شبكة عيون الإخبارية

تعنيف المرأة.. خروج على تعاليم الإسلام وأخلاقه

القاهرة - " وكالة أخبار المرأة "

العنف ضد المرأة، بنتاً وزوجة وأختاً، أصبح سلوكاً شاذاً لرجال في بلادنا العربية والإسلامية. والغريب أن بعض من أدمنوا هذا السلوك ضد نسائهم يتسترون وراء مفاهيم دينية خاطئة، ويحتمون بالشريعة الإسلامية، فالآباء والأشقاء الذين يمارسون العنف ضد بناتهم وشقيقاتهم يزعمون أنهم يفعلون ذلك تأديباً وتهذيباً وحرصاً على القيم والأخلاق الإسلامية. والأزواج الذين أدمنوا حماقة ممارسة العنف ضد زوجاتهم يستندون في ذلك إلى قول الله سبحانه: «واضربوهن» دون أن يعرفوا شروط هذا الضرب وضوابطه وحدوده.
ومن هنا تظلم كثير من النساء وتهدر كرامتهن بالعنف الذي يتستر بالدين.. فهل الدين الإسلامي الخاتم الذي أراده الله رحمة بالناس أجمعين يشجع الرجال على ممارسة العنف ضد نسائهم؟
يقول د. عباس شومان أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل الأزهر الشريف السابق: الإسلام يدين كل صور العنف ضد المرأة، ويجرم كل أشكال الإيذاء البدني بها، وهو في توصيته بالتعامل الرحيم معها بلغ حداً لم تبلغه أية شريعة أخرى، ولذلك لا يجوز لرجل أن يضرب، وأن يمارس العنف ضد ابنته أو شقيقته أو زوجته أو أمه، وهو يتستر خلف تعاليم ديننا العظيم، لأن الإسلام يدين سلوكه ويشدد على معاقبته.
ويضيف: لسنا في حاجة لكي نؤكد أن العنف ضد النساء مرفوض ومُدان في شريعة الإسلام، بل ويعرض صاحبه للعقاب الدنيوي، فضلاً عن الأخروي، فدين الرحمة والتسامح لم يشرع الضرب تأديباً وتهذيباً؛ بل أباحه في حالات استثنائية وبشروط معينة أهمها أن يغلب على ظن الأب أو الزوج أنه الوسيلة الوحيدة للإصلاح، ولذلك أباح الفقهاء في ظروف معينة للأب أن يضرب ابنه الصغير، ذكراً كان أو أنثى، لكي يهذب سلوكه. وضرب الأب هنا ليس أكثر من كونه وسيلة تخويف، ولا يمكن أن يكون هدفه الإيذاء أبداً؛ إذ كيف يؤذي أب فلذة كبده؟ كما يجوز للزوج في حالات نادرة للغاية أن يعبر عن غضبه واستيائه من نشوز زوجته وإصرارها على التمرد والعصيان بالضرب فيضربها ضرباً خفيفاً رمزياً بعد أن يفشل في ردها عن نشوزها بالوعظ أو الهجر.
إذاً فضرب التأديب ومواجهة سوء التربية والنشوز لا علاقة له بالضرب الشائع بين كثير من الرجال في عالمنا العربي والإسلامي.
رفق
يحذر د. عباس شومان، كل أب يمارس العنف ضد بناته ويعتقد بأن من حقه شرعاً أن يضرب ابنته، فالتربية الإسلامية الصحيحة التي حث عليها الإسلام كل الآباء تقوم على الرفق واللين وليس العنف الذي يغرس العقوق في نفوس الصغار ويصرفهم عن التوجيه الديني والتربوي الصحيح ويجنح بهم نحو الانحراف والتمرد.
ويقول: من أبرز الحقوق التي كفلتها شريعة الإسلام للطفل إحسان تربيته وتعليمه وتثقيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم». ولذلك فرض الإسلام على الوالدين إحسان تربية أبنائهما منذ الصغر وغرس القيم النبيلة في نفوسهم منذ نعومة أظفارهم. والتربية الإسلامية القويمة للطفل تبدأ من داخل الأسرة؛ حيث يجب على الأبوين تعليم أبنائهما قواعد الإيمان، وتدريبهم على عبادة الله وطاعته، وتأديبهم بأدب الإسلام ومكارم الأخلاق، وتعويدهم على اجتناب المحرمات وسائر السلوكيات والعادات السيئة والضارة، والبعد عن أصدقاء السوء، وتوجيههم إلى الهوايات المفيدة، والقراءة النافعة، وأن يكون الوالدان أو المسؤول عن رعاية الطفل قدوة عملية صالحة له في كل ذلك.وهذه التربية، وفق شومان، لا يمكن أن تتم بالعنف، وإذا كان بعض الآباء يضطرون أحياناً إلى استخدام القسوة مع أولادهم الذكور لمواجهة تمردهم وعقوقهم، فإن البنات زهرات كل بيت وهن أكثر طاعة والتزاماً من الأبناء ومن هنا لا يجوز استخدام العنف ضدهن.
ويتابع: أوصى النبي، صلى الله عليه وسلم، بالرفق في التعامل مع الصغار وقال: «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف». وفي حديث آخر يقول: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم الرفق فقد حرم حظه من الخير». وهذا يعني أن النتائج التي تتحقق إذا اتبع الإنسان أسلوباً رفيقاً في الوصول إلى غايته أفضل وأكثر من النتائج التي يحققها العنف. وليس أولى بالرفق من تلك الثمرات الطيبة الرقيقة البريئة.
تقويم
يحث الإسلام على التعامل برحمة ورفق ولين مع الزوجة وتقويم سلوكها بالنصيحة والموعظة الحسنة والهجر في الفراش قبل التفكير في ممارسة العنف ضدها.
يقول د. سيف قزامل، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الضرب الذي أباحه الإسلام لعلاج نشوز الزوجة وتقويم سلوكها المعوج حفاظاً على استمرار واستقرار الحياة الزوجية هو مجرد تعبير رمزي يعبر عن غضب الزوج ورفضه لسلوك زوجته، وليس الهدف منه إطلاقاً الإيذاء البدني ولا ينبغي أن يلجأ الزوج إلى ضرب زوجته (ضرباً رمزياً خفيفاً)، إلا بعد استنفاد وسائل أخرى للتقويم وعلاج النشوز مثل النصح والتوجيه والهجر في المضاجع.
ومن هنا، فإن ضرب الزوجات دون داعٍ أو لأسباب واهية خروج على منهج الإسلام، والذين يفعلون ذلك ويعتدون على زوجاتهم بدنياً ويلحقون بهن ضرراً جسمانياً يرتكبون جريمة تستوجب العقاب.
ويضيف: اعتقاد البعض بأن ضرب زوجاتهم حق مشروع لهم، بسبب ومن ودونه، هو فهم عقيم وساذج لتشريعات الإسلام، فهو لم يشرع ضرب الزوجات ولم يحث عليه وإنما أباحه بضوابط وشروط في حالات معينة لعلاج نشوز الزوجة وعصيانها وتمردها، فهو ليس عنفاً وعدواناً، كما يفهم البعض؛ بل هو مجرد علاج، والعلاج لا ينبغي أن نلجأ إليه إلا عند الضرورة القصوى.
ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن الإسلام رسم للحياة الزوجية طريق السعادة والاستقرار والحياة الطيبة التي ينعم بخيرها كل من الزوجين، ولا يمكن أن يتحقق هذا الهدف في ظل وجود العنف. ويقول: صرح القرآن الكريم بأن من فضل الله تعالى على عباده أن أوجد بين الزوجين مودة ورحمة لا يعلم مقدارها إلا هو، فقال عز وجل: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون». وتزداد الحياة بين الزوجين مودة ورحمة بالتعاليم الرحيم بعيداً عن العنف والعنف المضاد.
لا للتسلط
د.آمنة نصير، أستاذ العقيدة بالأزهر الشريف، تؤكد أن الشريعة الإسلامية أحاطت المرأة بسياج من الحماية والتكريم وصانتها من كل ألوان العدوان والإيذاء وجعلتها دائماً في حماية أب أو زوج أو أخ أو ابن، عزيزة كريمة مصانة من كل ما يلحق بها الأذى.. ومن هنا فإن تحميل الإسلام وتشريعاته ما تعانيه بعض نسائنا داخل من عنف داخل الأسرة عبث وجهل بالإسلام وتشريعاته، فالابنة في حماية أسرتها وهي زهرة يانعة لا يجوز لأحد شرعاً إيذاؤها، والزوجة مادامت تقوم بواجباتها وتؤدي ما عليها من مسؤوليات تجاه زوجها وأولادها فليس من حق زوجها أن يهينها أو يعتدي عليها أو حتى يؤذي مشاعرها بقول جارح أو نظرة لا تعبر عن عدم الرضا والقبول.
وترجع نصير ما تتعرض له بعض الزوجات في عالمنا العربي والإسلامي من عدوان إلى العادات والتقاليد المتوارثة التي ظلمت المرأة وحرمتها من كثير من حقوقها وجعلت البعض ينظر إليها نظرة دونية ليس لها ما يبررها من دين أو عرف، لكنها لا تعفي المرأة من جزء من المسؤولية، فضرب الزوجة لا يكون في كل الأحوال نتيجة فهم عقيم من الزوج أو سيطرة عادات وتقاليد متوارثة عليه؛ بل قد تكون الزوجة هي السبب الرئيسي الذي يدفع الزوج إلى أن يفقد أعصابه نتيجة عصيان الزوجة وتمردها واستفزازها المستمر له.
وسائل الإصلاح
يعود د. سيف قزامل، ليوضح وسائل الإصلاح الشرعي للزوجة الناشز ويقول: حتى لا تختلط الأوراق في أذهان بعض الرجال فيمارسون العنف ضد زوجاتهم استناداً لقول الله تعالى: «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا»، علينا أن ندرك أن هذه الآية قسمت النساء إلى نوعين:
- الصالحات: وهن لسن في حاجة إلى التأديب، فقد بلغن بصلاحهن وخضوعهن لله مرتبة سامية، ويطعن أزواجهن.
- النساء اللاتي أظهرن النشوز والعصيان والتمرد على الأزواج وهؤلاء في حاجة إلى التهذيب والتأديب.
والوسيلة الأولى للتعامل مع الصنف الأخير هي الوعظ والنصح، بأن يقوم الزوج بتخويفها من عدم رضا الله عنها مبيناً حقه عليها وما أوجبه عليها من طاعته. وهكذا.
فإذا ما فشل الزوج في إصلاح زوجته بالنصح والتوجيه الديني والاجتماعي انتقل إلى أخرى وهي (الهجر في المضاجع)، وهو أسلوب للتقويم قد يدفع الزوجة العاقلة المحبة لزوجها المرتبطة به نفسياً وعاطفياً إلى مراجعة نفسها فتعود إلى رشدها لأنها في أغلب الأحوال تكون حريصة على استمرار حياتها.
ثم تأتي الوسيلة الأخيرة وهي الضرب الرمزي إذا ما فشل الزوج بالوسيلتين السابقتين من علاج نشوز زوجته.
وهنا يؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر، أنه لا يجوز للأزواج اللجوء إلى العنف مع زوجاتهم كوسيلة لعلاج النشوز دون اتباع الوسائل الأخرى.

وكالة أخبار المرأة