطار وارتفاع موجات الغبار والتصحر. كما تعد المبادرتان جزءا من جهودها لتعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين فيها، حيث أعادت هيكلة شاملة لقطاع البيئة، وأسست القوات الخاصة للأمن البيئي في 2019، ورفعت نسبة تغطية المحميات الطبيعية من 4% إلى ما يزيد على 14%، وزادت من الغطاء النباتي في المملكة 40% خلال السنوات الأربع الماضية. كما تمكنت المملكة من الوصول لأفضل مستوى انبعاثات كربونية للدول المنتجة للنفط، وغيرها من المبادرات التي بدأت على أرض الواقع، وحققت نتائج إيجابية ملموسة في الوضع البيئي العام.

مجرد البداية

نوه ولي العهد إلى أن هاتين المبادرتين تأتيان كذلك انطلاقا من دور المملكة الريادي تجاه القضايا الدولية المشتركة، واستكمالا لجهودها في حماية كوكب الأرض خلال فترة رئاستها مجموعة العشرين العام الماضي، التي نتج عنها إصدار إعلان خاص حول البيئة، وتبني مفهوم «الاقتصاد الدائري للكربون»، وتأسيس أول مجموعة عمل خاصة بالبيئة فيها، وإطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي وحماية الشعب المرجانية.

واختتم ولي العهد حديثه: «أنا فخور بإعلان مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، وهذه مجرد البداية، حيث تحتاج المملكة والمنطقة والعالم أجمع إلى المضي قدما، وبخطى متسارعة، في مكافحة التغير المناخي. وبالنظر إلى الوضع الراهن، لم يكن بدء هذه الرحلة نحو مستقبل أكثر خضرة أمرا سهلا. لكن تماشيا مع رؤيتنا التطويرية الشاملة، فإننا لا نتجنب الخيارات الصعبة، ونرفض الاختيار المضلل بين الحفاظ على الاقتصاد أو حماية البيئة، ونؤمن بأن العمل على مكافحة التغير المناخي يعزز القدرة التنافسية، ويطلق شرارة الابتكار، ويخلق الملايين من الوظائف، إذ يطالب اليوم الجيل الصاعد في المملكة وفي العالم بمستقبل أنظف وأكثر استدامة، ونحن مدينون لهم بتقديم ذلك. وفي هذا الصدد، ستعمل المملكة مع كل شركائها الدوليين، من منظمات ودول، على تطوير هاتين المبادرتين، وما يندرج ضمنهما من مبادرات، ووضع الجداول الزمنية لتحقيقها».


الوطن السعودية