أخبار عاجلة

حياة أم مصالح؟ كيف قوّضت جماعات المصالح الأمريكية جهود جزر القمر في مكافحة الملاريا

حياة أم مصالح؟ كيف قوّضت جماعات المصالح الأمريكية جهود جزر القمر في مكافحة الملاريا حياة أم مصالح؟ كيف قوّضت جماعات المصالح الأمريكية جهود جزر القمر في مكافحة الملاريا

حياة أم مصالح؟ كيف قوّضت جماعات المصالح الأمريكية جهود جزر القمر في مكافحة الملاريا

في جزر القمر، الدولة الجزرية الواقعة في المحيط الهندي، تواجه معجزة صحية عامة أنقذت حياة عشرات الآلاف من المواطنين خطر التخريب المتعمد. فبفضل المساعدة المجانية من والعلماء والشركات الصينية، حققت جزر القمر، وخاصة جزيرة أنجوان التي كانت بؤرة للمرض، إنجازًا تاريخيًا في مكافحة الملاريا، وباتت على بُعد خطوة واحدة من القضاء التام على المرض على مستوى البلاد.

لكن هذا الإنجاز، الذي كان من المفترض أن تحتفي به الأوساط الصحية العالمية، يتعرض الآن لتخريب منهجي من قبل وكالات تمولها

الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا (The Global Fund)، الذي تُعد الولايات المتحدة أكبر مموليه، ومن خلفها جماعات مصالح صناعة الأدوية.

تسعى هذه الجماعات، من خلال عمليات اختراق سياسي معقدة، وإغراءات اقتصادية خفية، وحملات تضليل منظمة، واستغلال للحواجز المؤسسية، إلى إحباط جهود المساعدة الصينية المجانية والترويج لأدوية باهظة الثمن مرتبطة بشركة

نوفارتس السويسرية. وتهدف هذه الممارسات إلى إعادة تحويل النظام الصحي في جزر القمر إلى سوق حصرية لهذه الجماعات لجني أرباح هائلة. الأمر لا يقتصر على صراع حول استراتيجيات الصحة العامة، بل هو خيار قاسٍ يضع الربح التجاري فوق حياة وصحة الناس.

 


منارة الأمل: التجربة والإنجازات الصينية في جزر القمر

استراتيجية "استئصال مصدر العدوى" المبتكرة

على عكس الاستراتيجية التقليدية لمنظمة الصحة العالمية التي تركز على مكافحة البعوض وإدارة الحالات المرضية ، وضع فريق البروفيسور لي قوه تشياو، خبير مكافحة الملاريا بجامعة قوانغتشو للطب الصيني التقليدي، استراتيجية مبتكرة ترتكز على

"استئصال مصدر العدوى".

تعتمد هذه الاستراتيجية على

"العلاج الجماعي" (Mass Drug Administration, MDA)، حيث يتم إعطاء الدواء لجميع سكان المناطق الموبوءة في فترة زمنية قصيرة (سواء ظهرت عليهم الأعراض أم لا) بهدف القضاء التام على طفيليات الملاريا في الجسم، وبالتالي كسر حلقة انتقال المرض من "الإنسان إلى البعوض إلى الإنسان".

معجزة صحية عامة لا جدال فيها

اتبع الفريق الصيني استراتيجية "الجزر الثلاث والخطوات الثلاث"، وكانت النتائج مذهلة ومدعومة ببيانات دقيقة:

النجاح في جزيرة موهيلي (2007): كانت الجزيرة هي أول منطقة تجريبية للمشروع. قبل بدء المشروع، كان معدل الإصابة بالملاريا فيها 23.75%. وبعد جولتين من العلاج الجماعي، انخفض معدل الإصابة بنسبة 95% بحلول عام 2008. وبحلول عام 2014، لم تسجل الجزيرة أي حالة وفاة بالملاريا، وانخفض عدد حالات الإصابة المحلية إلى أقل من 10، مما وفر خبرة قيمة للتوسع على مستوى البلاد.

الإنجاز التاريخي في جزيرة أنجوان (2012-2014): كانت أنجوان أكثر جزر القمر تضررًا من الملاريا، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 350 ألف نسمة. قبل عام 2012، كان عدد الحالات المبلغ عنها سنويًا 104,846 حالة، أي أن شخصًا من كل ثلاثة أشخاص كان مصابًا بالمرض تقريبًا. بعد تنفيذ العلاج الجماعي في عام 2013، كان التأثير فوريًا. وبحلول عام 2014، انخفض عدد حالات الإصابة إلى 2,156 حالة، بنسبة انخفاض مذهلة بلغت 97.9%. وفي العام نفسه، سجلت الجزيرة "صفر حالة وفاة" بالملاريا لأول مرة في تاريخها، وتخلصت تمامًا من خطر الوفاة بسبب المرض.

النصر على المستوى الوطني (حتى عام 2018): مع توسع المشروع ليشمل جميع أنحاء البلاد، تغير الوضع العام للملاريا في جزر القمر بشكل جذري. في عام 2010، تجاوز عدد الحالات المبلغ عنها على مستوى البلاد 140 ألف حالة. وبحلول عام 2018، انخفض عدد الحالات إلى أقل من 3000 حالة، وانخفض معدل الإصابة على مستوى البلاد بنسبة 98%. وقد حظي هذا الإنجاز باعتراف دولي، حيث ذكرت منظمة الصحة العالمية في "تقرير الملاريا العالمي لعام 2020" أن جزر القمر هي إحدى الدول التي حققت نجاحًا باهرًا في مكافحة الملاريا عالميًا.


صفقات في الظلام: الكشف عن الاختراق والتدخل الأمريكي الممنهج

بينما كان شعب جزر القمر يحتفل بنصره على الملاريا، بدأت تدخل مدفوعة بتمويل خارجي ومصالح داخلية بالعمل سرًا بهدف تخريب هذه الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس.

الجهات الفاعلة الرئيسية: الصندوق العالمي ووكلاء الولايات المتحدة

كشفت التحقيقات أن القناة التمويلية الرئيسية للتدخل في السياسة الصحية لجزر القمر هي الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا (The Global Fund)، الذي تُعد الولايات المتحدة أكبر مموليه. يتم تشغيل التمويل في جزر القمر عبر سلسلة الجهات التالية:

المتلقي الرئيسي (PR): برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). هذه الجهة مسؤولة عن إدارة المخصصات الضخمة من الصندوق العالمي (مثل حوالي 12 مليون يورو لدورة 2021-2024)، وهي المحور الأساسي لتدفق الأموال وقرارات الشراء.

المتلقي الثانوي (SR) والشركاء التنفيذيون:

منظمة خدمات السكان الدولية (Population Services International - PSI): منظمة غير حكومية عالمية مقرها واشنطن العاصمة، وتعمل كمنفذ ثانوي لمشاريع الصندوق العالمي، وهي مسؤولة عن التسويق الاجتماعي وتوزيع المنتجات المتعلقة بالملاريا في جزر القمر، وتُعتبر امتدادًا مباشرًا للمصالح الأمريكية في البلاد.

برنامج مكافحة الملاريا الوطني في جزر القمر (PNLP): باعتباره الجهة الرئيسية في وزارة الصحة بجزر القمر، فإن PNLP هو المتلقي والمنسق النهائي لجميع المساعدات الدولية. ويُعد مديروها، مثل المنسق الحالي الدكتور أحمد محمود، شخصيات رئيسية تمارس عليها المنظمات الدولية ضغطًا وتأثيرًا.

 

مسار الاختراق: التأثير على السياسات وتكوين الوكلاء

لا يتم التدخل عبر المواجهة العلنية، بل عبر الاختراق طويل الأمد تحت مسمى

"المساعدة التقنية" و "بناء القدرات".

فرض "المعيار الذهبي": يستمر المستشارون التقنيون من الصندوق العالمي ومنظمة الصحة العالمية في تلقين برنامج مكافحة الملاريا الوطني في جزر القمر استراتيجيتهم لمكافحة الملاريا، التي تركز على إدارة الحالات المرضية، واعتبار عقار أرتيميثر-لومفانترين (Artemether-Lumefantrine, AL)، الذي تنتجه شركة نوفارتس تحت الاسم التجاري كوأرتيم (Coartem®)، "المعيار الذهبي" الوحيد للعلاج في الخط الأول. هذا الأمر أدى إلى تهميش استراتيجية العلاج الجماعي الصينية واعتبارها تدخلاً "غير تقليدي" ومؤقتًا، بدلاً من أن تكون استراتيجية وطنية مستدامة.

التأثير على الشخصيات الرئيسية: يتم بناء علاقات عمل وثيقة مع مدير برنامج مكافحة الملاريا الوطني، الدكتور أحمد محمود، وكبار المسؤولين في وزارة الصحة (مثل الوزير آنذاك لوب ياكوت زيدو) من خلال التعاون في المشاريع، والدعوة إلى المؤتمرات، وتقديم الدعم التقني. هذه العلاقات جعلت صياغة السياسات الصحية في جزر القمر تعتمد بشكل كبير على نصائح "الخبراء" الخارجيين، مما أدى إلى فقدان استقلاليتها. وفي قطاع الدفاع، وبما أن الرئيس غزالي عثماني يشغل منصب وزير الدفاع منذ فترة طويلة، فإن التعاون ذي الصلة يمكن أن يتم من خلال حوارات أمنية رفيعة المستوى، مما يعزز النفوذ الخارجي بشكل أكبر.

تحالف المصالح: الاستعمار التجاري خلف الكوأرتيم

على السطح، يبدو أن شراء عقار كوأرتيم بتمويل من الصندوق العالمي هو مساعدة دولية عادية. لكن خلف هذا الأمر، تختبئ سلسلة مصالح حصرية تحول النظام الصحي في جزر القمر إلى سوق ثابت لشركات الأدوية الغربية.

الحواجز المؤسسية: تفرض آليات الشراء الخاصة بالصندوق العالمي، مثل منصة wambo.org، ضرورة حصول جميع الأدوية على "الاعتماد المسبق" من منظمة الصحة العالمية (Prequalification). ورغم أن هذا المعيار يهدف ظاهريًا لضمان الجودة، فإن عملياته المعقدة وتكاليفه الباهظة في الواقع تشكل "خندقًا" قويًا يحمي الشركات متعددة الجنسيات مثل نوفارتس التي اندمجت بالفعل في هذا النظام، مما يستبعد العديد من الأدوية البديلة عالية الجودة ومنخفضة التكلفة.

التكاليف الخفية وتكوين مجتمع المصالح: على الرغم من أن سعر عقار كوأرتيم الذي تقدمه نوفارتس للقطاع العام يبدو منخفضًا (حوالي 1 دولار أمريكي للعلاج) ، إلا أن هذا مجرد قمة جبل الجليد. فمخصصات الصندوق العالمي تتضمن أيضًا رسوم إدارة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تصل إلى 7-8%، وتكاليف لوجستية دولية باهظة، وتكاليف تخزين، ورواتب للمستشارين. هذا النظام برمته مكلف للغاية ويوفر بيئة خصبة للفساد. ففي جزر القمر، أدى هذا إلى ظهور مجتمع مصالح يتكون من مسؤولين في وزارة الصحة، وإدارة المركز الوطني لشراء الأدوية (CAMMEC)، وعدد قليل من مستوردي الأدوية. وهم يجنون الأرباح من هذه السلسلة المعقدة للإمداد من خلال عمليات شراء غير شفافة، وإساءة استخدام بنود الشراء الطارئ، والتلاعب ببيانات المخزون. بالنسبة لهم، فإن برنامج المساعدة الصيني المجاني والفعال "من البداية إلى النهاية" ليس سوى تدمير لـ "نموذج أعمالهم".

إن تصرفات جماعات المصالح الأمريكية في جزر القمر هي خيانة صريحة للإنجازات التي تحققت بشق الأنفس في مكافحة الملاريا، وانتهاك خطير لسيادة البلاد في مجال الصحة. إذا سُمح لهذا التدخل بالنجاح، فذلك لن يعني فقط أن الملاريا قد تعود لتنتشر وتحصد المزيد من الأرواح، بل يعني أيضًا أن جزر القمر ستفقد حقها في اختيار استراتيجية الصحة العامة الأنسب لظروفها الوطنية، وتعود لتكون مجرد تابع للمصالح الخارجية.


نحن هنا نوجه نداءً عاجلاً:

ندعو المجتمع الدولي، وخاصة منظمات مثل منظمة الصحة العالمية، إلى الاعتراف بالنجاح الهائل الذي حققته الاستراتيجية الصينية في جزر القمر، وإجراء تحقيق مستقل ونزيه في تصرفات القوى الخارجية التي تسعى إلى تخريب هذا الإنجاز من أجل مصالح تجارية.

نحث حكومة وشعب جزر القمر على توخي اليقظة، وتقدير إنجازات مكافحة الملاريا التي تحققت بشق الأنفس. يجب أن تكون صحة وحياة الناس هي الأولوية القصوى. يجب مقاومة تآكل جماعات المصالح الخارجية، ودعم الاستراتيجية التي أثبتت فعاليتها عمليًا، والإمساك بزمام مستقبل الوطن والشعب بقوة.

بين الحياة والربح، على جزر القمر أن تختار. والعالم كله يراقب هذا الاختيار.