أخبار عاجلة

طوابير بعضها وراء بعض

الذى يسير فى أى شارع من شوارع القاهرة يرى طوال الطريق لافتات متشابهة فى مضمونها تؤيد المرشح الرئاسى المشير السيسى، ولكن اللافت للنظر فى هذه اللافتات أنها جميعاً – باستثناء واحدة سأذكرها فيما بعد – تجرى بنفس الصيغة: فلان الفلانى رئيس الحزب الفلانى يؤيد المشير السيسى.

وأزعم أن هناك أكثر من خمسين لافتة بنفس الصيغة، وأنا واثق أن كل حزب من الأحزاب التى تعلن تأييد المشير أكبرها – على أحسن الفروض – لا يزيد على عشرين شخصا ومنها من لا يتجاوز عدد أعضائه خمسة أشخاص. وأن المقصود من هذه الإعلانات هو الدعاية لهذه الأحزاب قبل الدعاية للسيسى. ماذا كان يضير هذه الأحزاب لو كانت أحزاباً حقيقية وتبتغى المصلحة العامة أن ينضم بعضها إلى بعض إذا كانت الأسس والأهداف بينها متقاربة. ولكنها فى الواقع ليست أحزاباً إلا على الورق ولا معنى لها. طبعاً قد يكون التعميم فيه قدر من الخطأ – هذا جائز – ولكن الأغلبية من هذه الأحزاب لا معنى لها ولا طعم ولا تخدم قضية الديمقراطية من قريب أو من بعيد.

الاستثناء الوحيد الذى لفت نظرى وأعجبت به حقاً هو إعلان لم يذكر فيه صاحبه اسمه ولم يذكر أنه يعبر عن حزب من الأحزاب وإنما كتب عبارة واحدة «كان الله فى عونك».

هذا رجل صادق يعرف أن المرحلة القادمة مرحلة صعبة وثقيلة الأعباء، وكان الله فى عون من سيحملها على كتفه ويعبر بها نحو المستقبل.

إن منذ أربعين سنة على الأقل تتراكم مشاكلها وأعباؤها ولا أحد يفكر فى حل ناجز لها أو على الأقل فى بداية الحل.

الناس للأسف تتصور أن الرئيس القادم بيده عصا موسى، وأنه سيلقى عصاه فإذا بها تلتهم المشاكل التهاما، وتتخلص مصر من كل مشاكلها، ما كان أهون الأمر لو كان على هذه البساطة، ولكن الأمر للأسف الشديد أكثر تعقيداً وأكثر تشعباً وتشابكاً.

إن مصر محتاجة إلى تخطيط علمى تواجه به مشاكلها على مدى سنوات قادمة، فالأمر ليس أمر شهر أو شهرين أو حتى عام أو عامين.

ذكرت أكثر من مرة – ولا مانع من إعادة التذكير – أن كثيرا من زعماء أوروبا الشرقية بعد انحلال الاتحاد السوفيتى وأخذها مصائرها فى يدها كانوا يقولون إنكم لو تصورتم أن مرحلتكم الانتقالية من التخلف إلى التقدم ومن الديكتاتورية إلى الديمقراطية ستسغرق عاما أو عامين فإنكم إذن لمن الواهمين.

إننا كنا جزءًا من أوروبا وكانت أوروبا الغربية حريصة على مساعدتنا، ومع ذلك فقد أخذ بعضنا خمس سنوات أو حتى عشر سنوات إلى أن بدأ يضع قدميه على طريق الحل السليم. ولم يكن عندنا شبح التخلف الدينى الذى كان قد انتهى منذ قرون عندما انفصلت الكنيسة عن الدولة. وليس هذا هو الحال عندكم. كثير من جماهيركم تخلط بين الدين والسياسة، والخلط بين الدين وهو يقوم على اليقين المطلق والسياسة وهى تقوم على المصالح المتغيرة هو خلط يؤذى الدين، ويؤذى السياسة فى آن واحد. ثم تلقيت صدمة النتيجة التى كان يريد أن ينتهى إليها هؤلاء بالنسبة لنا. قالوا لى إن أمامكم على الأقل خمسة وعشرين عاما حتى تكملوا المرحلة الانتقالية وحتى تواجهوا مشاكلكم المتعددة المتراكمة. وصدمتنى مدة الخمسة والعشرين عاما فى بداية الأمر، ولكنى عندما هدأت وفكرت قلت وما هى الخمسة والعشرون عاما فى حياة الشعوب، خاصة إذا كان شعبا عاصر التاريخ منذ كان التاريخ كما هو الحال بالنسبة للشعب المصرى. إن خمسة وعشرين عاما تستغرق عمر الفرد – أو على الأقل الفترة الناضجة فى عمره – ولكنها بالنسبة للشعوب العريقة صانعة التاريخ ليست إلا لمحة من لمحات الزمن.

وقد صدق ما يقوله هؤلاء الأصدقاء. لقد أزحنا حكم مبارك بثورة الخامس والعشرين من يناير. وأزحنا حكم الإخوان المسلمين بعد ثورة 30 يونيو. هذا وإن كان البعض من هؤلاء وهؤلاء مازالوا يكابرون ويحاولون أن يفرضوا أنفسهم على ساحة العمل السياسى.

إن ذلك لن يكون. حقيقة لن يكون أمراً سهلاً خاصة فى ظل غياب أحزاب مدنية مؤمنة بالديمقراطية إيماناً حقيقياً. والديمقراطية تعنى أول ما تعنيه وجود تعددية سياسية حقيقية وإدراكاً أن جوهر الديمقراطية وفى مقدمتها تداول السلطة وعدم بقائها فى يد حاكم واحد أو مجموعة واحدة مدة طويلة. السلطة فى ذاتها مفسدة وكلما طالت زادت مفاسدها، خاصة إذا كانت جذور التخلف ضاربة فى نخاع المجتمع. ومع ذلك فإن إيمانى بأن مصر ستعود إلى مكانتها فى عالمها العربى وفى الشرق الأوسط كله هو إيمان لا يتزعزع.

إن المرشح الرئاسى الذى تشير كل الدلائل على أنه قادم بإذن الله لديه تفكير واع ولديه خطط مدروسة للمشاكل المتراكمة ولديه إيمان كامل بالشعب المصرى وبقدرة هذا الشعب على الرغبة فى أن يعمل بجدية وإخلاص.

أمامنا رجل مؤمن بالله إيمانا بسيطا ومؤمن بالشعب إيمانا حقيقيا، ويدعونا جميعاً أن نكون معه. وسنكون بإذن الله مع مصر ومعه. مصر التى فى خاطرى وفى دمى وفى كل نبضة من نبضات قلبى.

كل ما أطلبه أن يستعين بذوى الخبرة من أهل العلم. ومصر مليئة بأهل العلم المخلصين الذين يريدون لها الخلاص من مأزقها الراهن وإن شاء الله ستتمكن من ذلك. وأن يبتعد عن المنافقين أصحاب الأغراض والأهواء.

إن هذا شعب حيّ. شعب صانع للحضارات وهو قادر على أن يعبر هذه المرحلة الصعبة بإذن الله.

والله المستعان.

elgamallawoffice@gmail.com

SputnikNews