أخبار عاجلة

من أين يبدأ كنس السلم؟

الجماهير التى انتخبت الإخوان للبرلمان لم تنتخبهم لكفاءاتهم وقدراتهم، لكن لاعتقادها أن هؤلاء ناس «بتوع ربنا».. بمعنى، أنهم سوف يتصدون للفاسدين، تشريعا ورقابة.. فمصر تسبح فى بركة من الفساد الذى يمتص دمها وخيرها.. والجماهير التى انتخبت الدكتور مرسى، بغض النظر عن الظروف التى اضطرت عاصرى الليمون لانتخابه، فعلت ذلك لأنه رجل «بتاع ربنا»، ولأنه لن يكون فاسدا أو يشجع على الفساد، بل سوف يطهر من اللصوص والمرتشين ومافيا التصدير والاستيراد، وأراضى الدولة، والآثار..الخ.. لكن الجماهير لم تجد ما كانت تأمله.. صحيح أن ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو أظهرتا أفضل ما لدينا، لكنهما كشفتا عن أسوأ ما فينا..السؤال: هل سيكون المشير السيسى- إذا قدر الله وأصبح رئيسا لمصر- قادرا على مواجهة الفساد وشبكاته وعصاباته المتغلغلة فى المجتمع، والجهاز الإدارى، ومؤسسات الدولة؟! لقد تكلم الرجل عن ضرورة مواجهة الفساد، لكن أى فساد؟ المالى أم الإدارى أم السياسى أم الاقتصادى أم الاجتماعى أم الأخلاقى؟ لاشك أن المشير السيسى- بحكم وظائفه السابقة- على قدر من المعرفة بحجم ونوعية الفساد فى مصر.. لكنه فى حاجة إلى «جيش» متخصص على دراية وخبرة ودربة بكل أشكال الفساد وطرق مواجهته.. لكن، أين يجده، وكيف السبيل إليه؟ هذا هو بيت القصيد..الفساد فى مصر ورم سرطانى منتشر ومتشعب فى جميع أجزاء الجسم الواهن الذى هرم وشاخ قبل الأوان، وليس مقتصرا على بؤرة هنا أو عقدة هناك.. مواجهته سوف تكون حربا - ربما لا تقل شراسة وضراوة - عن حرب الإرهاب.. فهل تكفى الأجهزة الرقابية الموجودة؟ وما هى قدراتها؟ صحيح فشل المصريون فى أشياء كثيرة، لكن منهم أساتذة وعباقرة فى ابتكار وسائل للفساد لا تخطر على بال..لا تندهش إذا وجدت إنسانا يقنعك بأنه لا يقبل جنيها حراما، لكنه «يبلع» بلدا بأكمله فى جوفه (!)، عهدنا أن يتابع ويحاسب ويعاقب المرتشى أو السارق أو المختلس أو الهارب من سداد مبلغ تافه، أما الذين امتلأت خزائنهم و«أكراشهم» بالملايين الحرام، فلا متابعة ولا حساب ولا عقاب.. أخشى أن يصدق فينا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إنما أهلك الأمم من قبلكم كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».

معروف على المستوى الشعبى أن كنس السلم يبدأ من الدرجات العليا، وليس العكس.. لكن هناك من يستسهل كنس الدرجات السفلى.. فهذه لا ظهر لها ولا سند ولا مدافع.. كما أنها قليلة الحيلة، لا تستطيع هربا ولا فكاكا.. فهل سيبدأ المشير السيسى بكنس السلم من درجاته العليا؟ وهل لديه خطة للقيام بذلك، خاصة أن هذه النوعية من الفاسدين تمتلك قدرات كبيرة على التخفى والتعمية والهروب، واستخدام وسائل تقنية حديثة؟!

صحيح أن لدينا فسادا يرتع فى مجالات وميادين شتى، وأنه يتطور وينمو بسرعة مذهلة، لكن صحيح أيضا أن ملاحقته ليست مستحيلة.. فهل أعد المشير السيسى تشريعا حاسما يحقق المتابعة والملاحقة والردع؟ وهل استطاع أن يحدد «الجيش» المتخصص، المؤثر والفاعل، صاحب الصلاحية الكافية والكفيلة باقتحام قلاع الفساد، أيا كانت، ولا تخشى فى ذلك لومة لائم؟! من المؤكد أنه يمكنه ذلك، إذا اتقى الله فينا، وأيقن أن الرئاسة لم تدم لمن قبله، وإلا لما وصلت إليه، وأن مصر لن تنهض ولن تتقدم دون تجفيف منابع الفساد، وأن البداية يجب أن تكون عند الدرجات العليا من السلم.

SputnikNews