أخبار عاجلة

بعض ما يمكن قوله.. خلال فترة الصمت الانتخابى

بدأت فترة الصمت الانتخابى فى منتصف ليلة أمس، حتى يأخذ الناخبون فرصة لالتقاط الأنفاس، بعيداً عن أى مؤثرات لحظية، يراجعون خلالها ما سمعوه وشاهدوه وقرأوا عنه خلال أسابيع الحملة الانتخابية الثلاثة، ويحسمون قرارهم بشكل نهائى فيمن يختارونه من بين المرشحين للرئاسة، قبل أن يتوجهوا للإدلاء بأصواتهم فى صناديق الاقتراع صباح بعد غدٍ الاثنين.

وسوف يكون على الناخبين خلال فترة الصمت - التى لا تتجاوز 48 ساعة - أن يتأملوا فى عدة قضايا أثيرت أثناء الحملة الانتخابية، على رأسها الدعوة التى وجهها إليهم البعض بأن يقاطعوا هذه الانتخابات، ويمتنعوا عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، بمزاعم مختلفة - ومختلقة - منها أن النتيجة محسومة سلفاً، وبالتالى فإن أصواتهم لن تغير منها، وأن المرشح الذى يؤيدونه أو يعارضونه، سوف يفوز أو يخسر، سواء صوتوا له أو ضده، أو لم يصوتوا على الإطلاق.

ذلك منطق يسعى أصحابه للإيحاء بأن الانتخابات الرئاسية لن تكون نزيهة، وبأن تلاعباً سوف يجرى فى نتيجتها النهائية لإنجاح مرشح بعينه، وهو احتمال غير وارد على الإطلاق، ليس فقط لأن كثيراً من الشواهد خلال مرحلة الدعاية الانتخابية تؤكد أن الأجهزة الحكومية، بما فى ذلك الإعلام المملوك للدولة، قد التزمت الحيدة التامة بين المرشحين اللذين يخوضان المنافسة، أو لأن الانتخابات سوف تجرى تحت إشراف قضائى كامل، وفى ظل متابعة دولية، ولكن - كذلك - لأن التلاعب فى النتيجة النهائية للانتخابات، أصبح مستحيلاً أو شبه مستحيل، بعد إقرار قاعدة أن يتم الفرز فى كل لجنة من اللجان الفرعية، بحضور مندوبى المرشحين، وبمحضر يحصل هؤلاء المندوبون على صورة معتمدة منه.

والحقيقة أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات بزعم أنها تمثيلية أو بذريعة أنها ستزوَّر، هى بمثابة اعتراف ممن يتزعمونها، بأنهم أقلية لا قيمة لأصواتها، وإلا ما اعترفوا بأن مشاركتهم، ومشاركة من يستجيبون لدعوتهم، لن تغير من النتيجة شيئاً، ولو كانوا يثقون فى أنهم يشكلون كتلة لها وزنها بين الناخبين، لطالبوا بالعكس، ولاستحثوا الذين يؤيدون رأيهم فى هذه الانتخابات على المشاركة بها، وإبطال أصواتهم بحجبها عن كلا المرشحين، ليكون عدد الأصوات الباطلة مؤشراً على عدد المعترضين - من حيث المبدأ - على إجراء الانتخابات.. بدلاً من الاختباء داخل كتلة الناخبين الذين لن يمارسوا حقهم الانتخابى لأسباب لا صلة لها بالرغبة فى مقاطعة الانتخابات، بل تتعلق بظروفهم الشخصية.

وليس الأمر فى حاجة إلى ذكاء كبير، لكى يدرك جمهور الناخبين، أن الدعوة للمقاطعة تصدر أساساً عن جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها فيما يسمى «التحالف الشعبى لدعم الشرعية وكسر الانقلاب»، الذين يدركون أن مشاركة الناخبين بكثافة فى الانتخابات الرئاسية، بعد مشاركتهم فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، هى - بصرف النظر عن الفائز - بمثابة حكم دستورى نهائى بات، بانتهاء الشرعية التى تحالفوا لدعمها، عبر صندوق الانتخاب - الذى اعتمدوه - دون غيره - أساساً لاكتساب الشرعية!

ليست الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية - إذن - موقفاً متحفظاً - أو معارضاً - لشروط العملية الانتخابية، أو رافضاً لأحد المرشحين المتنافسين أو كليهما، بل هو موقف معارض ومعادٍ لثورتى يناير 2011 ويونيو 2013، وعلى الذين يتزعمون الدعوة لهذه المقاطعة، أو يستجيبون لها من القوى والتيارات السياسية المدنية، أن يدركوا أنهم بذلك ينسحبون من معسكر القوى الثورية، ويقفون فى معسكر الذين اختطفوا ثورة يناير، والذين قاوموا - ولايزالون - ثورة 30 يونيو بالمتفجرات وقنابل المولوتوف والسيارات المفخخة، ويعزلون بذلك أنفسهم عن المشاعر الشعبية الغلاّبة التى ساندت الثورتين ويشطبون أسماءهم من خريطة القوى التى تشارك فى صنع المستقبل.

ما يتوجب على المصريين أن يفكروا فيه خلال فترة الصمت الانتخابى هو أن مشاركتهم فى الانتخابات الرئاسية، لا تستهدف مجرد اختيار شخص يتولى رئاسة الدولة ورئاسة السلطة التنفيذية خلال السنوات الأربع المقبلة، من بين الاثنين اللذين تطوعا لترشيح نفسيهما لتولى هذه المسؤولية الشاقة، ولكن انتخاب شخص يحول «الثورة» إلى «دولة» ويحول «الانفجار الشعبى» الذى حدث فى 25 يناير وتوابعه فى 30 يونيو و3 و26 يوليو2013، و14 و15 يناير 2014، إلى «نظام حكم مدنى ديمقراطى»، فلا محلَّ إذن للقول إن أحد المرشحين هو «مرشح الدولة» وأن الآخر هو «مرشح الثورة»، لأن معنى هذا أن «الثورة» قد انفجرت ضد «الدولة»، وهى قراءة خاطئة بالجملة والقطاعى، لأن الذى ينفجر ضد «الدولة» هو «الفوضى»، ولأن «الثورة» تنفجر ضد نظام حكم بذاته، وليس ضد النظام بشكل عام دون تمييز، ولأن ما ينقص ثورة - فى يناير وتوابعه - هو أن تتحول إلى «نظام حكم ثورى»، يقيم أركان دولة مدنية ديمقراطية، ومن دون ذلك لن تستطيع أن تحقق أهدافها فى إشباع احتياجات شعبها وفى مواجهة كل ما تراكم من أخطاء خلال العقود السابقة.

وما يتوجب على الناخبين جميعاً أن يتأملوه خلال فترة الصمت الانتخابى، هو أن احتشادهم أمام صناديق الاقتراع، ليؤيد كل منهم من يراه أقدر على تحقيق هدف تحويل «الثورة» إلى «دولة» أو حتى لكى يمتنع عن التصويت لكل منهما، هو رسالة يتوجهون بها للعالم كله، الذى ينتظر وقائع هذه الانتخابات ونتائجها، لكى يحدد على أساسها موقفه النهائى مما جرى فى 30 يونيو، هل هو ثورة تعبر عن إرادة شعب، كما أكدت ذلك كل الشواهد، أم انقلاب عسكرى على شرعية صندوق الانتخاب كما يدعى الذين اختطفوا الثورة، وأرادوا أن يحولوها إلى خلافة غير راشدة، يجمع فيها رئيس الجمهورية بين السلطتين الدينية والزمنية، ويضع فوق رأسه عمامة الخليفة وريشة السلطنة.. وهى رسالة لا يجوز لأحد من الناخبين أن يتخلف عن إرسالها، مهما كان موقفه من المرشحين اللذين يتنافسان على الرئاسة، إلا هؤلاء الذين يبكون على حكم المرشد ويحنون إلى فردوسه الديمقراطى المفقود من ثوريى - وفاشيى - آخر الزمان.

خلال فترة الصمت الانتخابى وعبر تأملهم لوقائع السنوات الثلاث السابقة، سيدرك الناخبون المصريون أن الرئيس القادم فى حاجة إلى ظهير شعبى قوى، يدعمه ويسانده فى اتخاذ القرارات الصعبة التى سيكون عليه أن يتخذها، لكى يحول «الثورة» إلى «دولة»، ولكى يواجه طيور الخراب التى تسعى لدفعهم لكى يندموا على أنهم ثاروا، ولكى يحنوا إلى الزمن الذى تمردوا عليه، وإلى تحويل حياتهم اليومية إلى عذاب متصل، ويتنبهوا إلى أنه لا منجى لهم من هذا الخراب إلا بأن يمنحوه من أصواتهم النسبة التى تؤكد للمخربين والمتآمرين أنه يعبر عن إرادة شعب اختاره بإرادته الحرة، لكى يقوده فى معركة تحويل الثورة من حلم إلى واقع ومن شعار إلى حقيقة.

ولن يمكّن هذا الظهير الشعبى الرئيس القادم من خوض المعركة ضد طيور الخراب فحسب، ولكنه سيكون ماثلاً أمامه فى كل قرار يتخذه، وبحكم الاعتماد المتبادل بين الطرفين، فسوف يكون هذا الظهير الشعبى صاحب الحق فى مساءلته، وفى تصويب خطواته، وفى التحرك عبر الأساليب الديمقراطية لضبط إيقاع حركته، بحيث لا تحيد عن هدف تحويل «الثورة» إلى «دولة» وإرساء قواعد حكم مدنى ديمقراطى، يصون استقلال الوطن ووحدة أراضيه ويقوم على التعددية الحزبية وتداول السلطة، ويحظر الخلط بين ما هو دينى وما هو سياسى، ويرسى قواعد العدالة الاجتماعية، ويضمن أن تكون مصر دار المصريين جميعاً، من دون تمييز بينهم لأى سبب.

ويد الله على قلب الذين يسعون إلى أهدافهم صفاً واحداً.

SputnikNews