أخبار عاجلة

«التحالف والانكسار».. إثيوبيا وإسرائيل في عهد «هيلا سيلاسي»

كانت «استراتيجية المحيط» هى الخطة التى وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق ديفيد بن جوريون لنسج علاقات وطيدة مع إثيوبيا، بكل ما تمثله الأخيرة من أهمية لمصر، لا سيما على صعيد نهر النيل، «شريان الحياة» للمصريين.

ويأتى صدور كتاب «التحالف والانكسار: إثيوبيا وإسرائيل فى عهد هيلا سيلاسى»، مؤخرا فى إسرائيل، ليحكى فصولا سرية من «القصة المحرمة» بين الدولة العبرية وإمبراطور إثيوبيا الشهير هيلا سيلاسى، بحسب صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، وهى العلاقات التى استمرت حتى حرب أكتوبر 1973، ليتم إعلان قطعها رسميا عام 1974، قبل أن تستأنف مجددا بعد ذلك.

ويرصد الكتاب الصادر عن مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب، فى 261 صفحة، الشخصيات الإسرائيلية واليهودية التى عملت فى إثيوبيا خلال عهد هيلا سيلاسى، فى الفترة من 1930 إلى 1974، باستثناء الفترة من 1936 حتى 1941، التى وقعت إثيوبيا خلالها تحت الاحتلال الإيطالى.

يبدأ البروفيسور حاجى أرليخ، كتابه بمحاولة تأصيل العلاقات بين الجانبين عبر الأساطير التاريخية والدينية، مستغلا الأسطورة التى يجهر بها هيلا سيلاسى بأنه ينحدر من سلالة ملكة سبأ والنبى سليمان عليه السلام، بالإضافة إلى واقعة اتخذت مكانة الأسطورة فى التاريخ الإثيوبى، تتعلق بما يسميه المؤلف «الاحتلال الإسلامى» لإثيوبيا على يد سلطان الصومال أحمد بن إبراهيم الغازى، الشهير باسم أحمد جورى عام 1543.

ويقول المؤلف إن هذا الاحتلال هدد بزوال المسيحية الإثيوبية، وترك جرحا غائرا فى الثقافة الإثيوبية، ما زالت تداعياته السياسية قائمة حتى اليوم، والتى يتجلى أبرزها فى قضية بناء سد «النهضة» على نهر النيل وما يمثله من تهديد لحصة المائية.

ويؤرخ المؤلف لبداية العلاقات بين إسرائيل وإثيوبيا إلى فترة الانتداب البريطانى على فلسطين، مع وصول هيلا سيلاسى إلى القدس كلاجئ هارب من جيش الاحتلال الإيطالى. ويشير إلى ما كتبته صحيفة «دافار» العبرية فى 12 مايو 1936، فى افتتاحيتها عن وصول قيصر الحبشة إلى فلسطين، مؤكدة وجود تعاطف بين اليهود إزاء الامبراطور الذى سلب منه عرشه، سيما أن الكثير من المصادر تتحدث عن أصل يهودى لهيلا سيلاسى، لدرجة أنه كان يتفاخر بذلك وأطلق على نفسه اسم «أسد يهوذا».

بعد 10 سنوات من قيام الدولة العبرية على أنقاض فلسطين، بادر رئيس الوزراء الأسبق ديفيد بن جوريون إلى وضع «استراتيجية الأطراف والمحيط»، لإقامة علاقات وتحالفات بين إسرائيل والدول «غير العربية» المجاورة، بالتركيز على تركيا وإيران وإثيوبيا.وحتى 1993 (إعلان استقلال إريتريا)، كانت إثيوبيا الدولة الوحيدة غير المسلمة المطلة على البحر الأحمر. فتأسست العلاقات الإسرائيلية - الإثيوبية على أساس الخريطة الجيوسياسية. وكانت إسرائيل تعتبر نفسها جزيرة يهودية وسط بحر عربى، بينما تعتبر إثيوبيا نفسها جزيرة مسيحية فى بحر إسلامى. وبذلك رأت الدولتان أهمية كبرى لتعميق علاقتهما. وكان العائق الأساسى لإعلان علاقات رسمية هو العداء العربى لإسرائيل. فضلت إثيوبيا إخفاء علاقاتها مع إسرائيل حتى لا تثير غضب الدول العربية والإسلامية بمنظمة الوحدة الأفريقية. وعمل الإسرائيليون على ترسيخ هذه العلاقات بكل الطرق.

بدأت العلاقات غير الرسمية قبل 1948. ففى عهد الانتداب البريطانى نفى أعضاء العصابات السرية اليهودية، ومن بينهم إسحاق شامير الذى أصبح رئيسا للحكومة الإسرائيلية، ويعقوب مريدور، الذى أصبح وزيرا للاقتصاد لاحقا، إلى إريتريا التى كانت جزءا من إثيوبيا. وكان لمريديور علاقات مع يهود أسمرة، وكانوا من يهود اليمن التجار الذين استثمروا فى إريتريا وأقاموا بها، وساعدوا المنفيين الإسرائيليين على الهرب.

وبعد لقائه مع مريدور، كتب بن جوريون فى مذكراته بتاريخ 17 أكتوبر 1952: «نحن الدولتان غير الإسلاميتين على البحر الأحمر. والحبشة تدرك ذلك، وحان الوقت لإقامة علاقات مع الحبشة، إنهم لم يعترفوا بنا حتى الآن، لأنهم طوال الوقت لم يفرضوا حكمهم الكامل على إريتريا، ولا يرغبون فى إغضاب العرب، لكنهم مهتمون بالتبادل التجارى وصفقات السلاح».

ويؤكد المؤلف أن الإسرائيليين كانوا متغلغلين ويتولون مناصب قيادية فى الوحدات السرية الخاصة جدا بالجيش الإثيوبى، وشاركوا فى تأسيس جامعة هيلا سيلاسى، «جامعة أديس أبابا» حاليا، بعد صعود مانجستو مريام للحكم عام 1974. وسافر العديد من الإثيوبيين إلى إسرائيل لإكمال تعليمهم وتلقى تدريبات عسكرية واستخباراتية متطورة.

رغم الشعور الإسرائيلى بتوطيد العلاقات مع إثيوبيا، كان الوضع مختلفا فى الأمم المتحدة، فكانت إثيوبيا تمتنع عن التصويت فى بعض الحالات، لكنها كانت غالبا تتبنى موقفا مؤيدا للعرب.

وبحسب صحيفة «دافار» الصادرة فى 24 مايو 1949، عبر وزير الخارجية الإسرائيلى وقتها موشيه شاريت عن التوتر الذى ساد عصبة الأمم خلال النقاش حول قبول إسرائيل عضوا بالمنظمة. فقال إنه كانت هناك مفاجأتان، واحدة سارة تتمثل فى تصويت فرنسا وجنوب أفريقيا لصالح إسرائيل، وأخرى سيئة تتمثل فى خضوع إثيوبيا للضغوط العربية وتصويتها ضد إسرائيل.

بعد هذا التصويت أعلنت إسرائيل اعترافها بضم إريتريا إلى إثيوبيا، كتأكيد على تمسكها بتوطيد علاقاتها معها. ولخص ناتان ماريان، مستشار هيلا سيلاسى، رسالة الأخير لوزير الخارجية الإسرائيلى موشيه شاريت، قائلا «لولا ضغط العرب لكانت إثيوبيا أول دولة تعترف بدولة إسرائيل».

فى 1961 نفد صبر بن جوريون، وأرسل خطابا إلى هيلا سيلاسى يطالبه بالاعتراف فورا بإسرائيل. وكتب بن جوريون فى يومياته: «تحدثت معه عن مشكلة اللاجئين التى أثيرت.. وإذا كان يريد التودد لجمال عبدالناصر، فلن ينال صداقته، لأن عبدالناصر يعمل ضد الحبشة فى الأوساط الإسلامية ولن يتوقف عن ذلك، ولكنه سيوقف صداقتنا، ولا يجدر بالقيصر أن يخسر صديقا فى محاولة يائسة لاكتساب صداقة عدو».

وفى التصويت بالأمم المتحدة على إقامة إسرائيل امتنعت إثيوبيا عن التصويت، وفى التصويت على الاعتراف بها عضوا بالأمم المتحدة صوتت بالرفض. ورغم الصداقة الوطيدة التى نسجت سرا، لم تنشأ العلاقات الرسمية إلا فى 1961. وعقب حرب يونيو 67، صوتت إثيوبيا لصالح القرار السوفيتى الذى اتهم إسرائيل بالعدوان وطالب بانسحابها فورا بدون شروط.

ويقول المؤلف، إن هيلا سيلاسى فى أواخر عهده، كان يريد الهدوء بأى ثمن، وتطلع إلى تحقيق تعايش أكبر مع العرب. ووبخ جولدا مائير على تعنتها أمام عبدالناصر. فقد كان يعتبر سلوكها غطرسة وانعداما للرؤية.

ظلت إثيوبيا تمارس مناوراتها بين التودد للعرب وتوطيد علاقاتها العسكرية والتجارية مع إسرائيل، حتى خضع الأثيوبيون للضغوط العربية وقطعوا العلاقات الرسمية مع إسرائيل عام 1973. وشعر الإسرائيليون بأنهم تعرضوا للخيانة. ويشير الكتاب إلى أن إسرائيل ربما كانت وراء انقلاب مانجستو العسكرى الذى أطاح بهيلا سيلاسى. وقال المؤلف الإسرائيلى حاجى أرليخ إنه داخل قصر هيلا سيلاسى كان هناك معسكران، أحدهما موال لإسرائيل وآخر موال للعرب، ثم جاء مانجستو الذى قال: «سأسحق مصر والسعودية، وكل من يقف إلى جانب المتمردين الانفصاليين فى إقليم إريتريا الإثيوبى وأوجادين وكل المعارضة العميلة للإمبريالية».

SputnikNews