أخبار عاجلة

دهاء السلطان ...وغباء بوكو حرام

يحكى أن سلطان عجوز كان يحكم شعبا طيبا على مدى نصف قرن ويزيد ، جشعه واستبداده جعلا شعبه يعيش فى فقر وعوز ، وفى يوم من الأيام دخل كبير الوزراء على السلطان مذعورا ،" مولاى الشعب فى حالة تمرد شديد ، الضرائب الجديدة التى فرضتها يامولاى فجرت غضبه ، أصواتهم تعلو فى الشوارع دون خوف أو احتشام يطالبون برحيلك ، فلقد طالت سنوات حكمك ولابد من التغيير " فى هدوء أجاب السلطان العجوز :" اتركنى الآن ياوزير " خرج السلطان إلى شرفة قصره فوجد العامة والسوقة على مرمى البصر، ساعات قصيرة وسيكونوا على الأبواب ، هم غالبون لامحالة، فهو وحاشيته وحرسه الخاص لايستطيعوا أن يردوا زحفهم وجيشه يقاتل على حدود البلاد لرد البربر الغزاة ، بسرعة طلب وزيره المخلص وقال له : ياوزير ،فلينزل المنادون إلى الشوارع ليعلنوا تنازلى عن الحكم وأننى سأختار منهم حاكما ، اما أنا فلا طلب لى سوى خروجى الآمن مع أفراد أسرتى ، سأذهب لأعيش فى هدوء ما بقى لى من عمر فى الجزيرة الصغيرة التى أشتريتها منذ سنوات. بعد أن هدأت الزوبعة ، كان على السلطان أن يبحث عن شخص يسلم له حكم البلاد ، حضر الوزير ووقف أمام السلطان مطأطأ الرأٍس: يامولاى أنهم ينتظرون أٍسم الحاكم الجديد ،فأجاب السلطان :ياوزير أريد حصرا بأسماء التجار الأقل نجاحا والأكثر شعبية ،وعندما أحضر له القائمة قال له "عليك أن تعرف عنهم المزيد لتقدم لى ثلاثة أسماء فقط بشرط أن يكونوا الأقل خبرة بينهم والأكثر لجاجة "وبالفعل سمى له الوزير ثلائة من هؤلاء وأحضرهم ليقابلهم السلطان كل على حدى ، الثلاثة كانوا منعدمى الكفاءة كثيرى الكلام ، لكن كان هناك واحدا منهم يجد فى نفسه مواهب وكفاءات لايراها الآخران فى أنفسهما ، ويتصور أنه ضحية العصر السلطانى ولولا ذلك لأصبح شاهبندر التجار ، وقع أختيار السلطان عليه وتعجب الوزير ، ولكن مولاه أجابه مبتسما: تركت ورائى من سيجعل هذا الشعب المتمرد يسبح بحمدى ويتغنى بحكمتى وسيأتينى يوما هذا الأحمق طالبا المشورة ، وسيدعونى شعبى للعودة والحكم من جديد"

انتهت الحدودته ، ولكن صنع منها عشرات النسخ وأنتشرت حول العالم ، كل سلطان أو مهيمن ذكى يجد شعبا يثور ضده يخرج من دائرة الضوء دون قتال ويترك غيره يفعلها ،دون أن يلوث يديه ، الأستعمار القديم كان فى الغالب الأعم يختار حكام وملوك وأمراء اسوأ منه ، فتكون النتيجة ، أنه يحكم من خلف الستار أو يستدعى للتخلص من هؤلاء ، الامبريالية الحديثة تساهم فى أن تصل أسوأ العناصر للحكم حتى تستطيع أن تبسط نفوذها على البلد ، فتكون النتيجة كارثية كما تعودنا ، وهنا يحدث سيناريوهان لاثالث لهما ، اما أن تدخل لدعم الاستقرار المتمثل فى الحاكم التابع لها أوتتدخل لحماية الشعب وحقوق الإنسان أو الأمن والسلام العالمى و حقوق الأقليات ،أو تدمير أسلحة الدمارالشامل ....الخ فالذرائع دائما موجودة.

بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وإنتهاء الصراع بين المعسكر الغربى والشرقى فى أوائل التسعينات من القرن الماضى ، أصبحت أمريكا القطب الأوحد المهيمن على العالم ، وكان لابد من خلق صراع جديد ، وبدأ الترويج لفكرة صامويل هنتنجتون عن صراع الحضارات ، ووضع الإسلام فى مواجهة الحضارة الغربية ، ومنذ ذلك الحين بدأ العمل فى الخفاء على تكوين حركات إسلامية أصولية تسىء للإسلام وتعطى ذرائع للصراع ، ولم تكن أمريكا والغرب بقادرين على تشويه الإسلام بدون تأسيس جماعات مثل : القاعدة وطالبان وداعش وجبهة النصرة ...,ومؤخرا انضمت بوكو حرام فى نيجيريا لقائمة أكثر الجماعات الاسلامية نجاحا فى تشويه الإسلام ، بعد خطفها لأكثر من 220طالبة.

الفيديو المنتشر لقائد بوكو حرام "أبو بكر شوكو"، والذى يعلن فيه مسئوليته عن خطف البنات وأنه سيبيعهن رقيقا أو سيزوجهن من أتباعه قصرا، حتى يتوقف المسلمين عن ارسال بناتهن للتعليم فى المدارس الغربية ، جعل العالم كله بالفعل فى مواجهة مع هذه الصورة المتخلفة للمسلمين ، وأصبح شعار "اعيدوا بناتنا " شعارا دوليا ،بل أن ميشيل اوباما زوجة الرئيس الأمريكى رفعته أمام شاشات التليفزيون لتعلن موقف أمريكا الأخلاقى فى ضرورة تكثيف البحث عن البنات وإعادتهن لعائلتهن وهذا لاينفى أن لأمريكا مآرب أخرى فى نيجيريا.

بوكو حرام تعنى باللغة المحلية " التعليم الغربى حرام " ، ومحمد يوسف، مؤسسها كفر التعليم الغربى و أنشأ بديلا عنه مجمعاً دينياً، يضم مسجد ومدرسة إسلامية في مدينة مايدوجوري بشمال نيجيريا ، وجد له الآف التابعين الذين تركوا مدارسهم إيمانا بدعوته البعيدة تماما عن جوهر الإسلام الذى يحث المسلمين على العلم والتدبر. هذه الدعوات دائما ما تجد مرتعا خصبا فى الأماكن العشوائية والفقيرة والمهمشة ،و الشمال النيجيرى المسلم هو المنطقة الأكثر فقرا فى هذا البلد الغنى بموارده حيث يعيش 72 % من سكانه في فقر مدقع.

لست بصدد الحديث عن تاريخ بوكو حرام وكيف تحولت من الدعوة إلى العنف الدموى، فهذه التفاصيل يمكن الحصول عليها ببساطة فهى منتشرة على صفحات الأنترنت ، ولكننى هنا أتحدث عن نجاح السلطان الداهية فى مخططه الجهنمى ، فبدلا من أن يتصارع السلطان مع الإسلام وجد من بين ابناءه من يقوم بالمهمة بالنيابة عنه وأفضل مما كان سيفعل، فهؤلاء المحسوبين على الإسلام يصوبون خناجرهم لدينهم بغباء منقطع النظير.

وصدق من قال "اللهم إكفني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم"

SputnikNews