شبكة عيون الإخبارية

النواب الشيعة.. والمسحولون فى الجيزة

يوم الأربعاء الماضى، طلبنا من مضيفينا هنا فى وزارة الإعلام الكويتية زيارة مقر إحدى الحملات الانتخابية لمرشح فى انتخابات مجلس الأمة، وبعد مشاورات بيننا اتفق الرأى على زيارة مقر المرشح الشيعى عبدالحميد دشتى، وهو محام شهير هنا، وسبق أن شغل مقعداً فى مجلس الأمة لدورتين متعاقبتين.. وكان الاختيار لـ«دشتى» فرصة لنسمع صوتاً معارضاً ورافضاً للمعونات المادية والبترولية لمصر.

ورغم الحفاوة الظاهرة من الرجل ومن فريقه وانبهارنا بتنظيم المكان وبالخيمة المكيفة والخدمات المتوافرة فيها، لم يعجبنا الرجل وخطابه واستدلالاته.. صحيح أنه استغرق فى مخاطبة أهالى دائرته «الأولى»، بأسلوب عميق وبقدرته على مكافحة الفساد، وبالملفات التى جمعها خلال عضويته للمجلس وسيكشفها للرأى العام فى الجلسة الأولى لانعقاد مجلس الأمة، خاصة فى مخالفات بالمليارات فى إسناد مشروع عملاق لإنشاء محطة كهرباء عملاقة، لكن لم يعجبنا لأنه تحدث ثورات الربيع العربى بانتقائية شديدة وظهرت خلفيته الشيعية لتحكم على مجريات الأحداث فى وسوريا والبحرين، وكذلك تحليلها وتفسيرها.. كما قرر فى وجودنا رفضه القاطع للمعونة الكويتية لمصر ولم يقدم براهين سياسية على ذلك، بل اكتفى بترديد مصطلحات بسيطة مثل «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع».. ولذلك قررنا ألا نسأله بعد انتهاء كلمته الانتخابية، التى استغرقت نحو الساعة ونصف الساعة.

وفى الساعات الأولى من صباح الأحد، وبينما كنا نتابع نتائج الفرز الأولية، أحسست براحة غير عادية بسقوط «دشتى» بحلوله فى المركز الحادى عشر لترتيب المرشحين الحاصلين على أصوات الدائرة الأولى، وذلك بعد الدكتورة معصومة صالح المبارك، الوزيرة السابقة، التى كان لها باع طويل وشهير فى القضايا الإنسانية الكويتية، خاصة «الأسرى فى العراق»، حيث حلت فى المركز الأخير ودخلت مجلس الأمة، وبمناقشة الزملاء الإعلاميين فى الوفد المصرى توصلت للشعور نفسه.. فرحة بسقوط «دشتى».

هذا هو الوجه الأول لحكاية هذا المرشح الشيعى، الذى حصل على شهادات عديدة تضمنت بطاقة التعريف الخاصة به، والتى تركها على جميع الكراسى داخل خيمته الانتخابية، لكن أهم هذه الشهادات هى حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية، التى منحته صفة «المحامى» التى تسبق اسمه دائماً، أما الوجه الآخر فهو وضع «الشيعة» هنا.. والتسامح غير العادى بين السنة والشيعة.. صحيح أن بعض الزملاء المصريين العاملين فى الصحافة الكويتية أكدوا لنا أنه رغم مقاطعة معظم التيارات السلفية الانتخابات، فإنهم تكتلوا لإنجاح مرشحين غير الشيعة فى الدوائر التى تشهد تكتلاً تصويتياً تقليدياً للشيعة.. وأنهم نجحوا فى ذلك إلى حد كبير. «دشتى» تكلم فى مؤتمره عن تلاحم السنة والشيعة، ابتداءً من معركة «الرقة» وحتى غزو صدام للكويت عام 1990. وعندما بحثت عن «الرقة» توصلت إلى أنها إحدى المعارك التى خاضتها الكويت فى نهاية القرن الثامن عشر ضد قبيلة تدعى بنو كعب العراقية والذين كانوا يمتلكون أسطولاً قوياً سخّروه لمهاجمة السفن الناقلة للتجارة فى الخليج.. وهو تحدث بأريحية كبيرة عن حقوق الشيعة ومحاكمهم الشرعية التى ينبغى أن يصدر بها قانون فى مجلس الأمة، وافتتح كلمته بالثناء على على بن أبى طالب والحسين.. وذكّر الحضور، وسط تهليل الشيعة منهم، بذكرى استشهاد على بن أبى طالب وبمناسبات شيعية أخرى، كما استدل على عدل الحكام بخطاب من الحسن بن على عندما تولى الخلافة لفترة وجيزة لوالى مصر. قارنت هذه الصورة، دلالاتها والتى انتهت بفوز 8 من الشيعة بالوضع فى مصر فيما يتعلق بحقوق الشيعة والأقباط وغيرهما من أطياف المجتمع، بل قارنت بين هذا وما يحدث لدينا من توحش لدى البعض تجاه المخالفين له فى الرأى والعقيدة، خاصة ما يمارسه بعض الإخوان المسلمين والسلفيين الآن. قارنت هذا النجاح بسحل مواطنين مصريين فى الجيزة على مشهد من رجال الأمن وعشرات الكاميرات التى سجلت الحدث البشع والذى سيظل مصدر خزى لنا جميعاً لسنوات طويلة.

أسس الشيعة الجامع الأزهر ومساجد أخرى، وذلك من خلال الدولة الفاطمية، وذهبت دولتهم وعادت مصر لأهل السنة، إلا قليلاً من أهلها، فماذا يضير الأغلبية من عقيدة مخالفة لهم ومن طقوسها. إن كثيراً من قادة السلف والإخوان عاشوا فى كنف الغرب لسنوات طوال، استفادوا من أجواء الحرية فيه وحفاظ نظمه وقوانينه للحريات العامة وحرية الاعتقاد، ووقوف الدولة بأجهزتها على الحياد، ومن يسمع عن مساجد أوروبا وارتفاع الأذان هناك ودخول العشرات من الأوروبيين فى الإسلام شهرياً دون دعاوى من أنظمتهم بـ«الأسلمة» التى تقوم بها المساجد والمراكز الإسلامية - يشعر بالفارق بيننا وبينهم، لكن هذه المرة أنقل لكم الصورة من الكويت، من بلد لا يتجاوز سكانه المليون تقريباً، كتب دستوره وقوانينه الأساسية مصريون، يعترفون هنا بفضل المعلم المصرى والطبيب المصرى والمهندس المصرى.. كيف تقدموا وعلموا أنفسهم التسامح بينما عدنا نحن إلى الجاهلية.. وإلى هذا التطرف الذى لا وجود له حتى فى نفسها. إننى أتذكر صورة المسحولين الشيعة فى الجيزة وصورة المرشح «دشتى» فى الكويت.. وأترحم على مصر.. ادعوا معى لكى تبعث من جديد!

SputnikNews

أخبار متعلقة :