أخبار عاجلة

«الوطن» فى زيارة لسكان المجرى الملاحى لقناة السويس.. حكايات فى مواجهة الإرهاب

«الوطن» فى زيارة لسكان المجرى الملاحى لقناة السويس.. حكايات فى مواجهة الإرهاب «الوطن» فى زيارة لسكان المجرى الملاحى لقناة السويس.. حكايات فى مواجهة الإرهاب
«ناجى»: القناة كانت مفتوحة أمامنا للصيد والسباحة والترفيه حتى حرب الخليج

كتب : عبدالفتاح فرج ومحمد على زيدان منذ 32 دقيقة

حالة من القلق البالغ انتابت المصريين بعد أن استهدفت العناصر الإرهابية سفينة صينية بقناة السويس منذ شهرين لأول مرة فى تاريخ القناة، بعد أن انتقلت العمليات الإرهابية من سيناء إلى غرب القناة مع تكثيف الضربات الأمنية ضد المجموعات الإرهابية بشمال سيناء، وهو ما دفع القوات المسلحة إلى تعزيز قواتها على طول مجرى القناة، تفادياً لوقوع عمليات جديدة قد تؤثر على أحد مصادر الأمن القومى لمصر وأهم رافد للعملة الصعبة. ويمثل طول المجرى الملاحى وانتشار الزراعات والبيوت السكنية حوله عائقاً أمنياً للسيطرة على المجرى بشكل كامل دون ثغرات تسمح باستهداف السفن أو عناصر التأمين المنتشرة بطول القناة.

رصدت «الوطن» تأمين قوات الجيش والشرطة للقناة بطول المجرى الملاحى لقناة السويس جنوباً وحتى بورسعيد شمالاً، والتقت العديد من الأهالى الذين يعيشون بجوارها منذ عقود، للوقوف على الوضع الأمنى فى ظل الاضطرابات السياسية التى تمر بها البلاد ووقوع عمليات إرهابية فى سيناء وطرق مدن القناة الرئيسية.

فى البدء، كانت نهاية خليج السويس، الذى تراصت فيه السفن العملاقة العابرة من القناة ضمن قافلة الجنوب، تنتظر دورها فى المرور من المجرى الملاحى للقناة بطول 162 كيلومتراً، خارج الأسلاك الشائكة لمياه القناة. فى بورتوفيق أغلقت قوات الجيش بالتعاون مع قوات الشرطة جميع الشوارع المؤدية إلى كورنيش القناة وأحكمت سيطرتها الكاملة على المدخل الجنوبى لها، ومنعت المارة من الاقتراب منها. حى بورتوفيق بالسويس به الكثير من العمارات السكنية المرتفعة التى تطل على القناة مباشرة، لذلك يخضع سكانها لأعمال التفتيش الدقيقة التى تتم كل يوم خوفاً من استهداف السفن من أعلى العمارات.

شمال مدينة السويس يقع حى الجناين الذى يمتد على مساحة تزيد على 65 كيلومتراً حتى يصل إلى حدود الإسماعيلية، الحى به أكثر من 30 قرية، جميعها تقع على شريط المجرى الملاحى للقناة، وبه الكثير من الزراعات الكثيفة التى يعمل بها قطاع كبير من سكان المنطقة منذ عشرات السنين حتى وقت الحرب. يسكن فى هذا القطاع الكبير عائلات وعواقل من القبائل العربية وبدو وصعايدة وفلاحون من الدلتا، حسب وصف الشيخ فكرى الأطرش، شيخ قبيلة «الطليمات عن خمس البغدادى عن ربع الأطرش»، بالجناين بالسويس، الذى اصطحبنا معه فى جولة بـ«الجناين»، بالقرب من الممر الملاحى الذى كانت تمر منه السفن العملاقة فى اتجاه السويس فى تمام الواحدة ظهراً، كانت السفن تشق الصحراء شقاً، إثر اختفاء مياه القناة خلف التلال الرملية المحيطة بها من الجانبين، وهى من آثار حرب عام 1973.

أثناء السير قال لنا الشيخ فكرى: «من مميزات المكان أن معظم الأهالى يعرفون بعضهم جيداً، لذلك يصعب اختراق المكان من قبل العناصر الغريبة»، على حد تعبيره. وأضاف: «يؤمن معظم أهل الجناين أن قناة السويس من مصادر الدخل القومى، ويدركون أهميتها جيداً لمصر، ويحافظون على أراضيهم وعليها بأنفسهم، ويشكلون حائط صد شعبياً عنها، بالتعاون مع اللواء أسامة عسكر، قائد الجيش الثالث الميدانى، الذى يقوم بعمل اجتماعات دورية مرتين كل شهر مع الأهالى وشيوخ القبائل بالمنطقة، لبحث سبل تأمين القناة».

يشير الشيخ فكرى إلى عدد من البيوت التى تقع بين مصرف زراعى يطلقون عليه «المصرف الميرى»، وبين مجرى القناة، ويقول: «ما بعد المصرف بيوت قديمة مبنية فى حرم القناة، ولا يفصلها عن المجرى الملاحى سوى سلك شائك، أقامته القوات المسلحة منذ سنوات لمنع التسلل إلى المياه، تلك البيوت لا تمثل خطراً على القناة، فهم يمنعون الغرباء من دخول المنطقة إذا تخطوا كمائن الجيش خارج المناطق السكنية، كما أن هؤلاء الأهالى ليس لهم سكن بديل، وبنوا تلك البيوت بكل ما يملكون ويعيشون على زراعة بعض المساحات الزراعية الصغيرة، وهم يعيشون الآن تحت رعاية القوات المسلحة، خاصة الجيش الثالث الميدانى الذى يقدم بعض المساعدات الغذائية إلى فقراء المنطقة».

يتابع الشيخ فكرى قائلاً: «العائلات والمشايخ اتفقوا على حماية وتأمين القناة بالتعاون مع قيادة الجيش الثالث الميدانى»، مشيراً إلى أن ما تنص عليه تلك الاتفاقيات يعد «سيفاً على رقابهم». ويضيف شيخ قبيلة الطليمات: «الوضع الأمنى فى الجناين مستقر، وأفضل مما كان قبل الثورة، فمنذ 3 شهور وقعت مشاجرة بالأسلحة النارية بين عائلتين بقرية (منشية الرجولة)، ثم قام اللواء أسامة عسكر بإرسال كتيبة إلى هناك، وأعطاها أوامر بالتعامل مع الموقف والسيطرة عليه، ولولا تدخله لوقعت مذبحة كبيرة».

من جانبه قال ناجى النجار، تاجر من حى الجناين: «إن القوات المسلحة قامت بشد سلك على المجرى الملاحى مباشرة ناحية البيوت والأراضى الزراعية، ومنعت دخولهم إلى الشاطئ الغربى للقناة قبيل حرب الخليج الثانية عندما عبرت السفن والبوارج الأمريكية منها، قبل تلك الفترة كانت قناة السويس بالنسبة لهم (متعة ومصدر ترفيه لا يعوض)»، يقول: «كنا نصيف بها ونسبح فيها، ونصطاد منها، ونلعب بمحاذاتها، لذلك كنا نجيد السباحة. أما الجيل الحالى فلا يعرف عنها شيئاً لأنه محروم منها، بعد حرب الخليج كنا نرى أن غلق المجرى الملاحى أمامنا غير مبرر، لكن فى ظل الظروف الراهنة والاضطرابات السياسية التى تمر بها البلاد نعتقد أن إغلاقها ضرورة ملحة لكى نحافظ على أحد أهم مصادر الدخل القومى لمصر». وأضاف «النجار»: «بحكم موقعنا المطل على قناة السويس نشعر هنا فى (الجناين) بالتميز عن أى منطقة أخرى، ولا سيما أن بيوتنا تقع بجوار موقع عالمى، بل لأنها حافلة بالتاريخ وذكريات الحرب، ويكفى أن نرى أرض سيناء الحبيبة من فوق منازلنا على خط القنال».

يرجع «ناجى» ظهره للخلف وينظر فى الفراغ ويكمل فى فخر: «بعد حرب النكسة 1967، رفض والدى الهجرة إلى القاهرة أو الشرقية كما فعل الكثير من الأهالى هنا إبان الحرب، وفضل البقاء رغم خطورة ذلك على حياته وحياتنا، فمن غير المعقول الآن أن نسمح لأحد بالإضرار بالأمن القومى لمصر، وسندافع عن قناة السويس بأرواحنا، كما أن نفوس أهالى قطاع الجناين عفيفة ولا تقبل الحرام»، يواصل: «لو كنا بنقبله كان أهالينا قبلوه أيام الحرب بعد أن سقط فى أيديهم أسلحة وذخيرة الجيش وقت الحرب، وبعد ثغرة الدفرسوار، لكنهم سلموا الأسلحة إلى الجيش، يعنى لو كانوا عاوزين يغتنوا كانوا هيغتنوا، لكن الوطنية بتجرى فى دمنا وعارفين كويس قيمة ».

ويقول أيضاً إبراهيم النفيعى، 40 سنة، من «الجناين»: «لم أكن أحب التجنيد قبل أن ألتحق بالقوات المسلحة، لكن بعد ذلك أحببت التجنيد جداً بسبب الصحبة مع العساكر وحب الوطن، ودلوقتى أنا نفسى يحصل لى استدعاء تانى، عندنا القوة ندى ونخدم البلد، دى بلدنا وبنخاف عليها ونحميها بدمنا، لأن كل بيت هنا فيه شهيد من أيام الحرب، واللى مامتش شاف الموت بعنيه 60 مرة». إلى أحد البيوت المجاورة تماماً للقناة وصلنا، مبنى من الطوب الأحمر، به جميع المرافق باستثناء الصرف الصحى، يقع خلف المصرف الميرى، ولا يفصله عن المجرى الملاحى سوى أمتار قليلة يتخللها سلك شائك يقف خلفه بعض جنود الجيش المكلفين بحماية القناة، وهم على علاقة طيبة بالأهالى هناك، حسب وصف صاحب البيت أحمد حفنى حسن، 38 سنة، موظف بالبريد.

«قنديل»: الدولة تواجه جماعات إرهابية منظمة تستخدم التكنولوجيا فى ضرب المناطق الحيوية

يقول الرجل الثلاثينى فى حماس وصوت مرتفع: «لو الميه خلصت من القناة مستعدين نملاها بدمنا عشان السفن تعدى، دى حياتنا واحنا عايشين هنا من قبل 1967، بنزرع الأرض ونعيش من خيرها، شفنا على شريط إحدى القنوات الفضائية خبر بيقول إن الجيش هيزيل البيوت اللى جنب القناة، والخبر ده عمل زوبعة، وخلانا مش عارفين ننام، إحنا عندنا استعداد نفدى البلد بأرواحنا، وعمر ما حد يقدر يمس القناة طول ما احنا موجودين هنا، من كام يوم شفت واحد غريب عن المنطقة الساعة 2 الصبح، ومعاه 3 شنط، ووقفته من بالليل للصبح، اكتشفت إنه شغال فى مزرعة جنبنا، ما رضيتش أفرج عنه إلا لما جه صاحب المزرعة، افرض إنه كان واحد من الناس اللى بنسمع عنهم جاى يضرب القناة هنعمل إيه ساعتها؟».

ويواصل «حفنى» قائلاً: «إن هناك بيوتاً كثيرة تقع على المجرى الملاحى ولا يفصلها عن القناة سوى سلك شائك، لذا من الصعب جدا تهجير كل هؤلاء»، ويتابع بحزن: «ده مصطفى ابنى بيسألنى: يا بابا هو الجيش هياخد البقرة بتاعتنا؟ قلت له: لا يا ابنى، الجيش ما بيئذيش حد».

انتهت جولتنا بالسويس، وانتقلنا إلى الإسماعيلية، هناك يتسع مجرى القناة بسبب البحيرات المرة التى يظهر بها الصيادون، مجرى القناة فى شمال الإسماعيلية تحيط به بيوت سكنية كثيرة عبر عدة طرق.

فى أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسى قامت القوات المسلحة بإغلاق كوبرى السلام خوفاً من استهدافه وضرب السفن العابرة أسفله، ويعتمد الجميع الآن على معديتى السيارات والأفراد فى الانتقال من وإلى سيناء بمدينتى القنطرة شرق وغرب، وهو ما يتسبب فى تكدس السيارات على الجانبين.

حول مدخل معدية الأفراد كثفت قوات الجيش والشرطة من وجودها حيث تقوم بتفتيش حقائب العابرين فى الجانبين، لأن المعديات تسير بالقرب من السفن العملاقة. منعت قوات الجيش الصيادين بالقنطرة من الصيد فى القناة منذ شهرين أيضاً، وفى الناحية الغربية من القناة أغلقت القوات شاطئاً وحديقة بالأسلاك الحديدية كانا يستخدمهما الأهالى فى التنزه، ووجدت جنود القوات المسلحة بكثافة كل 50 متراً خلف كبائن حديدية جديدة. لكن تفتيش المواطنين لا يتم بشكل دقيق، ما قد يسمح لبعض المجرمين باستغلال ذلك فى استهداف السفن والمعديات.

«سلمان»: عملية استهداف السفينة الصينية تمت بمنطقة غير مأهولة بالسكان بمنطقة رأس العش

بجوار المجرى الملاحى فى قرية «الحرش»، الواقعة غرب قناة السويس بعد مدينة القنطرة غرب، وقف سلمان محمد، 52 سنة، خارج منزله المجاور مباشرة لقناة السويس، لا يفصل بينه وبين المجرى الملاحى سوى قضبان السكة الحديد وترعة بورسعيد، يقول الرجل فى هدوء: «ولدت هنا، وتم تهجيرنا بعد حرب النكسة إلى محافظة الشرقية، وعدنا بعد انتهاء الحرب بعام واحد، عندنا أرض بنزرعها جنب القناة، وكانت مصدر دخلنا الرئيسى، لكن بعد تكاثرنا عملنا فى أماكن وأعمال متنوعة، والمبسوط خالص دلوقتى عنده فدانين. عيلتنا كانت الأول ساكنة فى بيت واحد، والآن تسكن فى 9 بيوت مبنية من الطوب الأحمر والحديد المسلح».

يضيف الرجل فى ضجر: «سمعنا أخبار تتحدث عن تهجير الأسر التى تعيش بجوار الشريط الملاحى، وهو شىء صعب، نحن نملك أوراق ملكية للأرض التى نعيش فيها وموصل بها جميع المرافق، وهناك مئات البيوت الأخرى التى تجاور القناة مباشرة».

يضيف «سلمان» أن أبراج مراقبة القناة منتشرة بطول المجرى الملاحى كل كيلومتر، وأشار إلى أن أعمال التأمين زادت فى الفترة الأخيرة بشكل كبير بعد استهداف السفينة الصينية، وقال: «ما بنقدرش نقرب من القناة، فيه عساكر كتير ورا السلك، إحنا بنمنع أى حد غريب عاوز يشوف القناة من الاقتراب منها، لأنها خط أحمر واستهدافها خطأ كبير، الإسلام ما قالش أضرب الظباط ولا السفن اللى بتدخل فلوس للبلد، والإسلام برىء من هؤلاء»، وأوضح «سلمان» أن المنطقة التى شهدت الحادث الإرهابى تقع ما بين «رأس العش» و«التينة» و«الكاب»، وهى غير مأهولة بالسكان، وطينية ينتشر فيها الهيش والعشش، وقد قام الجيش بحرقها تماماً بعد الحادث.

انتشرت بشكل مكثف كمائن الجيش الثابتة كل 500 متر على طول طريق «الإسماعيلية - بورسعيد»، خاصة فى المنطقة الواقعة بين مدينة القنطرة غرب حتى بورسعيد، وهى المنطقة التى شهدت الحادث الإرهابى، ثم تتفرع قناة السويس إلى فرعين؛ الأول وهو الذى يفصل بين مدينتى «بورفؤاد» و«بورسعيد»، والثانى الذى يتم مرور السفن منه فرع شرق التفريعة، وهو فرع جديد تم حفره منذ سنوات قليلة.

اللواء مختار قنديل، أحد أبطال حرب أكتوبر والخبير الاستراتيجى يقول: «إن الجيش الثالث الميدانى يحمى قناة السويس من مدخلها الجنوبى وحتى حدود محافظة بورسعيد، بينما يقوم الجيش الثانى الميدانى بحماية المجرى من الإسماعيلية وحتى مدخل القناة ببورسعيد»، وأوضح «قنديل» أن تكثيف الضربات الأمنية ضد الإرهابيين فى سيناء أدى إلى انتقال العمليات إلى غرب القناة والدلتا، موضحاً أن المجموعات الإرهابية منظمة جداً وتعمل الآن فى معظم أنحاء مصر، وهو ما يستدعى مواجهتها قبل تنفيذ المزيد من العمليات التى اتسعت مواقعها مؤخراً، وانتقلت إلى القاهرة نفسها.

«حفنى»: «لو الميه خلصت من القناة مستعدين نملاها بدمنا عشان السفن تعدى».. ونناشد الجيش عدم تهجيرنا

يضيف الخبير الاستراتيجى: «مصر الآن فى ساحة حرب، ويجب ألا نطمئن إلى أحد، بل من الضرورى الاشتباه فى العناصر الإجرامية وتوقيفها فوراً عند الاقتراب من القناة، بالإضافة إلى قتلهم بشكل فورى، الإرهابى (حبارة) قتل بمفرده 25 جندياً مصرياً فى رفح بدم بارد، ومحكوم عليه بالإعدام فى مرة سابقة، ومع ذلك يحاكم أمام القضاء العادى، هذا أمر عجيب. مصر فى ساحة حرب، ولا بد من اليقظة».

وتابع «قنديل» أن منطقة الحادث الإرهابى التى استهدفت السفينة الصينية تقع بالقرب من مدينة بورسعيد، وهى منطقة غير مأهولة بالسكان ويسهل استهداف السفن منها، مع انتشار التكنولوجيا الحديثة بين أيدى الإرهابيين الذين قاموا ببث شريط يوضح تنفيذ العملية، وهو منسوب إلى «كتائب الفرقان» الإرهابية، وهذا يعنى أن مصر تواجه مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة منظمه جداً وتستهدف المنشآت الحيوية بمصر وضرب استقرارها.

يواصل اللواء «قنديل» حديثه قائلا: «لا بد أن تكثف أجهزة المعلومات بالدولة من عملها لكشف طلاسم تلك المجموعات وأماكن وجودها، فجهاز أمن الدولة قبل حله إبان ثورة يناير كان يعلم كل شىء عن هؤلاء».

DMC