أخبار عاجلة

«الوطن» على خط القنال.. من هنا بدأت المعركة

«الوطن» على خط القنال.. من هنا بدأت المعركة «الوطن» على خط القنال.. من هنا بدأت المعركة
أهالى «الجناين» ذبحوا المواشى وعبروا القناة لإطعام «طلائع النصر»

كتب : عبدالفتاح فرج ومحمد على زيدان منذ 27 دقيقة

التاريخ الحقيقى، لا يكتبه طرف واحد، وما زالت ملحمة نصر أكتوبر رمضان 1973، حبلى بالأسرار، بطولات وحكايات لا تنتهى، تسرد قصة «موت معلن» لأسطورة جيش إسرائيل الذى لايُقهر، كما تسرد حكاية حلم شعب حوله الجيش المصرى إلى حقيقة تتحدث عن نفسها على خط النار. على طول الجبهة الغربية لقناة السويس سكنوا بيوتهم منذ عقود مضت، عاشوا فيها آمنين مطمئنين، لم يصبهم مكروه، حتى وقعت نكسة 1967، نالت منهم الحرب بعد أن استهدفهم العدو الصهيونى دون تمييز بين مدنيين وعسكريين، فما وهنوا وما استكانوا لما أصابهم فى سبيل الوطن، فضَحوا بأرواحهم من أجله، وسطروا تاريخاً يفخرون به أمام أبنائهم وأحفادهم، لينضموا إلى زمرة الجنود المجهولين، فكان منهم الفدائيون من الرجال والسيدات. «الوطن» كانت هناك.. زارت منطقة الجناين بالسويس فى الذكرى الـ 40 لحرب أكتوبر المجيدة، التقينا المواطنين على جبهة قناة السويس بجوار المجرى الملاحى، استمعنا إلى رواياتهم وحكاياتهم وبطولاتهم فى تلك الأيام، فمن هنا بدأت معركة العبور.. وإلى التفاصيل:

على مسافة حوالى 65 كيلومتراً شمال مدينة السويس، تقع منطقة الجناين، يحدها شرقاً عدد من فرق ولواءات الجيش الثالث الميدانى، وتفصلها قناة السويس عن سيناء، ويعيش بها عدد كبير من القبائل والعائلات العربية مقسمين على عدة قرى، سميت المنطقة بـ«الجناين» لكثرة الحدائق والمزروعات التى تعتمد فى زراعتها على ترعة الإسماعيلية، من بعيد يشم الزائر رائحة النصر والعبور عند رؤية المشايخ وكبار السن، فكل واحد منهم وراءه قصة وحكاية لن ينساها أبداً ما دام حياً.

فى زاوية متسعة من الناحية الشرقية بعزبة الطرش بحى «الجناين» المجاور للمجرى الملاحى للقناة، يقع بيت الحاج عبدالعزيز محمد عبدالعزيز على بعد أمتار قليلة من القناة، يعرفه جميع أهل المنطقة جيداً، ليس لأنه عمدة القرية، أو أحد شيوخها المشهورين، بل لأنه أحد أبطال حرب أكتوبر من المدنيين، بجلباب مترب من أثر الشقاء فى «الغيط» جلس الرجل فى ساحة البيت المتواضعة، للحصول على قسط من الراحة قبل أن يقوم مجدداً لإدخال المواشى بداخل حظيرة المنزل بعد أذان المغرب، وضع أمامه موقداً من النار لزوم صنع الشاى و«الجوزة»، رغم شقاء الرجل المتواصل، فإنه يبدو شاباً، حسن الوجه، جميل المظهر، يزين شعره الأبيض الكثيف وجهه المربع، ويضفى عليه كثيراً من الوقار.

أسند ظهره للخلف ونظر نظرة ثاقبة إلى سفينة عملاقة كانت تمر على بعد أمتار قليلة، وصمت وكأنه يتذكر وقائع ما جرى يوم 6 أكتوبر 1973، وأشار بيديه إلى «القنال»، وقال: خلف هذه المياه كانت لنا أيام وحكايات نعيش على ذكراها».

عساكر لم يجدوا مكاناً لهم فى قوارب العبور فألقوا بأنفسهم فى مياه القناة وعبروا إلى الضفة الثانية

«قبل الحرب بـ 3 أيام، بدأ الحشد غرب القناة فى أراضينا الزراعية المدارية، كان عندى وقتها 16 سنة وقلت لنفسى أكيد دى مناورة جديدة زى اللى قبلها، لكن كانت الحشود المرة دى أكبر، ويوم 6 أكتوبر الصبح وأنا شغال فى الأرض بصحبة شاب تانى من العزبة سمعت حوارات بين العساكر أن الحرب هتقوم، بعد الضهر بساعة سمعت الظابط بيقول للعساكر أنا عندى أوامر أن كل واحد يشد الشدة بتاعته، قمت مساعد العساكر فى اللبس وشد الأحزمة، الشاب اللى كان معايا من العزبة روح وبلغهم عند الترعة إنى على الجبهة مع العساكر، أختى وجوزها، خافوا عليا وبعتوا واحد تانى عشان ييجى ياخدنى ومرضتش أروح معاه، كنت لبست زى العساكر وأنا عمرى 16 سنة، وتهت فى وسطيهم ومعرفش يحددنى لحد ما خاف ومشى»، هكذا يتذكر الحاج عبدالعزيز.

يتنهد الرجل ويهز رأسه، ثم يقول مفتخراً: «قلت لضابط المجموعة وكان اسمه محمد، برتبه ملازم أول، إمسك إنت جهاز اللاسلكى عشان تعرف تتعامل وتتكلم براحتك وإدينى البندقية بتاعتك وأنا بعرف أستخدمها كويس وهفضل جنبك مش هسيبك واللى هتقوللى عليه هنفذه، وافق الظابط أخيراً بعد إلحاح منى وإحنا واقفين جنب المصرف الموازى للقناة.

يكمل الرجل حديثه ويقول: أهل العزبة كلهم كانوا واقفين عند الترعة فوق، جنب الملجأ وأنا لوحدى هنا، فى تمام الثانية ظهراً عدى الطيران الحربى من فوقنا ودخل على سينا، ودى كانت أول مرة ييجى عند القناة من ساعة النكسة، اتأكدت فعلاً أن الحرب قامت، فقلنا فى صوت واحد دون ترتيب أو تفكير: الله أكبر، الله أكبر، ونفخنا القوارب المطاطية، وانتظرنا قليلاً تعليمات العبور، حينذاك قال أحد الجنود إن «الكتيبة 51» عبرت القناة ورفعت العلم على الضفة الغربية للقناة، فقمت بالصعود زاحفاً على التبة الرملية التى بنتها القوات المسلحة بعد حرب 67، لرؤية علم مرفوعاً على الضفة الأخرى، شعرت بفرحة كبيرة لأننى كنت أنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر لأننى من مواليد السويس وأحب هذا البلد جداً ورغم صغر سنى نسبياً وقتها، فإن سنوات الحرب والاستنزاف الست، رأينا فيها الموت كل يوم على الجبهة، كما حدث مع بعض أقاربنا هنا.

يبتسم الرجل، فتظهر أسنانه البيضاء مواصلاً حديثه: «وأنا فوق التبة جت دبابة من ورايا وأنا لم أسمع صوتها المرتفع بسبب قذائف ودانات المدافع اللى نزلت على اليهود فى سيناء زى المطر لتكون غطاء جوى للقوات البرية العابرة إلى الضفة الشرقية، لما الدبابة ضربت القذيفة اتنفضت على الأرض ووقعت من شدة الهوا بتاعها، كانت الدبابة تغير موقعها كل فترة صغيرة حتى لا يعرف العدو مكانها ويصيبها».

ينحنى عم «عبده» كما يسمونه أهالى المنطقة، إلى الأمام، ثم يسند خده الأيمن على أصبعيه ويقول: «كان فيه لواء كبير موجود معانا قال للعساكر إحنا وشنا ناحية الشرق مش عاوز حد يبص وراه، وبعدين الملازم الأول اللى اخدت البندقية بتاعته قال للعساكر مش عاوز حد يخاف وأشار الى، وقال بتعيطوا ومعاكوا واحد مدنى جاى يضحى بحياته ومش خايف من الموت، ثم عبرت القناة مع الجنود فوق أحد القوارب المطاطية، ثم عبرت الدبابات البرمائية وكان فوقها غطاء يحمل عدداً لا بأس به من العساكر، فيه عساكر ملقيتش مكان فى القوارب رمت نفسها فى المياه عشان تعدى الناحية التانية وأخدتها عوم لحد البر التانى، رموا الحبال على الساتر الترابى ونزلوا السلالم الخشبية وطلعنا فوق، لقينا عربية إسرائيلية بتهرب عالشرق، قام عسكرى من كفر الدوار نايم عالأرض وضاربها بالآر بى جى، وأول ما العساكر اليهود نزلت منها، العساكر بتوعنا اشتغلت عليهم بالرشاشات لحد ما ماتوا كلهم».

يعتدل عم «عبده» فى جلسته، ويصمت قليلاً قبل أن يكمل: «كان فيه دشم إسرائيلية ومواقع حصينة لو الطيران فضل يضرب فيها سنة مش هتتأثر، الظابط «محمد» دخل لوحده خندق فيه يهود وبعد شوية طلع والنار ماسكة فيه، العساكر لفوه ببطاطين والحمد لله حصل له إصابات بس ما ماتش، نادى أحد الجنود على اليهود بداخل الخندق أن يخرجوا ويستسلموا وبعد نصف ساعة خرجوا جميعاً وكان عددهم 27، فسألهم عسكرى ضخم البنيان وقوى البنية اسمه أبوالغيط عن الظابط الذى تسبب فى إشعال النار بالظابط محمد فأشاروا جميعاً إلى رتبة كبيرة، كانت بينهم، فاقترب منه وشرحه نصين بـ«السنكى» بتاع الآلى، وقال دا ما يستحقش يعيش لازم يموت حالاً».

يواصل الرجل الستينى: «خسائر الجانب المصرى كانت قليلة مقارنة بما كنا نتوقعه، لما الظابط اتصاب، اللواء قال لى لازم ترجع يا عبدالعزيز مع صاحبك، سمعت كلامه وفعلاً رجعت معاه وقبل ما أعدى الضفة الغربية مليت شيكارة فاضية رمل من سيناء وعبيت فارغة دانة مدفع ميه من القناة، قبل ما ارجع العساكر سابوا عناوينهم معايا وكتبوها على هدومى ودراعى وقالوا لازم تروح لأهلنا وتطمنهم علينا».

يستطرد الحاج عبدالعزيز قائلاً: وأنا راجع شفت العجب لقيت 2 عساكر بينازعوا وسط الزراعات، وتعاملت مع أحدهما حتى أوصلته إلى أحد مواقع الجيش قبل أن يذهب إلى المستشفى، عشان يودوهم المستشفى ولما رجعت عند بيتنا فى العزبة لقيتهم كلهم مستخبيين جوا الخندق وقاعدين لحد الساعه 9 بالليل من غير فطار، أختى كانت لمه هدومى وقاعدة بتعيط عليا وفكروا إنى مت، وقالوا عبده مش راجع خلاص، كنت مليان تراب وعشان كدا معرفوش شكلى على طول، تركت بين أيديهم شيكارة الرمل ومياه القناة وقلت لهم دى الميه اللى مش عارفين تشوفوها وآدى الرمل بتاع سيناء اللى اتحرمنا منه بسبب اليهود.

«الفدائى حسن»: كنا مع الجيش «روح واحدة».. مش إيد واحدة.. ورجالة حافظ سلامة موتوا يهود كتير بعد الثغرة

يتنهد عبدالعزيز وتتغير ملامحه ويقول مفتخراً: لو عاد بنا الزمان مرة أخرى كنت سأكرر ذلك لأن حب الوطن لا يتجزأ، ويتابع: «خاف أهالى عزبة الطرش من شدة القتال، فالتزموا الملجأ حتى التاسعة مساء، وذهبت إلى بيت واحد كان عنده خير كتير، ودخلت بيته دون وجوده وأحضرت الجبن واللبن وقدمته إلى أهالى العزبة حتى فطروا جميعاً، بعد ذلك قام عدد كبير من الأهالى والسيدات بتقديم الطعام والشراب إلى الجنود وعبروا بأنفسهم إلى الضفة الشرقية من القناة وطبخوا اللحم والأرز ليشدوا من أزر الجنود، لكن بعد ثغرة «الدفرسوار» هاجمت القوات الإسرائيلية المنطقة وحاولت القبض على الجنود المصريين، فقمنا بتهريبهم فى جلابيب عبر طرق زراعية غير معروفة بالنسبة إليهم، كانوا يميزون الجنود المصريين من علامة الجورب فى الساق والخوذة فى الجبهة ويقتلونهم أمام أعيننا.

مشى الرجل إلى خارج المنزل ثم جلس على مقدمة أرضه الزراعية وقال بحماسة: «إحنا شفنا أيام صعبة وتعرضنا للموت آلاف المرات، وعشان كدا بنقول للشباب اللى عاوزه تخرب البلد انتوا ما دخلتوش الجيش، نفسى الناس تهدى عشان خاطر مصر».

يختتم عم «عبده» حديثه عن الحرب وذكرياته مشيراً إلى شمال العزبة ويقول: «البيوت دى كلها لحد إسماعيلية بنيت بعد حرب 73، البيوت دى كلها بنيت بعد الحرب، أيام الحرب أصبحت ذكرى طيبة نحكيها إلى أولادنا وأحفادنا، لدى ولد وحيد اسمه محمد وبنت أخرى اسمها مروة، لا نطلب شيئا من أحد كل ما نتمناه أن تستقر مصر لأنها بلد عظيمة ومذكورة فى القرآن، لم التحق للأسف بالقوات المسلحة بشكل نظامى بعد بلوغى السن القانونية مع حبى لذلك».

فى ناحية أخرى بمنطقة الجناين، وبجوار أحد الممرات الترابية جلست أم فكرى، 70 سنة، ومن حولها أولادها وبناتها فى ساحة كبيرة أمام البيت، ما إن تسألها عن ذكرياتها خلال حرب أكتوبر حتى يظهر السرور على وجهها وترتسم البسمة على شفتيها، وتقول بصوت مرتفع «صلى عالنبى، فى سنة 73 كنت عروسة حلوة كدا، بصينا لقينا الطيران المصرى معدى على سيناء خفنا فى الأول على نفسنا وبهايمنا، فيه ناس كتير هجروا المكان بعد حرب 67 بس إحنا مرضيناش نمشى وفيه ناس من عندنا ماتت كتير، وماتت المواشى بتاعتهم، أنا أصلا مولودة هنا، واتجوزت هنا وشفت بعينى كل أيام الحرب، وكنا بنطبخ أكل للعساكر وأول يوم الحرب قدمنا لهم «سمك ورز»، وكنا فرحانين إن مصر دخلت سيناء ولما السادات جه هنا بعد الحرب بسنة لما اليهود مشيوا من الناحية التانية، فضلنا نزغرد ونرقص بالطواقى، كانت فرحة كبيرة وربنا يرحم شهداءنا».

أمام بيت قديم مكون من طابق واحد جلس الحاج حسن موسى الأطرش، على كرسى بلاستيكى متكئا على عصاه الخشبية، لحيته البيضاء، كانت مؤشرا قويا على تقدم سنه التى تخطت الستين، يرتدى جلبابا أبيض، ولديه إصابة فى عينه اليسرى منذ الصغر، شاهد على معركة الانتصار فى السادس من أكتوبر، فهو أحد الفدائيين بمدينة السويس، شارك الشيخ حافظ سلامة فى بعض عمليات التصدى لليهود، عقب موقعة الثغرة، حتى منعوا القوات الإسرائيلية من احتلال المدينة.

لم تؤثر طوال السنوات الفائتة على ذاكرة الرجل، يتذكر جميع مشاهدها كأنها وقعت بالأمس ويقول بفخر: «حضرت نكسة 67 وعمرى كان 16 سنة، رأيت الطائرات الإسرائيلية تقتحم الأراضى المصرية، لتضرب المطارات المصرية، ثم عادت إلى إسرائيل»، يشير حسن بيديه إلى مكان بجوار بيته، ويقول: «كنت بربى بهايم هنا، رحت أجيب ليهم برسيم من أرض قريبة من شاطئ القناة، وفجأة شفت ضرب جامد بالطائرات، فوقعت فى المصرف الموجود بالقرب من الشاطئ، وقتها غبت عن الدنيا، ولما فقت لقيت البرسيم كله ولع، أبويا وأمى فكرونى مت، إحنا كنا فعلاً بنموت فى اليوم عشرات المرات، بعد ما إسرائيل احتلت أرضنا».

المجند أبوالغيط «مزق» ضابطاً إسرائيلياً بـ«السنكى» لأنه أشعل النيران فى «الضابط محمد»

يتابع عم حسن حديثه قائلا: «بدأ الجيش المصرى فى العودة مرة أخرى إلى الحدود الغربية من القناة، مع بدء بعض العمليات ضد اليهود، فيما أطلق عليه حرب الاستنزاف، كونا صداقات قوية مع الجنود المصريين وكنا نساعدهم، كان يوجد 2 عساكر، أحدهما يسمى محمد عبدالعليم والثانى يسمى رجب كانوا من محافظة الفيوم، الاتنين كان معاهم مدفع «ميم ميم».

يضيف: «طلبا منى ذات مرة فى 1968 ذرة مشوى، وعزموا عليا بالغداء، فى الوقت ده حصل اشتباك بين القوات المصرية والإسرائيلية، رفضت أسيبهم، أخذت صندوق الرصاص وطلعت معاهم أركب ليهم الرصاص وهما يضربوا النار على اليهود».

يصمت حسن قليلاً ثم يبتسم ويقول: «اللى له عمر، له عمر يا بنى، كان فى عسكرى صعيدى اسمه مهران، كان شغلته قناص، وكان دايماً قدامه على الضفة الشرقية للقناة قناص إسرائيلى آخر، إما هو يقتله أو التانى يقتل مهران»، ذات مرة كنت أجلس بجوار مهران، فقال لى أنا دلوقتى هخليك تشوف حاجة، بس انت خليك مستخبى ومتظهرش أبداً فقام مهران بوضع الخوذة الخاصة به على مقدمة السلاح، وظل يحركها يميناً ويساراً، حتى يخدع الجندى الإسرائيلى بمكانه، وفجأة أطلق مهران الرصاصة، التى استقرت فى جسد الجندى الإسرائيلى على بعد 200 متر».

يروى «حسن» معلوماته عن بداية ساعة الصفر لحرب السادس من أكتوبر، قائلاً «يا سلام على 73، كنا فى نفس التوقيت ده، الساعة 1:30 الضهر، جاءت مجموعة من العساكر، قالت لى يا حسن خد جماعتك وامشى دلوقتى، الحرب خلاص هتقوم، لكنى لم أترك البيت طول فترة الحرب وبقيت أنا وزوجتى وأرسلت أبى وأمى إلى القاهرة خوفاً على حياتهما، كنت أبلغ من العمر 21 سنة، رحت ورا العساكر على القنال لقيتهم بينفخوا فى القوارب علشان العبور، وبيوزعوا عليهم سلاسل مكتوب بها أسماؤهم».

يستكمل حسن حديثه بحماس شديد قائلا: «أول ما بدأت الطائرات المصرية تعبر القناة، كل الجنود هتفوا الله أكبر، الله أكبر، وكانت بتهز الدنيا، فى اليوم التالى لبداية المعركة، كان يوجد ضابط مهندس اسمه «عبدالرحمن زلط» وهو أحد المهندسين الذين ساهموا فى إنشاء كوبرى العبور بمنطقة الشط المواجه لنا، ولكن بعد إنشاء الكوبرى أصابته قذيفة إسرائيلية فحطمته وانقسم إلى جزأين واستشهد عليه الضابط «عبدالرحمن زلط»، ولكن عزيمة وإصرار الجيش المصرى كانت كبيرة جدا فقاموا بنصب الكوبرى من جديد، وعبرت الدبابات والإمدادات اللازمة للجنود فى البر الشرقى لقناة السويس.

يروى «حسن» أنه فى تلك الأوقات، كان الأهالى يقومون بذبح العجول، وتطبخ السيدات الطعام ليقدمنه إلى الجنود الأبطال «إحنا كنا مع الجيش روح واحدة مش إيد واحدة، فى ذات مرة قال لى ضابط، انتوا وجودكم هنا بيمدنا بالعزيمة، لما بشوفك وأشوف الأطفال والسيدات جنبنا، بازداد بالقوة». يستطرد الرجل فى ذكر وقائع الحرب على الجبهة الشرقية للقناة ويقول فى حماس: كان بعض الجنود المصريين يقومون بحفر خنادق فى الرمال لتمر الدبابة الإسرائيلية من فوقها، فيخرج من خندقه ويضع قنبلة يدوية داخل الدبابة.

يصمت فترة قليلة ثم ينخفض صوته ويقول بحزن: أصعب أوقات المعركة، كانت عقب احتلال اليهود منطقة الثغرة عند كوبرى الدفرسوار، «لقيت ناس كتير جاية تجرى، أهالى وجنود من الجيش المصرى، وكان ده يوم 20 أكتوبر، بيقولوا إن اليهود جايين، وإنهم وصلوا منطقة شلوفة، التى تبعد 8 كيلومتر عن الجناين كنت لوحدى أنا ومراتى سبت البيت بكل ما فيه وركبنا سيارة جيش كان كلها شهداء من الجنود المصريين، وقعدنا فى خندق لمدة يومين».

يوضح «حسن» أن الشيخ حافظ سلامة ورجاله، كان لهم دور كبير فى صد اليهود عن دخول مدينة السويس، «كان رجالة الشيخ حافظ موجودين بين حيطان البيوت المهدومة، وموتوا كتير من عساكر الاحتلال».

DMC