أخبار عاجلة

نسيت العنوان.. ووجدت نفسي

هل استيقظت يوما لا تعرف أين أنت؟ ولا من يشاركك فراشك؟ لا تعرف تلك الوجوه التى تطل عليك من خلف زجاج الأطر الخشبية، هل تصورت نفسك يوما جالسا على مقعد في شرفة واسعة مطلة على البحر، تتذكر جدتك وهي ترتدي فستانها الأزرق الطويل وتعطي أوامرها للخادمة لتنظف حجرة الضيوف قبل أن يصل البيه المأمور.. بيت جدك.. شجرة الجميز.. رائحة الخبيز والحمارة التى نزغتها في بطنها فركضت بك وأوقعتك فكسرت ذراعك وعرفت بعدها أنها حامل، ذكريات زمان... زمان.

الحاضر بكل زخمه فى ذهنك وخيالك، أما الآن فلا وجود له، أنت لا تتذكر هل أخذت دواءك أم لا، من تلك الشابة التى تمسح على شعرك وتقبلك فى خدك، المرأة المسنة التى تجلس قبالتك، تراقبك ويبدو عليها الإرهاق والحزن لا يمكنك أن تتعرف عليها، ليس لديك مبرر لوجود هذا الجرو الصغير الذى يتمسح بقدميك ويضايقك، عالم ملىء بتفاصيل غائبة عنك، هل تخيلت أن تصبح ذاكرتك القصيرة صفحة بيضاء لا يمكن الكتابة عليها؟ هكذا هو حال مريض ألزهايمر، أو ما يسمى أحيانا «عته الشيخوخة».

في الولايات المتحدة هناك ما يقرب من ٥.٣ مليون أمريكي مصابون بهذا المرض، وفي يقول الدكتور عبدالمنعم عاشور، أستاذ الطب النفسي والشيخوخة بطب عين شمس، رئيس جمعية أصدقاء مرضى «ألزهايمر» إن هناك ما يقرب من نصف مليون مصاب بهذا المرض في مصر.

الشقاء الحقيقي يكون من نصيب أسرة مريض ألزهايمر، فهو لا يتعرف عليهم ولا حتى على نفسه، وهناك أعراض جسدية تصاحب المرض كفقدان الوزن، والتهابات في الجلد، صعوبة البلع، شخير وزيادة في النوم، عدم السيطرة على المثانة.. مشاكل كثيرة تجعل من مريض ألزهايمر محتاجا لمساعدة على مدار الساعة.

ومن هنا تبدأ حكاية كارين بوفيس، كارين شابة فرنسية (31سنة) تهوى التمثيل وقراءة الروايات، كانت تتمنى أن تكون كاتبة أو رائدة فضاء، لكن دراستها الجامعية أهلتها لوظيفة بنكية، في عام 2008 أصدرت رواية بعنوان «سيدي المدير»، لم تجد رواجا يجعلها تثق في موهبتها، واستمرت في عملها المصرفي رغم أنها تكره لغة الأرقام، بمرو السنين شعرت أنها تضلل عملاءها وتبيع لهم خدمات لا يحتاجونها، وجدت أنها ليست في الموقع المناسب لها وقررت أن تهجر هذا المجال وإلى الأبد، واقترحت عليها والدتها الطبيبة، المتخصصة في أمراض الشيخوخة وألزهايمر، أن تعمل كميسرة فى أحد دور المتقاعدين المصابين بألزهايمر، رفضت الفكرة في البداية، فهي لا تحب كبار السن، ولا تعرف عن ألزهايمر إلا أنه مرض تدعو الله ألا يصيب جدتها، كانت تريد عملا بلا أعباء أو مسؤوليات، يوفر لها وقتا ومالا، ولكنها لم تعثر عليه، وأمام إصرار أمها قبلت.

والمفاجأة غير المتوقعة أنها دخلت عالما سحريا مليئا بالمشاعر المتضاربة، الطازجة، والمؤثرة، كانت تساعد أشخاصا عاجزين تماما عن تذكرها بعد أن تدير لهم ظهرها، عمل فيه إنكار للذات إلى أقصى حد، فهي لا تتوقع أن تسمع يوما كلمة شكر أو تقدير، ولكن ابتسامة شاحبة على وجه عجوز ممتن قد تكون البديل.

استطاعت كارين أن تحرر الكاتبة بداخلها، فانطلقت تكتب هذه التجربة الفريدة فى كتاب يحمل عنوانا طريفا «نسيت العنوان» ملىء بالمشاعر والعبر، تحكي فيه عن مواقف مضحكة تعرضت لها وأخرى حزينة كانت شاهد عيان عليها، تقول كارين عن تلك التجربة «فقدت أكثر من نصف دخلي ولكني كسبت إنسانيتي، ولأول مرة أشعر أن لحياتي هدفا وقيمة، وجدت ما أبحث عنه في أبعد مكان كنت أتخيل أن أجده فيه».

ektebly@hptmail.com

SputnikNews