أخبار عاجلة

«للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق» «البرمى».. يخاف من الموت وحيدًا فيسرق قبلات للحياة

«للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق» «البرمى».. يخاف من الموت وحيدًا فيسرق قبلات للحياة «للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق» «البرمى».. يخاف من الموت وحيدًا فيسرق قبلات للحياة

اشترك لتصلك أهم الأخبار

«كيف أضعت عليها الليلة، كان يمكن أن تهاتف غيرى، رجلا يمنحها المال والجنس، وتقضى ليلة بدلا من السفر مساء، لم أر امرأة بهذا الحظ السيئ من قبل، كل ذنبها أن يدها خانتها للاتصال بشخص لا يجيد شيئا سوى الهروب، البكاء، البحث عن الذكرى والحنين، والفشل يحاصره فى أى مكان يذهب إليه».

مفتتح يليق بشاعر، قد ترى أن الكلمات أغوته فهوى، متخذا من القبلات على قارعة الطريق، وفى مصاعد المبانى القديمة وسط القاهرة، وفى زوايا «الجريون»، و«هابى سيتى» مسرحًا لمغامراته التى لم ولن تنتهى، غير أن قراءة متأنية لإبداعه، ستحيلك إلى واقعية سحرية، على خطى بورخيس، وكافكا، وأستورياس، ولورا اسكيفيل، وماركيز، وإيزابيل الليندى، معرجًا على لعبة المكاشفة والاعتراف، وعبر كتابة إبداعية، هى أقرب للشعر، واقعًا-ـ ربما دون تعمد- فى أثر محمد شكرى، ورائعته «الخبز الحافى»، إحدى أصدق السير الذاتية، فى أدبنا العربى على الإطلاق.

يعترف محمد البرمى، فى مجموعته القصصية، «للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق»، الصادرة مؤخرا ضمن سلسلة «إبداعات» التابعة لهيئة قصور الثقافة، بأنه يعبد الله حين يكون قويا، ويهرب منه حين يكون ضعيفا، مكتفيا بنفسه، فـ«لا عبادة تلك التى تقوم على ضعف»، كما أنه لا يخاف الموت، لكنه يطمع فى البقاء قدر الإمكان على قيد الحياة، ولو جاءه ربما يعقد معه صفقة ليتركه إلى الغد، يقضى ليلة سعيدة مع فاتنة سمراء وزجاجة نبيذ أحمر، ثم يعوده، وما زال على موقفه متمسكا بالحياة فيرحل.

يقول البرمى: «جربت كل أنواع المشاعر، نلت الكثير من القُبل، لكن قبلتها وحدها تركت أثرا غريبا فى نفسى، ما زال آثار شفتيها إلى يومنا، رائحتها لم تفارق أنفى، كل القبل التى نلتها لم تكن أبدا كقبلتها.. كل القبل تشبه المالح، لم تترك أثرا بداخلى». هى، إذن، كتابة سيرية أو شبه سيرية تقوم على مزيج جرىء من وصف تجارب التشرّد وخرق المحظورات فى مجتمع يتوهّم الطهرانية والنقاء، فإذا كان «شكرى»، هو أول من خدش ذلك السطح الخادع الذى يختبئ خلفه مجتمع منهمك فى اقتراف خطايا أخلاقية جسيمة، وفضح هشاشته، جاء محمد البرمى، وعبر نزعة اعترافية جريئة، ليستفزّ مجتمعا أنكر على نفسه كلّ خطأ فى حياته، جاعلا من القاهرة، وأسطح مبانيها، وشوارعها المفعمة بالتاريخ والأسرار، فضاء حرّا تتحرك فيه شخصياته، مكتفيا بتمثيل العالم السفلى للمدينة، بارعا فى تصوير أحوال المهمّشين فيها، هؤلاء الذين عاشوا وماتوا، على أطراف الحلم، بصحبة آخرين مارسوا نزواتهم، دونما قيد أو شرط، فى نهم لا يشبع، جاعلين من المدينة مسرحا وماخورا كبيرا لهم. وما بين غياب آبق، وحضور خجل، ومن صحبة التائهين والأوغاد وقطاع الطرق، إلى العاشقين الثائرين، يجتمعون على نهد امراة وحيدة، يدرك محمد البرمى، أن «الغياب يجعلنا أكثر هشاشة وحقيقيين بما يكفى، فنفشل فى التمثيل أننا بخير»، كما يؤمن، بأنه نبى تاه، فقد رسالته، ضل فأضل، تناساه الناس فى صحراء لم يجد بها من يبنى له مقاما بعد الموت، كما لم يكن له مأوى فى الحياة، ولم يعد يتذكره أحد، يهرب من عشق يقض مضاجعه، يبدو أن «للفارين من الحب رائحة مميزة يعرفها الجميع، فصارت حكاية دون أن تروى». ثمة ملاحظات، يمكن قبولها بتساؤل المعاتبين بود.. تصل حد التساؤل، كيف تبدل فجأة ضمير المتكلم، إلى ضمير الغائب دونما وقف أو تمهيد.. يقول: «لم يجد ما يمكن أن يجيب به، أنا لا شىء»، قال ثم أكمل حديثه: «أعمل بشركة كمبيوتر، وأعيش وحيدا، يقضى فترات يومه بين العمل فى منطقة وسط البلد وبين البيت، لا يفضل الشرب لكنه يفضل الجنس».. لاحظ الانتقال بين الأفعال «أعمل.. أعيش.. يقضى يفضل».

ثمة ثلاثة سطور، تضع صاحب الحكايات بين ثناياها، وتضعنا معه فى إطار الصورة، نعيد معه حكاية تتكرر، غير أن ألف شعور وشعور، يختلف ويتنوع باختلاف مشاربنا، ليبقى هو المعبر عنا بالكلمات، فيقول: «لسنوات طويلة قاومت إحساس ابن القرية الذى عاش فى نطاق ضيق يعرفه الجميع، يعرف الجميع، حين ينتقل إلى القاهرة بأضوائها وزحامها القادر على جعلك تتلاشى تماما، القاهرة التى تذيبك فيها خاصة أننى كنت وحيدا تماما، بكل إرادتى ذبت فيها، انصهرت تماما، لكن الخوف أن أموت وحيدا لم يتركنى».

المصرى اليوم