أخبار عاجلة

«عاصفة إليكسا» تشرد 5 آلاف أسرة و«الوطن» ترصد إنقاذ المنكوبين

«عاصفة إليكسا» تشرد 5 آلاف أسرة و«الوطن» ترصد إنقاذ المنكوبين «عاصفة إليكسا» تشرد 5 آلاف أسرة و«الوطن» ترصد إنقاذ المنكوبين
«الوطن» فى قلب غزة.. رحلة البحث عن الحقيقة وإجابات «الأسئلة الصعبة» (2)

كتب : منى مدكور الثلاثاء 17-12-2013 11:11

تسونامى غزة، هكذا يطلق سكان المناطق المنكوبة الغارقة فى المياه على المنخفض الجوى القادم من والمسمى «عاصفة إليكسا»، لأنه شرد أكثر من 5000 أسرة فى القطاع، فضلاً عن مئات الأسر المحاصرة فى منازلها، جراء ارتفاع منسوب المياه الذى أغرق مدناً سكنية بأكملها، وحاصر سكانها فى الأدوار العليا وأسطح المنازل.

فرق الدفاع المدنى تستخدم قوارب «الحسكة» لنقل متضررى السيول.. وغرق منازل كاملة

«الوطن» رافقت إحدى فرق الإنقاذ التابعة لهيئة الدفاع المدنى والشرطة البحرية فى منطقة «النفق»، حيث توجد بركة الشيخ رضوان فى غزة، خلال عملية إجلاء بعض الأهالى، وتوصيل المواد الغذائية للبعض الآخر ممن يصعب إجلاؤهم من منازلهم، لعدم وجود وسيلة يخرجون بها من المنازل سوى الشبابيك والبلكونات، ما يشكل خطراً محدقاً عليهم فى ظل إمكانات محدودة لهذه الفرق.

تحركنا بواسطة «الحسكة»، مركب صغير بموتور، التى تعطلت أكثر من مرة فى عمق المياه ذات المنسوب المتجاوز 3 أمتار فى بعض الشوارع، لدرجة أن أسطح المنازل باتت قريبة للغاية من المياه، فيما غرقت كل المحلات والأدوار الأرضية والأولى من البيوت بأكملها.

كان المشهد مأساوياً لعائلات كاملة تطل من الشبابيك فى انتظار الطعام، بعد أن حاصرتهم المياه لأكثر من 3 أيام بعيداً عن الأرض ونفد مخزونهم الغذائى تماماً.

هنا، يقوم أفراد العائلات بالنداء على مراكب «الحسكة»، التى تسير عبر الشوارع المغمورة بالمياه، مثل شوارع فينسيا الإيطالية، لكن من دون مياه نقية، بل مياه المجارى المختلطة بمياه السيول، طالبين الطعام وأدوية السكر والضغط وبعض أدوية البرد للأطفال، إن توافرت.

وما بين الشاحنات الغارقة بحمولتها فى بعض الشوارع، والسيارات التى تسبح بجانبها، يظل مشهد لافتة إحدى الصيدليات وهى تقترب من رؤوسنا ونحن نستقل القارب مثيراً للفزع بسبب ارتفاع المياه. ومن شارع إلى آخر، يمكنك بسهولة أن ترفع بيديك أسلاك تيار الضغط العالى حتى لا تصطدم برأسك، أما لمبة «عمود الإنارة» فيمكنك أن تلمسها بيدك بكل سهولة، وخطورة أيضاً، فيما سيطر الرعب هنا على الجميع خوفاً من السقوط فجأة فى المياه، إذا ما اختل توازنك وأنت واقف على سطح القارب الصغير الذى يحاول أن يتحرك بصعوبة بين حطام بعض الأسوار وأثاث منازل عائمة من ناحية أخرى.

يقول «أبونضال» عبر شباك أحد البيوت المحاصرة بالمياه: «لا نستطيع الخروج من منزلنا بعد أن غمرت المياه الأدوار الثلاثة السفلى، وتجمع كل الجيران فى الدور الأخير للمنزل، وأصبحنا ننتظر مرور (الحسكات) لإمدادنا بالخبز والمعلبات والكبريت لإشعال بعض الأخشاب للتدفئة فى أحد أركان المنزل، فالكهرباء مقطوعة عن المنطقة برمتها حتى لا تحدث كارثة إنسانية بعد أن غرقت أعمدة الإنارة وأعمدة التيار الكهربى تماماً».

بينما تشتكى الحاجة «أم ياسين» من فوق سطح أحد المنازل من أن عائلتها المكونة من 8 أفراد تريد زيادة كمية المواد الغذائية التى ستوضع لها فى علبة بلاستيكية، استطاعت أن تربطها بحبل يتدلى من السطح، لتصل إلى أيدى فريق الإنقاذ على المركب، ليضع فيه ما يمكن أن يسد رمق عائلتها، وعلقت قائلة: «لا يمكننا التصرف، المياه تحيطنا من كل اتجاه، وأنا سيدة مسنة وقد نفد علاجى وعلىّ أن أصبر على الألم إلى أن تنزاح الغمة».

المعونات الغذائية تنوعت ما بين أرغفة الخبز والمعلبات والحليب ومياه الشرب، فيما طلبت عائلات عالقة فى منازلها المزيد من أطعمة الأطفال وبعض الملابس والأغطية والبطاطين لهم، بعد أن غمرت المياه منازلهم وكل متعلقاتهم الشخصية، بالذات الملابس والبطاطين، فيما وصلت درجة الحرارة فى بعض المناطق المنكوبة فى غزة إلى 3 درجات تحت الصفر.

الجالية المصرية تحول مقرها لمركز إيواء وتتكفل بكافة سبل المعيشة للأهالى من مأكل وملبس ووسائل تدفئة

وبينما نسير متلمسين طرقنا من شارع إلى شارع فى ظلام دامس بعد أن حل الليل، خوفاً من الاصطدام بأى حوائط غارقة أو سيارات أو أبنية غير مرئية، يصحبنا أحد أبناء منطقة «جباليا» المنكوبة فى غزة، ليدلنا على تفادى منشآت كانت قائمة أو سور منزل غمرته المياه، بينما يظهر فجأة قارب فى الجهة المقابلة لنا، ويسأل بكل حدة عن هويتنا، فيرد عليه قائد المركب بحدة مماثلة: «من أنت حتى تسألنا؟»، وفجأة وبلا مقدمات أسمع صوت «شد أجزاء» لأسلحة نارية صوبت فوهتها تجاهنا بشكل مباشر، ليعلو صوت قائد المركب من هيئة الدفاع المدنى وآخر من المتطوعين لإيصال المعونات الغذائية: «دقيقة دقيقة، نحن فرقة إنقاذ تابعة للحكومة، ومعنا صحفية مصرية للتغطية».

فيرد عليه قائد المجموعة التى لا يمكن تمييز ملامح أعضائها «ها؟»، ويسلط على أعيننا الأضواء الكاشفة من كشافات صغيرة فى يده، بينما السلاح الآلى فى يده الأخرى ما زال مصوباً تجاهنا، للكشف عن وجوه من فى القارب، ثم يقول بنبرة هادئة: «لماذا لم تقل ذلك من البداية؟ سيروا فى أمان الله، الله معكم، نحن نتفقد المنطقة للقبض على أى لصوص يريدون أن يستغلوا الظلام والبيوت المهجورة بسبب المياه للسرقات أو التعدى على السكان»، وبعد أن تجمدت عروق من كانوا على سطح القارب من هول المفاجأة، عرفنا أن هذه إحدى مجموعات كتائب القسام المسلحة.

أكملنا الرحلة بالقارب وسط مياه عميقة وفجأة يتعطل الموتور، فيما يحاول قائد القارب تشغيله مرة تلو الأخرى، فيصمت الجميع وينتظر بقلق مرور هذه الدقائق العصيبة، فيخرج عن صمته على الحايك، رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، الذى كان مرافقاً لنا على القارب حاملاً العديد من المعونات الغذائية التى اشتراها خصيصاً للمنكوبين، ويقول: «على فكرة، لو تعطلنا هنا سنظل للصباح الباكر حتى يرانا أحد، لأنى أيضاً سأتوه بين الشوارع للوصول إلى البر حتى لو كان ذلك عن طريق العوم»! يضحك من كان فى القارب، بينما يدور الموتور الصغير بعد قليل، مبدداً قلقنا وتجمد أطرافنا من البرودة القارسة.

وتولى المركب الصغير توزيع المعونات الغذائية، فيما صوت قائد القارب يعلو كاسراً حاجز الصمت المحيط بالأبنية والمنازل، مرجعاً صداه مرات عدة: «مين بده أكل؟ نحن هنا لمساعدتكم»، فيظهر من بعيد كشاف إضاءة صغير علامة على أن هناك أسرة فى ذلك المنزل تريد المساعدة.

تصيح شابة متوسطة العمر من أحد الأسطح قائلة: «والدتى مقعدة ونريد طعاماً وأدوية»، فيُهرع طاقم الإنقاذ لوضع كمية من الطعام فى شنطة بلاستيك مربوطة بحبل واهن، ألقت به الفتاة إلى طاقم الإنقاذ، وفجأة ينقطع الحبل ويسقط الكيس المحمل بالأطعمة المعلبة فى المياه، هنا يقفز بسرعة أحد أفراد الطاقم فى المياه وكأنه ضفدع بشرى ويأتى بالكيس قبل أن تبتلعه المياه، فيما تبحث بسرعة الفتاة عن حبل آخر لتتمكن من تسلم حصتها من الغذاء لها ولوالدتها.

أما الطفل «صهيب» فينادى على مركب الإنقاذ بصوته الضعيف: «فيكم توصّلوا دوا للمنزل المقابل؟ والدى عالق هناك عند الجيران ونفد دواؤه»، وبالفعل بعد أن توصل إليه قارب الإنقاذ منحه الطعام الكافى له ولوالده وباقى إخوته، وفيما نحمل أشرطة أقراص الدواء إلى الجهة المقابلة تدلت علبة دهانات فارغة صغيرة بحبل لنضع الأدوية فى العلبة لوالد «صهيب».

لم تجد العائلات المحاصرة فى هذه الأوقات أياً من وسائل التدفئة جاهزة للتشغيل، إذ عطّل انقطاع التيار الكهربائى تشغيل أجهزة التدفئة الكهربائية أو الإنارة فى المقام الأول عن كل العالقين فى منازلهم، فلجأوا إلى إشعال بعض أفرع الشجر العالية التى تطالها أيديهم بسهولة من الشبابيك العليا على الرغم من خطورة الأمر، لكن لا بديل لديهم فى ظل البرودة القارسة والعواصف الثلجية والأمطار الغامرة لكل ما حولها دون توقف، حيث أسهم هطول الأمطار المتواصل، فى ظل بنية تحتية غير جاهزة وإمكانات ضعيفة للحكومة مع نقص إمدادات الوقود ومواد البناء، فى جعل الأوضاع الإنسانية أكثر قسوة.

فيما استطاع كل من خرج من منزله قبل أن تغمره مياه الأمطار والسيول أن يجد له مأوى مؤقتاً فى أحد مراكز الإيواء، حيث جرى فتح 17 مركزاً، فى 12 مدرسة و3 مراكز شرطة ومسجدين، كما قامت الجالية المصرية فى غزة بفتح أبواب مقرها كمركز إيواء عاجل. ويقول عادل عبدالرحمن، رئيس الجالية: «أبلغنا الدفاع المدنى أن أبواب المركز مفتوحة لكافة العائلات التى لا تجد لها مأوى، مع التكفل التام بكل سبل المعيشة من مأكل وملبس ووسائل تدفئة. هذا أقل واجب إنسانى يمكن أن يقدم لعائلات منكوبة ولأطفال يعانون فى ظل هذا الطقس القاتل».

DMC