تواجه الجزائر مجددًا

«عمرنا ما هانحط إيدنا في إيدهم تاني أبدًا لآخر عمرنا، أيديهم ملوثة بدمائنا، هذه فرصة تاريخية لسحقهم إلى الأبد، الشعب (الواعي) كله ضدهم، أما من يؤيدهم فهم مخدوعون أو عبيد أو خونة للوطن، لا حديث عن التفاوض قبل أن يستسلموا لثوابتنا، وتتم محاكمة القتلة المجرمين». 
 
هذا هو ما يقوله باستمرار أفراد المعسكرين المتصارعين في ، وكالعادة لا يوجد أسهل من المزايدة.. ولهذا أجد الوقت مناسبًا لنتحدث عما لا يريده المستمعون: تجارب دول العالم في المصالحة الوطنية. 
 
يمكنك أن تطلق أي اسم يعجبك على ما يحدث في مصر، انقلاب دموي، أو ثورة 30 يونيو المجيدة، أو حتى حرب أهلية منخفضة الكلفة، المهم أنك لو كنت ممن يردد أوهام حجازي «المصريون لم يكونوا موحدين بقدر ما هم الآن» يبقى اقفل المقال فهو ليس لحضرتك، ويمكنك أن تعيش مع شعبك الموحد العظيم في سلام! 
 
 تكتسب التجربة الجزائرية أهمية خاصة من أن كلا الطرفين في مصر يستشهد بها، لكن أحدهما لا يرى فيها إلا الانقلاب على الشرعية الانتخابية فقط، والآخر لا يرى إلا الحرب على الإرهاب فقط. 
 
كما لا يمكن الحديث عن أزمة مصر دون العودة إلى ما جرى بالثورة قبلها بثلاث سنوات، فلا يمكن الحديث عن الجزائر دون العودة إلى نسختهم الثورية، وبالمصادفة كانت قبل 3 سنوات أيضًا. 
 
في عام 1988 وعلى أثر أزمة اقتصادية بسبب انخفاض النفط، وإجراءات هيكلة اقتصادية شملت خصخصة مصانع، وتخفيض الدعم عن سلع غذائية، اندلعت أحداث أكتوبر الأقرب لثورة شعبية كاملة.  
 
في الفترة من 5 إلى 10 أكتوبر حدثت أكبر مظاهرات في تاريخ الجزائر، أحرق المتظاهرون في مختلف أنحاء البلاد مراكز الشرطة، ومباني البلدية، ومقار حزب التحرير الحاكم، ومكاتب البريد، وكل ما يرمز للحكومة، وحاولوا مهاجمة منازل بعض المسؤولين. نزل الجيش إلى الشارع بعد عجز الشرطة، سقط 500 قتيل، وتم اعتقال الآلاف.  
 
خرج الرئيس الشاذلي بن جديد في خطاب للشعب يوم 10 أكتوبر معترفًا بأخطائه، ووعد بسحب الجيش، وإلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المعتقلين، وإصلاحات اقتصادية وسياسية. 
 
أهم الإصلاحات كان الاستفتاء على دستور جديد نص للمرة الأولى على التعددية السياسية، بدلا من نظام الحزب الواحد المتبع منذ الاستقلال، حيث استمد حزب التحرير شرعيته من كونه وريث جبهة التحرير، التي حاربت الاستعمار الفرنسي، وهكذا ظهرت الأحزاب الإسلامية، التي كانت البديل الوحيد الجاهز لحزب التحرير المتهالك بفعل الفساد والاستبداد والفشل. 
 
عُقدت انتخابات البلديات (المجالس المحلية) عام 1990، وفازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالحصة الأكبر. شهد العام الذي تولت فيه الجبهة البلديات اضطرابات واسعة لأسباب عدة، مثل الصدام مع المسؤولين السابقين من حزب التحرير، وتشكيل شرطة إسلامية في بعض البلديات، ودعوة الجبهة لإضراب عام، احتجاجًا على قانون تعديل الدوائر الانتخابية لصالح حزب التحرير، ووقوع هجوم على قوات الجيش أسقط قتلى، رغم تبرؤ الجبهة من مرتكبيه. 
 
في ديسمبر 1991 تم عقد المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية، وفازت بأغلبيتها جبهة الإنقاذ أيضًا. 
 
تم الدفع بالبلاد إلى أزمة سياسية عبر استقالة مفاجئة للرئيس بن جديد، مما سبب فراغًا دستوريًا أدى لتشكيل المجلس الأعلى للدولة، الذي كان أبرز شخصياته الجنرال خالد نزار، قائد الجيش. تم استدعاء محمد بوضياف، أحد أبطال حرب التحرير، الذي سبق أن اعتزل السياسة، ليتولى رئاسة المجلس في محاولة لإيجاد شخصية وطنية أقرب للشعب. 
 
قرر المجلس إلغاء نتيجة الانتخابات، واعتبر الجنرال نزار في مذكراته أن هذا كان «الحل الوحيد لإنقاذ الديمقراطية الفتية والدولة»، وذلك خوفًا من أن تقع البلاد تحت حكم إسلامي متطرف يقمع الحريات، ويقصي باقي مكونات الشعب، كما كانت توحي تصرفات وتصريحات نارية لبعض قادة الجبهة، خاصة علي بلحاج، وفي المقابل اعتبرت الجبهة بالطبع ما حدث انقلابًا عسكريًا سافرًا على شرعية الانتخابات. 
 
ثارت مظاهرات واحتجاجات شعبية كبرى قمعها الجيش بعنف بالغ، وتم اعتقال الآلاف من أنصار جبهة الإنقاذ، ثم تم إعلان قرار حل الجبهة، بسبب اتهامها بالعنف، وهنا حدثت البداية الحقيقية للعنف

SputnikNews