أخبار عاجلة

الدّينُ المُستباح.. بين جهل الجماعات وانتهازية الدولة!

الدّينُ المُستباح.. بين جهل الجماعات وانتهازية الدولة! الدّينُ المُستباح.. بين جهل الجماعات وانتهازية الدولة!

المشهدُ الرّاهنُ، باختصار شديد: جماعاتٌ وتنظيماتٌ تنتسبُ إلى«الدين» - وهو هُنا الإسلام - فى حال صدام عنيف مع «الدولة»، صدامٌ يقطعُ الطريق على أى لقاء أو تصالح أو احتواء، بل يُنذرُ بنمط فريد من الحرب - بمعناها الفنّى - أى الاستخدام المُنظّم للسلاح فى فرض الإرادة.

هذا المشهد ليس خاصّاً بمصر فقط، ولا ببلد فى الإقليم دون بلد، بل هى حالة إقليمية عامّة، بدأت فى عدد من البلدان ومرشّحةٌ للانتشار عبر العدوى، سريعة الانتقال. انطلقت فيها الجماعاتُ - تحت ستائر ودخان وضباب ثورات الرّبيع العربى - لتدُكّ أركان «الدول» المتهمة بالفساد والاستبداد، ولتقوّض أركان «المجتمعات» المُتهمة بالكُفر والانحلال.

انتهازية «الدولة» فى ، وفى غير مصر، هى المسؤول الأول، عما آلت إليه، بلادُنا: دولٌ مُستضعفةٌ، وجماعاتٌ وتنظيماتٌ دينيةٌ متوحشةٌ مُسلّحةٌ. هذه الانتهازيةُ تمثلُ الوجه المخفى لحقائق العلاقة بين «الدولة» و«الجماعات».

أولاً: كُن على يقين - دون دخول فى تفاصيل الآن فسوف نأتى عليها فى مقالات لاحقة - أن «داعش» 2014م، هى أحدثُ الطبعات، من «الإخوان المسلمون» 1928م.

ثانياً: ثق ثقةً كاملةً - أن عدة دول عربيّة كانت - فى البدء - وراء تأسيس «داعش» بدعوى مواجهة الخطر الشيعى، هذه الدول - للأسف الشديد - جادت بالمال والسلاح فى سخاء وكرم، ولم تنتبه إلا وهو يرتدُّ إلى صدور الجميع.

ثالثاً: ثق - من واقع دروس التاريخ - أن «الدولة المصرية»، فى عهدها الملكى - فؤادٌ وفاروق - لعبت بورقة الإخوان. ثم فى عهدها الجمهورى - نجيب وناصر والسادات ومبارك - كلهم لعبوا بورقة الإخوان. ثم فى عهدها الثورى - شباب الثورة والقوى السياسية والجيش - كلهم لعبوا بورقة الإخوان، ومعها ظهرت الجماعات التى كانت مهمشة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد، أو الجماعات التى كانت تؤثر الابتعاد عن السياسة مثل السلفيين بتعدد مدارسهم ومشايخهم ومشاربهم ومراكز ثقلهم وتواجدهم، فبعد الثورتين، لعب الجميع بكل هذه الجماعات، مع تغليب الإخوان بعد 25 يناير، ثم تغليب السلفيين بعد 30 يونيو.

تاريخٌ طويلٌ من الانتهازية المتبادلة بين «استبداد الدولة بالسياسة» و«جهل الجماعات بالدين». فى إطار هذه الانتهازية، قويت شوكةُ الجماعات، وصارت خطراً متوحشاً، يهدد «الدولة» فى أصل وجودها نفسه، هذه الجماعات - فى هذه المرحلة من الصراع - لا تسعى للوجود، بل تسعى لإزالة وجود الدولة من جذورها، والإحلال الكامل مكانها. هذه الجماعات لم تعد تسعى للحصول على نسبة أو على هامش للحركة أو على صفقات من هنا ومن هناك مع هذه الدولة أو تلك، بل احتشدت - بأكملها - تخوضُ حرباً وجوديةً فاصلة، إما تكسب فيها كل شىء، وإما تخسر فيها كل شىء.

تكاليفُ هذه الحرب: تتوزعُ بين هذه الجماعات، وبين هذه الدول ومعها مجتمعاتها، ثم هذا الدين الحنيف نفسه.

أولاً: على المدى البعيد، الجماعات سوف تخسر الحرب، وسوف تتركز التكاليف فى وجودها نفسه، فكل من حمل السلاح سوف يفنى ويفنى معه سلاحه، لن يبقى منها إلا من كفّ يده، وألقى سلاحه، وطلب الأمان.

ثانياً: هذه الدول، سوف تُضطر لخوض الحروب على كل الجبهات، وسوف تُضطّر لتطوير نفسها، وسوف تسعى لكسب تأييد شعوبها، ولن ينتهى الصراع دون انتزاع الشعوب هوامش أكبر من الديمقراطية والحرية، بما يُسفر عن إبداع مشروع سياسى واجتماعى وثقافى مدنى حديث يملأ الفراغ الذى يتحرك فيه جهلُ الجماعات لما يقترب من قرن من عمر الزمان.

ثالثاً: هذا الدين، سوف يتخلّص من أسوأ أحقاب تاريخه، أحقاب تميزت بسطو عصابات شاردة على ينابيع الهداية فيه، فهذا القرنُ الفائتُ من تاريخ الإسلام، هو قرنُ استباحة هذا الدين وابتذاله، تحت دعاوى مريضة، آن له أن يتعافى منها، وأن يعود - كما أراد الله له أن يكون - سبيلاً للسلام، يخرُجُ به الإنسانُ من الظلمات إلى النور.

الحديثُ مستأنف.

اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة

SputnikNews