من: أحمد شوقي
مباشر: ثلاثة أشخاص في أفريقيا يمتلكون ثروة أكثر من 50 بالمائة من السكان أي ما يعادل 650 مليون شخص، كيف تحولت قارة واحدة إلى قارتين منفصلتين لهذه الدرجة؟
وتقول مؤسسة "أوكسفام" في تقرير حديث بعنوان "حكاية قارتين" إنه في الوقت الذي يجتمع فيه القادة السياسيون ورجال الأعمال الأفارقة هذا الأسبوع لحضور اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في أفريقيا في "كيب تاون" بجنوب إفريقيا، فإن تفاوت الدخل يبرز بشكل حاد.
ويكشف التقرير أنه بينما يزداد الأغنياء الأفارقة ثراءً، فإن الفقر المدقع يتصاعد في القارة، حتى أصبحت القارة السمراء بسرعة مركز الفقر المدقع العالمي حيث أنه في حين أن عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار يومياً قد انخفض في آسيا، فإن هذا العدد آخذ في الارتفاع في أفريقيا.
ويقدر البنك الدولي أن 87 بالمائة من الذين يعانون من الفقر المدقع سيكونوا من إفريقيا بحلول عام 2030، إذا استمرت الاتجاهات الحالية.
ويوضخ التقرير في النقاط التالية كيف أصبحت أفريقيا بمثابة "قارتين منفصلتين".
مناخ اقتصادي سئ
لا يزال الرخاء الاقتصادي بعيد المنال بالنسبة للغالبية العظمى من الأفارقة، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن 41 بالمائة من المواطنين في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعيشون تحت خط الفقر (أقل من 1.90 دولار يومياً).
ويهدد المناخ الاقتصادي الصعب بعرقلة التقدم حتى مع توقعات صندوق النقد الدولي ببعض الانتعاش الاقتصادي مع تقديرات نمو إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط بحوالي 4 بالمائة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وهذه الأرقام الإجمالية تخفي حقيقة أكثر صعوبة وهى أن 24 من 45 دولة في أفريقيا جنوب الصحراء لا يُتوقع أن تشهد تعافي اقتصادي قوي.
كما أنه هناك أزمة ديون كبيرة تلوح في الأفق، حيث أن 16 دولة من أفريقيا جنوب الصحراء تصنف على أنها إما تعاني أو أصبحت لديها مخاطر عالية من الديون، مع حقيقة أن ما يزيد قليلاً عن نصف الدول ذات الدخل المنخفض في أفريقيا في هذا الوضع المحفوف بالمخاطر.
كما أن مستويات الديون الخطرة وغير المستدامة تهدد الإنفاق الاجتماعي، على سبيل المثال شهد عام 2018 إنفاق أنجولا 57 بالمائة من الإيرادات الحكومية على سداد الديون، بينما تم خفض الإنفاق العام بنسبة 19 بالمائة بين عامي 2016 و 2018.
عدم المساواة في الدخل
يتجلى مصطلح عدم المساواة في الدخل في أن 7 من بين أكثر 20 دولة تشهد تفاوت الدخل هم من الأفارقة، بما في ذلك الأربعة الأكثر عدم المساواة وهم سوازيلاند ونيجيريا وجنوب أفريقيا وناميبيا.
ويتم الاحتفاظ بـ75 بالمائة من ثروة أصحاب الملايين والمليارديرات الأفارقة في الخارج، ونتيجة لذلك تخسر القارة 14 مليار دولار سنويًا من إيرادات الضرائب غير المحصلة.
وتتفق أيضاً معظم المقاييس على أن عدم المساواة في الدخل في أفريقيا جنوب الصحراء لم يكد يتزحزح على مدى السنوات الـ 25 الماضية، حيث وجدت دراسة من قبل المفوضية الأوروبية أنه في حين أن فترة النمو بعد عام 2000 رفعت الدخل بين كل الأفارقة، فإن أقل 40 بالمائة من السكان من حيث الدخل لم يحصدوا أي فائدة أكبر من مجموعات الدخل الأخرى.
وترى المفوضية الأوروبية أنه ما لم تشهد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تسارعًا النمو ويستخدم هذا لزيادة دخل الأكثر فقراً، سوف تفشل القارة في القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2030.
لذلك يجب التزام الحكومات الأفريقية بالعديد من الحلول لمواجهة عدم المساواة أهمها الإنفاق على الخدمات العامة المجانية وشبكات الأمان الاجتماعي وإنشاء نظم ضريبية فعالة بالإضافة إلى تحسين حقوق العمال وسياسات الأجور.
التفاوت في الثروة
يتزايد عدم المساواة في الثروة في أفريقيا حتى أن أغنى 0.0001 بالمائة من السكان يملكون 40 بالمائة من ثروة القارة بأكملها.
وفي حين أن الأغنياء في أفريقيا يشهدون تراكم ثروتهم بفضل عوائد جيدة على استثماراتهم ورأس المال، فإن الكثير من الآخرين يكافحون من أجل كسب العيش الكريم من عملهم.
وفي الوقت الحالي يوجد 20 ملياردير في إفريقيا بينما يعاني 413 مليون شخصاً من الفقر المدقع.
وتعتبر جنوب افريقيا موطناً لخمسة من هؤلاء المليارديرات بالإضافة إلى 50 ألف مليونير.
بينما تعد سوازيلاند الدولة الأكثر تفاوتاً في الثروة داخل أفريقيا، كما أنها موطن لأحد المليارديرات وهو "ناثان كيرش" الذي تُقدر ثروته بحوالي 4.9 مليار دولار في الوقت الذي كان يحتاج فيه هذا الملياردير إذا عمل في أحد المطاعم هناك بناءً على الحد الأدنى للأجور نحو 5.7 مليون سنة لكسب المستوى الحالي من الثروة.
وعلى الرغم من أن نيجيريا أكبر اقتصاد في إفريقيا، لكن ثمار نموها الاقتصادي لا يتم تقاسمها على قدم المساواة حيث أن هناك حوالي 10 ملايين طفل خارج المدرسة، وربع المواطنين يفتقرون إلى مياه الشرب الآمنة، ونصفهم يعيشون تحت خط الفقر 1.90 دولار.
التوزيع غير المتكافئ للأراضي
التوزيع غير المتكافئ للأراضي هو أحد أقدم أشكال عدم المساواة في الثروة، هذا له أهمية كبيرة في البلدان التي يوجد بها عدد كبير من المواطنين ولا سيما الفقراء ممن يعتمدون على الأرض.
وتعتبر الزراعة مسؤولة عن توظيف أكثر من نصف القوى العالمية في المنطقة، وهي المصدر الرئيسي لسبل عيش الفقراء.
وتعد الزراعة في شكلها الحالي هي فخ الفقر بالنسبة للكثيرين، حيث لا يزال ما ينتجه أصحاب الملكيات الصغيرة من الأرض يذهب معظمه للاستهلاك العائلي فقط مع نسبة محدودة فائضة.
كما يؤثر التغير المناخي على الأفارقة، فعلى سبيل المثال وجدت دراسة في ملاوي أن هذا الحد الأقصى من الجفاف يتسبب في متوسط خسائر الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.4 بالمائة وزيادة الفقر بنسبة 17 بالمائة.
عدم المساواة بين الجنسين
تعد مستويات عدم المساواة بين الجنسين في أفريقيا من بين أعلى المستويات في العالم، وتتعرض النساء لفرص أقل من الرجال لامتلاك الأصول والفرص وبالتالي تكون غالباً ما يكن الأكثر فقراً في القارة.
وتعمل ثلاثة أرباع النساء في الزراعة أو القطاعات ذات الأجور المنخفضة أو غير الرسمية حيث أنه في نيجيريا تمثل النساء ما بين 60 و 79 بالمائة من القوى العاملة في الريف لكن فرصهن لامتلاك الأرض الزراعية تقل 10 مرات عن احتمالات تملك الرجل.
كما أن النساء تشكل فقط 23 بالمائة من البرلمانيين في أفريقيا، في حين أن الفتيات أقل عرضة للالتحاق بالمدارس أو إكمالها مقارنة بالفتيان.
كيفية حل هذه المشكلة
ومن أجل أن يستفيد الأفارقة من النمو الاقتصادي في القارة يجب أن يتم الاستثمار بشكل كافي في الخدمات العامة التي تقلل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، بالإضافة إلى تعزيز الموارد المحلية عن طريق إعادة التوزيع من الأغنياء للفقراء من خلال فرض ضرائب تدريجية.
كما أنه يجب العمل على التوصل لحل مبكر لإعادة هيكلة الديون بالإضافة إلى حماية حقوق العمال في العمل اللائق والأجور وتعزيز وحماية حقوق الأراضي لأفقر سكان القارة.