أخبار عاجلة

صباح الخير على الورد الذى سيتفتح غداً فى جناين

على عكس ما توقع - وتمنى - البعض، لم يتأجل إصدار مشروع قانونى «مباشرة الحقوق السياسية» و«مجلس النواب» إلى حين الانتهاء من الحوار المجتمعى حولهما، وهو ما كان يعنى عملياً أن تنتقل مسؤولية إصدارهما إلى الرئيس «عبدالفتاح السيسى» بعد توليه سلطته الدستورية غداً، بحكم أن السلطة التشريعية ستنتقل إليه إلى حين انتخاب مجلس النواب، وفوجئ الجميع بصدور القانونين أمس الأول، لتخيب توقعات المتوقعين وأمنيات المتمنين.

ومشكلة توقيت إصدار هذين القانونين تكمن فى أن الذى يحكم هذا التوقيت هو النص الدستورى، الذى يقضى بأن تبدأ إجراءات انتخابات مجلس النواب، بعد ستة أشهر من نفاذ الدستور، أى قبل 18 يوليو المقبل، ومن البدهى أن هذه الإجراءات، التى لم يبق أمامها سوى أربعين يوماً، لا يمكن أن تبدأ قبل صدور القوانين التى تنظم إجراءها، وهى تشمل - فضلاً عن هذين القانونين - قانوناً ثالثاً لم يصدر بعد، هو قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وهو قانون يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقانون مجلس النواب، إذ من البدهى أنه لا يمكن تقسيم الدوائر الانتخابية، إلا بعد صدور القانون الذى يحدد عدد أعضاء مجلس النواب، والنظام الانتخابى الذى تجرى على أساسه الانتخابات.

وفضلاً عن ذلك، فإن المشرع الدستورى قد أربك المشرع القانونى، حين ألزمه - فى مواده الانتقالية - بأن يعمل على تمثيل أربع فئات تمثيلاً ملائماً فى أول مجلس نيابى ينتخب بعد إقراره، هى: الشباب والمسيحيون والأشخاص ذوو الإعاقة والمصريون المقيمون فى الخارج، كما ألزمه - فى مواد الدستور الدائمة - بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية.. وهى نصوص يستحيل تحويلها إلى واقع، إلا عبر المفاضلة بين الأخذ بنظام القائمة فى كل الدوائر، أو تخصيص مقاعد لكل هذه الفئات أو بعضها، فى بعض الدوائر دون غيرها، فى حالة الأخذ بنظام المقعد الفردى، أو بالجمع بين النظامين، بتخصيص القائمة بنسبة 20٪ لمقاعد هذه الفئات، وتخصيص المقاعد الفردية بنسبة 80٪ للجميع، وهو الرأى الذى انتهت إليه اللجنة التى وضعت المشروع، ليثير اعتراضات واسعة من الأحزاب السياسية، التى تباينت مواقفها بين الذين طالبوا بإجراء الانتخابات على كل المقاعد بنظام القائمة - على أن تكون نسبية لا مطلقة ومفتوحة لا مغلقة - والذين طالبوا بإجرائها على كل المقاعد على أساس الأخذ بنظام المقعد الفردى، والذين طالبوا - كحل وسط - بنظام مختلط يجمع بين القائمة والفردى على أساس المناصفة، ليكون عدم إجماع الأحزاب على رأى، أو بروز اتجاه غالب بينها، أحد الأسباب التى شجعت على إصدار القانونين - خاصة قانون مجلس النواب - دون حوار مجتمعى كاف، خاصة وليس فى الوقت الذى حدده المشرع الدستورى متسع للتقريب بين وجهات النظر، أو التعرف على اتجاه رئيسى بينها.

وفيما عدا الخلاف حول الطريقة التى تجرى بها الانتخابات فى قانون مجلس النواب، فقد اشتمل القانونان، خاصة قانون مباشرة الحقوق السياسية، على مزايا عديدة، لا يجوز أن يغفلها أحد عند مناقشتهما، أو المطالبة بتعديلهما، من بينها أننا أمام قانونين جديدين تماماً، ولسنا أمام مجرد تعديل أو ترقيع على القانونين اللذين كانا قائمين قبلهما، إذ نص أولهما صراحة فى مواد إصداره على إلغاء قانون مباشرة الحقوق السياسية الذى كان قائماً منذ عام 1956، والذى أدخلت عليه تعديلات كثيرة منذ ذلك الحين أربكت نصوصه وزادتها تعقيداً، وألغى الثانى بنص صريح كذلك قانون مجلس الشعب الذى صدر عام 1972 وقانون مجلس الشورى الصادر عام 1980، وتضمن كلاهما نصوصاً مستحدثة تستلهم النصوص التى وردت فى دستور 2014، وتضيف إليها ما يتواءم معها، وما يحقق قصد المشرع الدستورى فى إقامة حياة نيابية حقيقية تجعل الأمة حقاً مصدر السلطات.

ومن بين الإضافات التى لفتت نظرى فى أول قراءة لنص قانون مباشرة الحقوق السياسية أنه اعتمد تنظيم القيد فى قاعدة بيانات الناخبين التى تقوم على الرقم القومى، لتحل هذه القاعدة محل جداول الانتخابات، التى ظل جيلنا أكثر من ثلاثين عاماً يطالب بتغييرها، وحدد الفئات التى تعفى أو تحرم من ممارسة حقها الانتخابى، لأسباب تتعلق بطبيعة وظائفها أو حالتها الصحية أو صدور أحكام قضائية ضدها، ونص صراحة على ألا يمنع أحد من ممارسة حقه الدستورى فى الانتخاب إلا بسبب قانونى، أو حكم قضائى نهائى، بما فى ذلك الذين تصدر ضدهم أحكام بإفساد الحياة السياسية طبقاً لقانون الغدر الذى صدر عام 1953 وتعديلاته.

ولفت نظرى بشكل خاص أن القانون أفرد ما يقرب من خمس عشرة مادة لتنظيم الدعاية الانتخابية، تشهد لمن صاغوها بالمعرفة الدقيقة بالمدونات الأخلاقية والمهنية للإعلام، وتشكل فى مجموعها ما يمكن اعتباره ميثاق شرف للتغطية الإعلامية للمعارك الانتخابية، سواء كانت استفتاءات عامة أو انتخابات رئاسية أو نيابية أو محلية - يتوجب على الزملاء العاملين فى كل وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية، أن يدرسوها بعناية، وأن يعمموها على كل العاملين فى هذه الوسائل، سواء كانت عامة أو خاصة - لكى يلتزموا بها فى تغطيتهم الانتخابات النيابية الوشيكة، حتى لا يقعوا فى الأخطاء التى وقعوا فيها، أثناء تغطيتهم الانتخابات الرئاسية، والتى لو كان هذا القانون قائماً عند حدوثها لدفعوا غرامة تتراوح بين 20 و200 ألف جنيه بالتمام والكمال.

ومن بين المزايا التى وردت فى هذا القانون - كذلك - أنه أباح لمنظمات المجتمع المدنى المصرية، التى تدخل متابعة الانتخابات بين نشاطها المرخص به، الحق فى متابعة الانتخابات، وأباح هذا الحق - كذلك - للمنظمات الدولية ذات الشأن، فى إشارة صريحة إلى حرص المشرّع على أن يكفل للانتخابات كل الشروط الدولية التى تضمن نزاهتها.. كما أقر قاعدة شطب المرشح الذى يرتكب مخالفة للدستور أو القانون، أو قرارات اللجنة العليا بشأن الدعاية الانتخابية، بناء على بلاغ ترفعه هذه اللجنة إلى المحكمة الإدارية العليا، تنظره على وجه السرعة، فإذا حكمت بإدانته، تم شطبه من قائمة المرشحين.

ويتضمن قانون مجلس النواب هو الآخر عدداً من المزايا من أبرزها أنه وضع تعريفات محكمة للفئات التى تتمتع بالتمييز الإيجابى لدورة برلمانية واحدة للمادة الانتقالية مثل الفلاح والعامل والشاب والمواطن ذى الإعاقة، والمقيمين فى الخارج، بما يحول دون الخلط بين صاحب الحق فى هذا التمييز وبين غيره، ووضع حد أعلى لما يتقاضاه عضو المجلس من مكافآت وبدلات حتى لا تتحول النيابة عن الشعب إلى وسيلة للتكسب، وفقد النائب عضويته فى المجلس إذا تغيرت الصفة التى انتخب على أساسها، أو غير انتماءه الحزبى الذى انتخب على أساسه، أو صار المستقل حزبياً، وهى الحالة الوحيدة التى يجوز على أساسها إسقاط عضوية المرأة.

وليس معنى هذا أن تلك هى المزايا الوحيدة فى القانونين، أو أنهما خاليان من العيوب التى قد تكشف عنها القراءة الأكثر عمقاً لنصوصهما، أما المؤكد فهو أن صدور القانونين لا يجوز أن يصادر حق الأحزاب السياسية فى المطالبة بإعادة النظر فى النظام الانتخابى الذى انتهت إليه اللجنة التى وضعتهما، وهى لجنة فنية رفيعة المستوى، قامت بعملها باقتدار، لكنها خلت من ممثلين للأحزاب السياسية، كما لا يجوز أن يحول بين الرئيس عبدالفتاح السيسى فور تسلمه سلطاته الدستورية، وبين إجراء حوار محدود بين ممثلين قانونيين ينتمون لتلك الأحزاب، لتعديل المواد القليلة المختلف عليها فى قانون مجلس النواب، وبالذات ما يتعلق بانتخاب 20٪ من مقاعد المجلس بنظام القائمة و80٪ للمقاعد الفردية، على أن ينطلق هذا الحوار من سعى مشترك لتحقيق رغبة المشرّع الدستورى فى إقامة نظام سياسى يقوم على التعددية الحزبية، وإدراك المشاركين فيها، وفى مقدمتهم الرئيس، أنه لا ديمقراطية حقيقية دون تعددية حزبية حقيقية.. لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا اتفقت الأحزاب السياسية، أو الكتلة الكبرى منها - على ما تريد.. وليس فقط على ما لا تريد!

وصباح الخير على الورد الذى سيتفتح غداً، فى جناين .

SputnikNews