أخبار عاجلة

«تراهني إني هموت يا رغدة».. القصة الكاملة لرحيل «النمر الأسود»

التحرير

ارسال بياناتك

جاء إلى الدنيا مُمثلًا ورحل عنها ممثلّا، أما ما بين الميلاد والوفاة من سنوات قضاها في حياته التي لم تتجاوز الـ 56 عامًا، فكانت كالفاصل الإعلاني بين أفلامه التي سرعان ما كان ينتهي من أحدها حتى يستعد بالتحضيرات لتصوير آخر، وكأنه تمرد على الدنيا، وأبى إلا أن يعيش داخل أفلامه، بشخصيات توحّد معها إلى حد مخيف، يكاد يفصله عن واقعه الأليم، الذي لم يرغب قط في العودة إليه عقب الانتهاء من كل فيلم، وذلك منذ رحيل زوجته وحب عمره "هالة فؤاد"، التي ودّعت الحياة في عام 1993، بعد إصابتها بسرطان الثدي، تاركة له ابنهما الوحيد "هيثم"، ذلك الشاب الذي لم ينل أقل من حظ والده من الوحدة التي صاحبته حتى وفاته.

2bdfc2bab0


الفصل الأخير من حياة "النمر الأسود"، أحمد زكي، هو الأكثر مأساوية في رحلته إلى الدنيا، ويحتوي على تفاصيل توضح مدى عشقه للتمثيل حتى وهو في آخر أيام حياته على سرير المرض بمستشفى "دار الفؤد"، وذلك ما يرصده لكم "التحرير لايف" في التقرير التالي.

اكتشاف المرض بالصدفة

ذات يوم ذهب أحمد زكي لزيارة شقيق صديقه المريض، الدكتور حسن البنا، وأثناء دخوله المستشفى، لاحظ صديقه الطبيب أن "زكي" يتعجز على إحدى ساقيه، فأشار عليه بعمل "إشاعة" لكشف السبب، وبالفعل أجرى الفنان الراحل ما طلبه صديقه، وبينما كان يفحص الأخير نتائج الإشاعة، استمع إلى "زكي" وهو يطلب من أخصائي الأشعة إجراء فحص على الصدر لشعوره ببعض الآلام، فكان له ما أراد.

وهنا كانت المفاجأة في إصابة "زكي" بماء على الرئة، والتي سرعان ما تزايدت خلال 4 أيام فقط من ذلك اليوم لتغطي نصف الرئة تقريبًا، واكتشف الأطباء حينها أن أحمد زكي مصابًا بمرض "سرطان الرئة" نتيجة شراهته في التدخين.

لم يعبأ "زكي" كثيرًا بمرضه وواصل أعماله الفنية، معتمدًا على الأدوية التي وصفها له الأطباء، لكن سرعان ما تطورت الحالة، وأصيب أحمد زكي بمضاعفات خطيرة والتي كانت عبارة عن: "جلطة في الرئة، وجلطة في الساقين، وجلطات متفرقة في الدم، وزيادة منسوب على الرئة"، وفق ما أوضحه وزير الصحة آنذاك "عوض تاج الدين"، خلال حلقة من برنامج "حكاية وطن"، على قناة النهار، للإعلامي عادل حمودة.

بداية النهاية

ahmed_zaki_hospital

اشتد المرض على "النمر الأسود"، فشحب وجهه، وتهدجت أنفاسه، ورغم ذلك لم يتوقف عن التمثيل، رغم تعليمات الأطباء له، وبينما هو جالس مرتديًا "الروب" في منزله، وواضعًا يديه أسفل ذقنه، دخل عليه مدير أعماله "محمد وطني"، فقال له الفنان الكبير: "أنا خلاص مروح يا وطني"، فبكى مدير أعماله وصديق عمره، ثم احتضنه بشدة، فسأله "زكي": "أنت بتكبي ليه ما أنت كمان هتموت وهننزل كلنا تحت وهنسهر بليل مع بعض".

 خلال تلك الفترة تم احتجازه في مستشفى "دار الفؤاد"، تحت ملاحظة مباشرة من وزير الصحة شخصيًا، ومدير المستشفى آنذاك "حاتم الجبلي"، وطلبت منه رئاسة الجمهورية رفع تقرير يومي عن حالة "زكي" إلى سكرتير رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، الدكتور "أسامة الباز"، كما أمر الرئيس الأسبق حسني مبارك بتجهيز طائرة عسكرية في مطار ألماظة، للإقلاع فورًا بالفنان أحمد زكي لتلقي العلاج بالخارج إذا ما استدعت الضرورة ذلك.

Untitled

في ذلك الوقت عرض فريق طبي صيني على المستشفى علاج الفنان أحمد زكي عن طريق الحقن بالإبر الصينية، وبعد عرض الأمر على وزير الصحة، ذهب الفريق إلى غرفته بدار الفؤاد، وبدأت مرحلة العلاج بالإبر، وحينها طلب "زكي" تصويرها ونقلها عبر شاشة التلفزيون المصري، كما خرج حينها وصارح الجمهور بتفاصيل حالته الطبية، لكن لم يتمكن الفريق من فعل شيء جديد، واستمرت الحالة من سيء إلى أسوأ.

وبينما هو مقيم في غرفته بمستشفى "دار الفؤاد"، رافقته الفنانة السورية "رغدة" لمدة 14 شهرًا، نظرًا للعلاقة الوطيدة التي جمعتهما، فكانت تحضر له الطعام بنفسها، وتعمل على خدمته، حتى إنها قالت له ذات مرة: "هتعيش يا أحمد"، فرد عليها في إعياء شديد: "تراهنيني إني هموت يا رغدة"، وبعد رحيله كتبت الفنانة السورية قصيدة رثاء له بعنوان "وكسب أحمد الرهان".

الأيام الأخيرة

3

عرف المحيطون به قّرب نهايته، ورغم ذلك لم يفقد هو الأمل في الحياة، بل كان يطلب الخروج لتناول الغداء مع أصدقائه في فندق "مينا هاوس"، فكان يسمح له الطبيب ويصطحبه إلى الفندق ثم يعود به مرة أخرى إلى المستشفى.

المفاجأة كانت في إصرار "زكي" على تصوير فيلم "حليم"، رغم نصيحة أصدقائه له بعدم فعل ذلك، حتى أن الإعلامي الكبير عماد الدين أديب أخبره بأنه قد يموت قبل إكمال الفيلم، لكنه لم ينصت إلى النصيحة وبدأ التصوير، وتبين فيما بعد أن أحد أسباب إصراره على ذلك هو ترك وديعة من الأموال لابنه الوحيد "هيثم"، فلم يكن يمتلك "زكي" حينها ما يكفي من المال لتأمين مستقبله.

صديقته المخرجة إيناس الدغيدي قالت عن مشاهده القليلة في فيلم "حليم": "معظمها كان أحمد غايب عن الوعي، ورغم إنه كان بيمثل دور عبد الحليم على سرير المرض، لكن انفعال الألم اللي كان بيظهر على وجهه حقيقي فعلا.. حتى مرضه وظفه لصالح التمثيل".

وما لا يعلمه الكثيرون أن الفنان أحمد زكي فقد بصره قبل رحيله بأيام، لكنه لم يصارح أحد بذلك، عدا ابن خالته "سمير عبد المنعم"، الذي كان يجلس إلى جواره في غرفته بالمستشفى، يخبره عن اسم الشخص الذي يدخل.

الرحيل

5

تحققت نبوءة الأطباء، ولفظ أحمد زكي أنفاسه الأخيرة قبل انتهائه من تصوير "حليم"، في يوم الإثنين الموافق 27 مارس عام 2005، عن عمر ناهز السادسة والخمسين، وخرج الآلاف لتشييع جنازته، من مسجد مصطفى محمود بالمهندسين، بحضور كبار رجال الدولة والفنانين ورجال الصحافة والإعلام، حيث وُري جسده الثرى في مقبرته بمدينة السادس من أكتوبر عند الكيلو ‏56، والتي أشرف الراحل بنفسه على بنائها‏.‏

التحرير