أخبار عاجلة

استفتاء «تايم» وعقدة الخواجة

ربما كان جديرًا بنا أن نعود لافتتاحية صحيفة نيويورك تايمز في 26 مايو 2004، بعد نحو أقل من عام ونصف على غزو العراق. ففي هذه الافتتاحية، قدمت الصحيفة المرموقة توضيحًا تفصيليًّا أقرب لاعتذار نادم لقرائها بشأن تضليلهم عبر سنوات بمعلومات غير دقيقة أو مختلقة حول حقيقة الأوضاع في العراق. وكاشفت قراءها بعمليات التلاعب المعلوماتي التي تعرض لها المحررون، ما استتبع في نهاية المطاف تقديم تغطية «حفزت» إن لم تكن «شرعنت» عملية غزو العراق.

وإذ تميط هذه المقدمة اللثام عن التضليل الحكومي والمخابراتي للصحفيين الأمريكيين فيما يخص الشأن العراقي، فإنها تكشف بعمق عن الطبيعة «الإنسانية» للمؤسسات الصحفية، كمؤسسات قد تخطئ في تقديراتها، إلى الحد الذي قد يتسبب فيه الخطأ، في تشكيل غطاء أخلاقي لغزو بلد من البلدان وقتل أهله وسكانه.

وهذه الافتتاحية ليست بدعًا من الأمر جاءت به «نيويورك تايمز» منفردة دونًا عن أقرانها من الصحف والمحطات الغربية التي اعتذرت- ومازالت تعتذر- وعلى رأسها بي بي سي- حيال أي تضليل قد تتسبب في تعريض جمهورها له.

لكن الشاهد الأكبر هنا هو أن تقديرات الصحف الغربية أو التسريبات التي تحصل عليها أو الاجتهادات الصحفية التي قد تستنبطها، هي في نهاية المطاف مادة إنسانية قابلة للأخذ والرد، بل واجب إخضاعها لعملية فحص دقيق قبل نقلها وإشاعتها كأنها الحقيقة التي أشرقت كالمشس ساطعة في ظلمات الشرق الأوسط.

بعض الصحف المصرية، تنقل أخبارًا وتقارير ومقالات رأي عن صحف أمريكية وبريطانية بخصوص الشأن المصري، كأنها الحقيقة المطلقة، أو كأنها نتاج العمل الصحفي الممزوج بالتقدير السياسي والمخابراتي لحكومات هذه الدول، ومن ثم فهي عين اليقين!

كل ما ينبغي عليك، هو ترجمة مقال هنا أو تقرير هناك من صحيفة تحمل اسمًا به كلمة من كلمات «تايمز أو ديلي أو نيوز أو بوست»، وسرعان ما سيصبح التقرير المترجم محل اهتمام بالغ، وموضوع جدل في الأغلب، وحجة يحاجج بها كل فريق خصومه من الفرق الأخرى.

الطريف أن صحفًا بأكملها قد تصبح «منحازة» بعض الشيء أو غير دقيقة في تغطيتها تحت وطأة شعور جمعي طاغٍ، وهنا يجدر التعريج على تفسير الناشر المصري الكبير هشام قاسم، الذي افترضه قبل عدة شهور قليلة حول الخط التحريري المنتهج لصحيفة الجارديان البريطانية حول .

فالجارديان، التي تميل ناحية اليسار قليلًا، جنحت ناحية اليمين الديني لإحساسها بأن أفراده تعرضوا للسجون والمعتقلات والتعذيب، وأن الإطاحة بهم في مشهد 30 يونيو، امتداد لظلم إنساني ما، يتعرض له أبناء هذه «الفكرة» ومعتنقي هذه «العقيدة».. الإسلاموية!

وبدت الجارديان بصحفييها ومجلس محرريها- وفقًا لهشام قاسم في حديث تليفزيوني- كما لو أنها بصدد الانتصار لـ«مظلومية» هذا الفريق، مستشعرة الحرج الإنساني والأخلاقي من عدم «مؤازرته». ووسط هذا التأثر العاطفي، ربما وقعت الجارديان في الكثير من الانتقائية فيما تبثه من أخبار عن المشهد المصري ككل.

والمحصلة أن الاعتماد على تقارير الصحف الغربية حجة بالغة على صواب أمر ما أو خطئه، هو من قبيل المراهقة البحتة. فمراسلو هذه الصحف في القاهرة، بشر عاديون، يمارسون عملهم ويتكونون وتتطور خبراتهم مع الوقت، وتزداد علاقتهم بمصادرهم تعقيدًا مع الأحداث، خاصة المراسلين الأصغر سنًّا.

والاستنتاج الذي لا أريد إرباكك في الوصول إليه وسط أجواء الاستقطاب المستعرة هو أن الصحافة الغربية التي أضحى اللهاث خلف تقاريرها والاستشهاد به غاية الأمر، سواء لدى الإخوان وأحلافهم أو لدى مناوئيهم باختلاف توجهاتهم.. هي في نهاية المطاف منتج إنساني، يناله ما ينال الصنع البشري من قصور، ويحمل بين طياته قدر ما يمكن أن يحمله العمل الصحفي من إظهار الحقائق.. لا هي شمس حقيقة لا تنكسف، ولا هي أباطيلُ تتلى بكرة وعشيًّا.

وهو ربما ما قد يخفف من غلواء المعركة العبثية حول استفتاء «تايم» لأهم 100 شخصية بالعام، والتي بدا في جولتها الأولى أن تقدم على أردوغان عمل وطني جليل وشهادة حق انتزعناها من الأمريكان حول «أهمية» وزير الدفاع المصري وأفضليته على الوالي العثماني.

وهو عوار في الرؤية إذا ما دققنا أن أقوى منافسي السيسي وأردوغان في الاستطلاع العام للمجلة هي المطربة مايلي سايرس، التي استرعت الانتباه في الربع الأخير من 2013 بالكليب الذي ظهرت فيه عارية تمامًا، لتبدد أسطورة طفولتها في دور هانا مونتانا!

فماذا لو كانت المنافسة بين وزير دفاع مصر أو بين أديب أو مفكر مصري، وبين مطربة يتمثل منجزها الأهم في عام 2013 هو الرقص عارية في كليب؟

ماذا لو كنت بين القرضاوي أو البابا تواضروس أو شيخ الأزهر أو جمال الغيطاني أو مجدي يعقوب وبين مايلي سايرس؟

تقدير «تايم» يقوم على اختيار الشخصيات التي تصنع أحداث العام وتشكل أهمية (سلبية أو إيجابية) في محيطها الإقليمي، وهو ما يمكن فهمه من اختيار شخصيات كمقتدى الصدر والبشير وخامنئي وبشار الأسد  على مدار السنوات من 2006 وحتى 2013 ضمن قائمة تايم السنوية. وهو ما يعني أن المجلة العريقة لو كانت تصدر قبل قرون مضت، لكان جنكيز خان وهولاكو قد احتلا قائمتها في سنة من السنين، جنبًا إلى جنب مع ويليام شكسبير وبوذا..

ورغم المعايير الجادة التي ينتهجها مجلس تايم التحريري في الاختيار السنوي لهذه الشخصيات، فإن الأمر في نهاية المطاف خاضع لتقديرات أفراد، قد يحالفهم الصواب وقد لا يحالفهم. المهم أن نعي أن اختيار أي مصري ضمن القائمة هو اعتراف بمقدار تأثيره، لا بنوعية تأثيره، والأهم أن نعي أن استبعاد أي شخص منها لا يعد انتقاصًا من قدره، وأن اختياره ليس بالضرورة شرفًا نتقاتل لأجله أو نتجادل على ضفافه!

«تايم» مؤسسة..«إنسانية»!

لكن الخواجة يروقنا كثيرًا في كل ما يقول...

 

SputnikNews