أخبار عاجلة

«المتهم بريء حتى يقابل ريهام سعيد»

توقفت أجهزة الأمن عن التعذيب في غياهب الأقسام وتركت المهمة لريهام سعيد، لتقوم بما يوازيها على الشاشة في برنامجها الذي يحمل اسمًا ركيكًا هو «صبايا الخير» ويحاصرك كل أسبوع بصفحة تليفزيونية، فيما يبدو أنه محاولة تطويرعصري لما كانت تقدمه صفحات «سهرة داخل علبة ليل» وعناوين صحف صفراء كـ«الحادثة» و«الأنباء الدولية» و«الأفوكاتو».

«عارف الطب الشرعي قال إيه النهاردة؟ إنكم بتعملوا شذوذ مع بعض».

يصطحب ضابط الشرطة المتهم ليقف أمام ريهام سعيد التي تبدأ: «أنا جاي أقول لك كلمة واحدة.. إنك حيوان»، بينما يظهر على الشاشة بعدها مقاطع من اعترافات المتهم للمباحث، دون مراعاة لقواعد المهنة أو مشاعر المجني عليها وأهلها أو حقوق المتهم.

في كل حلقة من برنامجها يظهر نحو ما يقرب من عشرين رجل شرطة على اختلاف رُتبهم، لا تتحدث إطلاقًا عن تقصير الأجهزة في ملاحقة الجريمة أو وقفها أو دور الممارسات العتيقة للأمن في زيادة معدلها أو مسؤولية الدولة عن أطفال الشوارع ولا آدمية مؤسسات الإصلاح أو سوء أحوال السجون.. تكتفي بما تحبه الشرطة من إظهار المجهودات والتركيز على تفشي الانحراف الذي يدق كل باب.

تسأل ريهام سعيد فتاة تعرّضت للاغتصاب بكل بساطة: «إنتي زعلانة إن حصل لك كده؟»

تقف أمام بيت دعارة وتواجه الكاميرا، مؤكدة أنها تقف منذ ساعات مع المخبرين في انتظار بدء الوضع المخل لمداهمة المنزل في حالة تلبس والقبض على من بداخله وتقول لفتاة مقبوض عليها «مش عايزة تقولي حاجة؟..قولي أي حاجة» تهرب الفتاة من الميكروفون بينما تلاحقها ريهام.

«لا تزن. لا تقتللا تسرق.. حتى لا تقف أمام ريهام سعيد»

تدخل المذيعة إلى الزنزانة واضعة نظارتها الشمسية على عينيها، فتقف متهمتان على الفور لتبدأ في محاصرتهما بالأسئلة وكأنها ضابط شرطة ينتزع الاعترافات.

في الفاصل التعليمي الذي تخاطب فيه ريهام سعيد جمهورها العريض الذي ينتظر خلاصة حكمتها، تمارس نفس التبريرات التي يسوقها من يعرف جيدًا أنه يمارس مخالفة إعلامية مهنية فتحصر التعامل مع هذه الوقائع والحوادث بين تجاهلها وإخفائها وبين عرضها بهذا الشكل الفج، وتقرر أن من يعارض هذه الطريقة يريد أن يكذب ويقول إن المجتمع بلا جرائم أو فساد، وكأن ما تفعله هذا ليس جريمة في حق مهنة الإعلام نفسه.

«أنا عارفة إن حقوق الإنسان هتضايق مني علشان قلت للراجل يا حيوان.. حد شاف قبل كده كلب عنده شذوذ ؟»

من بين المعايير والضوابط التي تحدد مسألة ظهور المجني عليه أو المتهم على الشاشة أن يكون لذلك هدف كالوصول إلى موقع المتهم أو معلومات تقود إلى معرفة شخصيته أو كشف نوع غير معروف من الجرائم أو التنبيه لنوع من المخالفات، لكن ما تفعله في «صبايا الخير» بظهور متهمين هم فعلًا قيد التحقيق، لا يتعدى كونه من باب النميمة العلنية والتحسر غير المجدي- لكنه محبب لنفوس كثيرين- على ضياع الأخلاق وانحراف العباد وتغير الزمان واختفاء الشهامة.

تعرض من تصنف نفسها مذيعة على الشاشة مشاهد ولقاءات مع مرضى نزلاء داخل مستشفى العباسية، تشير قبلها وكأن هذا يُخفّف من فعلتها وكأن هؤلاء معروضون في متحف وليسوا مرضى يتلقون العلاج ولهم أهل ينبغي أخذ موافقتهم «مخك هو اللي بينجحك واللي يجعلك فاشل هذه حالة فقدت عقلها ولكن أرجو منكم ألا تسخروا منهم أنا أعرضها لتحمدوا ربنا».

يذكرني جمهور «صبايا الخير» وأسلوب تقديمها للحوادث بالزميلات من راكبات الميكروباص المتحمسات للاستجابة لشراء صحف مجهولة الهوية، كان الباعة ينادون عليها في مواقف السيارات وعادة ما يختارون عناوين تنحصر في زنى المحارم، والزوجة التي قطعت زوجها لسبعين قطعة ووضعته في درج الثلاجة، والابن الذي قتل أمه على سجادة الصلاة من أجل خمسة جنيهات، لتداعب مشاعر السيدات اللاتي سرعان ما يستجبن للنداء بدافع حمد الله على الحال والبقاء طاهرات في هذا العالم الدنيء القذر الذي يأكل فيه الابن أباه وزيادة مخزون النميمة.

تظهر على الشاشة طفلة في السادسة من عمرها لتحكي قصة اغتصابها على الشاشة وبجوارها ضابط شرطة يصرخ في وجوه مجموعة يقارب عددها العشرين قاصرًا، تناوبوا على الاعتداء عليها، بينما يسألها الضابط والمراسل: كانوا بيعملوا معاكِ إيه؟ فترد البنت ببراءة: حاجات من هنا ومن هنا. يسأل الضابط: كنتِ بتعيطي؟ فتكمل ببراءة أيضًا: كانوا كاتمين بُقي.. يتم كل هذا دون إخفاء وجه المجني عليها أو المتهمين. الجريمة البشعة يضيف إليها البرنامج ممارسة شنيعة لن تحقق لا عدل ولا قصاص ولا تحمي خصوصية البنت ولا تراعي مستقبلها ولا حياتها في مجتمع بهذا الشكل طالما تم القبض على المتهمين، ولا يضمن كل هذا حق المتهم في أن يسير في إجراءات محاكمته أمام قاضيه، ثم يظهر ضابط شرطة يحكي وقائع الجريمة ثم يحلل الأمر ودوافعه الاجتماعية ويوجه النصائح للأهالي وكأنه خبير في كل هذه الأمور.

«حضرتك يا أستاذة ريهام أحلى حاجة في الدنيا»، تقول متصلة متحمسة لها بينما تتمنى أنت لو يختفي الإجرام من على كوكب الأرض ويقف إبليس نفسه صارخًا في عشيرته أن يتوقفوا عن وساوسهم لبني آدم حتى لا تجد ريهام سعيد ما تُقدمه بهذا الشكل.

SputnikNews