أخبار عاجلة

المشير أحمد إسماعيل يكشف خلافات «الرئيس والمشير».. ورغبة «عامر» فى الإطاحة به خارج الجيش

المشير أحمد إسماعيل يكشف خلافات «الرئيس والمشير».. ورغبة «عامر» فى الإطاحة به خارج الجيش المشير أحمد إسماعيل يكشف خلافات «الرئيس والمشير».. ورغبة «عامر» فى الإطاحة به خارج الجيش
«الوطن » تواصل نشر مذكرات «مشير النصر» .. «الحلقة الثانية»

كتب : سماح حسن منذ 23 دقيقة

تواصل «الوطن» انفراداتها، وتعيد رصد وتسجيل تاريخ حرب أكتوبر 1973، وفى الحلقة الثانية من مذكرات المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية فى حرب أكتوبر، يروى القائد العسكرى الفذ كواليس المحاولات المستميتة من جانب المشير عبدالحكيم عامر للإطاحة به خارج القوات المسلحة بأى ثمن. «عامر» اعتمد فى ذلك على إغرائه بالمناصب المدنية ذات العائد المادى الكبير، خاصة أن المشير إسماعيل كان فى ذلك الوقت يعانى أزمة مادية طاحنة، غير أنه رفض ترك العسكرية التى يرى نفسها واحداً من رجالها المخلصين الذين يمكنهم خدمة الوطن -فى محنته الكبرى- من خلال موقعه «على جبهة القتال». أيضاً يكشف المشير أحمد إسماعيل أسرار علاقته المتوترة بالفريق محمد فوزى حينما كان الأخير وزيراً للدفاع، بينما كان يتولى هو رئاسة الأركان، وهى العلاقة التى انتهت بالإطاحة به من منصبه وإحالته للتقاعد، رغم أنه كان المرشح الأول لخلافة وزير الدفاع فى منصبه.. وإلى نص الحلقة الثانية من «مشير النصر»:

أقيم حفل زواج ابنتى فى نوفمبر 1966 بنادى القوات المسلحة بالزمالك وقد شرفنى الرئيس جمال عبدالناصر بالحضور ومعه كبار رجال الدولة فى ذلك الوقت، ورغم أن الرئيس كان فى هذا اليوم موجوداً بمجلس الأمة مع الرئيس الجزائرى بن بلا، وكان كما ذكر لى يعانى ارتفاعاً فى درجة الحرارة، فإنه رأى تكريمى بحضوره عقد القِران وشهد على العقد وحضر جزءاً من الحفل ثم غادر ومعه المشير عبدالحكيم عامر بعد حوالى ساعة تاركاً السيد أنور السادات والأخ زكريا محيى الدين حتى نهاية الحفل.

«عامر وشمس» عزما على الإطاحة بى منذ أن حضر الرئيس حفل زواج ابنتى لأنهما اعتقدا أن هناك علاقة مستترة بينى وبين «ناصر»

كانت مفاجأة للجميع من أول المشير حتى قادة القوات المسلحة أن يحضر الرئيس هذا الحفل علماً بأن الرئيس كان دفعتى فى الكلية الحربية وزميلى كضابط فى «منقباد» كما كنا مدرسين زميلين فى كلية أركان الحرب وقت قيام الثورة وكلفنى بالرقابة على الصحف فى أحلك أيام الثورة وهو الأسبوع الأول منها.

وقتها بدأ شمس بدران والمشير عبدالحكيم عامر يشعران أن هناك علاقة مستترة بينى وبين الرئيس ناصر ولكن، أقسم بالله، لم أطلب من الرئيس من أول يوم فى الثورة حتى ذلك الوقت أى طلب خاص أو عام ولم يكن هناك بيننا سوى صداقة بريئة ومحبة متبادلة ولم أكن أعلم بالخلافات التى كانت قائمة بين المشير والرئيس خلال الفترة بين عامى 1962 و1965، وعلى الرغم من ذلك كانت هناك نية مبيتة للتخلص منى وإبعادى عن القوات المسلحة. فى إحدى زيارات الرئيس ناصر إلى الجبهة، وكنا فى سيارة «جيب واجن» نتنقل بين المواقع، جلس الفريق فوزى إلى جواره وأنا إلى جوار السائق. وقال لى: إن زكريا محيى الدين يعتقد أن الحالة ميئوس منها ويجب أن نغير الاتجاه تماماً؛ فالحالة السياسية والعسكرية والاقتصادية لا أمل فى إصلاحها، على عكس ما كان الرئيس يرى. وأوضح أن هذا كان محور اختلاف الرأى بينهما، لذلك قبل استقالته.

أذكر أن الرئيس خلال هذه الزيارة حدثنى أيضاً عن المشير عبدالحكيم عامر. وسألته «ألم تكن تعلم أن المشير تزوج من برلنتى عبدالحميد؟» فأجابنى: علمت ذلك فى عام 1965 حيث إن البندارى أخبر هيكل بأن هناك شائعات قوية تفيد أن المشير متزوج منها وأنها حامل فى شهرها السادس، فطلبت المشير وحضر إلىّ وكان هناك خلاف على السلطة ومراكز القوى فى ذلك الوقت، فسألته عن حقيقة ما يتردد فقال إنه بالفعل تزوجها وإن هذه أمور شخصية يعفينى من التحدث فيها، فقلت له «وسُمْعتك يا عبدالحكيم وأولادك؟»، فقال إن هذا شأنه الخاص وإنه مستعد لتقديم استقالته إذا كنت أنا أرى أن هذا به مساس بالحكم. وكانت هناك أزمات وانقسامات فى القوات المسلحة وخوف من قيام حرب أهلية، تغاضيت عن ذلك واستمر عبدالحكيم فى منصبه. وقد كنت فعلاً أشك فى ذلك لأننى كنت أحياناً أطلبه فى التليفون فيقال لى إنه يتمشى فى الحديقة فى عز الشتاء وفى منتصف الليل، وبعد قليل يطلبنى هو فأعلم أنه لم يكن فى المنزل طبعاً ولا الحديقة.

فى إحدى ليالى رمضان كنا فى حفل إفطار أقامته إدارة المدفعية، ودعت إليه ضباط المدفعية القدامى. وكان الوزير محمد فايق وزير الإرشاد القومى فى ذلك الوقت مدعوّا معنا. ونادانى وطلب منى أن أزوره فى مكتبه صباح اليوم التالى. ولما زرته أخبرنى أنه متعب فى وزارة الإرشاد ومسئولياتها كبيرة وتحتاج لأشخاص حاسمين يعاونونه فى العمل وعرض علىّ إدارة هيئة التليفزيون وهى وظيفة أعلى من منصب وكيل وزارة ومرتبها مُجزٍ فكان ردى: «وهل السيد الرئيس والمشير موافقان على ذلك»؟، فقال لى: «اترك لى ذلك فأنا كفيل بالحصول على التصديق المناسب».

«هيكل» أخبر «ناصر» بزواج «عامر» من برلنتى عبدالحميد.. والمشير قال للرئيس: «هذه أمور شخصية».. ومستعد لتقديم استقالتى

عندما عدت إلى منزلى، ظللت مشغولاً بالتفكير فى الأمر. كيف أترك وظيفتى العسكرية وأنتقل إلى العمل المدنى بعد هذه السنوات الطويلة التى قضيتها فى الخدمة، وكيف أضحى بالخبرة والعلم والفِرَق والدروس والقيادات، وأكثر ما كان يؤلمنى هو السؤال الصعب: هل بهذه السهولة يُستغنى عنى؟ وتذكرت ما حدث عندما صدر قرار فى السابق بتعيينى سفيراً لمصر لدى الكونغو، وقتها طلبنى المشير وقال لى: «نحن نعانى نقصاً فى الرجال وسوف تتولى قيادة فرقة». وكان ردى عليه «أنا مجند لخدمة القوات المسلحة»، وبالفعل تم إلغاء تعيينى سفيراً بالخارجية. وبعد تفكير طويل، قررت رفض العرض الذى نقله لى محمد فايق، وعرضت الموضوع على الفريق أول عبدالمحسن مرتجى الذى كان وقتها قائداً للقوات البرية، وكنت أعمل معه رئيساً لأركان القوات البرية. وكان على موعد مع المشير فقلت له: «بلِّغ السيد المشير بأننى لا أرغب فى تولى منصب التليفزيون». وعلمت بعد ذلك أنه أبلغ المشير بالفعل. وكان رد المشير ثميناً بالنسبة لى؛ حيث قال: «لا نترك الضباط الأكفاء إلا إذا كانوا هم يرغبون فى ذلك».

انتهى الموضوع على ذلك ومر شهران. وفى أحد أيام شهر يناير 1967 فوجئت باتصال من عبدالمحسن أبوالنور، وزير الزراعة، وأبلغنى أنه يرغب فى رؤيتى فى صباح اليوم التالى فى مكتبه بالوزارة، فتوجهت إليه وكانت دهشتى عظيمة إذ فوجئت به يعرض علىَّ منصباً كبيراً هو «رئيس مؤسسة تعمير الصحارى» براتب مرتفع يصل إلى 4000 جنيه سنويّا، ويعد هذا الرقم راتباً ضخماً بين موظفى الدولة فى ذلك الوقت. ودار بيننا حديث قصير بدأه بالقول: لقد اخترتك من بين ضباط القوات المسلحة للعمل معى فى قطاع الزراعة كرئيس لمؤسسة تعمير الصحارى.

وكان ردى: «أنا لا أملك فى نفسى شيئاً لأننى رجل عسكرى وأنفذ الأوامر.. وعموماً دعنى أفكر فى الموضوع».

لم يمض على هذا العرض أكثر من أسبوع، حتى فوجئت بأن شمس بدران يطلبنى، وكان وزير الحربية فى ذلك الوقت. وقال لى: «هل أبلغك عبدالمحسن أبوالنور بالمنصب الجديد؟ وما رأيك فى الأمر.. المشير يريد معرفة ردك». فقلت له: «لو إنت مكانى يا شمس وعرض عليك هذا العرض هل تقبل؟»، فقال لى «بدون تردد أقبل فأنا سأنفذ ما يأمر به الريس أو المشير».

وانصرفت وقابلنى فى الخارج اللواء عبدالحليم عبدالعال، وقصصت عليه ما دار فى مقابلتى مع شمس بدران، فكان تعليقه صريحاً دون مواربة حيث قال لى: «يبدو أنك غير مرغوب فى وجودك فى القوات المسلحة». فاجأنى كلامه، خاصة أننى لا أعرف سبب ما يحدث، ولا أعرف لماذا أصبح صناع القرار لا يرغبون فى أن أكون قائداً بالقوات المسلحة. لم يخطر على بالى أى تفسير، فأنا ضابط معلم وكنت أول دفعتى فى كلية أركان حرب، وفى الأكاديمية شغلت مناصب قيادية وكنت ناجحاً فى كل منها، والأهم من ذلك أن المشير نفسه فى عام 1960 لم يقبل أن أعمل سفيراً، فما هو التغيير الذى طرأ؟

مر أسبوع آخر على هذه المقابلة، واستدعانى المشير عامر إلى منزله بالجيزة فى الساعة الثانية عشرة ظهراً، وقابلنى فى غرفة مكتبه، وقال لى: «أنا مسئول عن قطاع الزراعة وتحملت هذه المسئولية ولى رغبة فى أن نتعاون فى ذلك فما رأيك؟»، فقلت له: «لن أبدى رأياً مهما طال الحديث بيننا بمعنى أننى لن أجيب بنعم أو لا فأنا مجند وأنت أدرى بقدرتى فى أى الميادين أصلح».

لم يتوقف المشير عن محاولة إقناعى، وقال لى إنه سيمنحنى 4000 جنيه سنويّا وسيعطينى رتبة «الفريق»، فقلت له باستياء: «أنا مدين بحوالى 1500 جنيه لبنك الائتمان وفى حاجة شديدة لهذه المهيّة، ولكن المادة لا تمثل الأولوية فى حياتى»، فعرض علىَّ مشكوراً أن يسدد الدين نيابة عنى، لكننى شكرته وصممت وأقسمت على ألا يقوم بذلك، فاقترح علىَّ أن يقرضنى المبلغ من ماله الخاص، لكننى رفضت ذلك أيضاً، فقال: «سأقرضك من مال الدولة وتسدده وقتما تشاء»، ومجدداً رفضت العرض.

الخلاصة أننى فهمت من حديثه معى أن موضوع تعيينى فى المؤسسة محسوم، وقبل خروجى قلت له: «هل اطلعت سيادتكم على نتيجة الدراسة فى الأكاديمية؟»، فأجابنى «لا» فقلت له: «لقد كنت الأول فى الترتيب بعد دراسة سنة ونصف السنة فى العلوم العسكرية»، وتركته وخرجت.

فى اليوم التالى، فوجئت بأن جريدة الأهرام نشرت خبراً عن أن المشير قابلنى فى منزله، وأدركت على الفور أن هذا تمهيد للتعيين وإعلان الأمر على الرأى العام، حيث كانت التعيينات فى المؤسسات والشركات تصدر يوميّا فى الجرائد. وبعد أقل من شهر على هذه المقابلة وتحديداً فى 20 مايو، فوجئت بالهيئة العامة للقوات المسلحة تعلن قرار تعيينى رئيس أركان الجبهة مع الفريق أول عبدالمحسن مرتجى.

بنيت الجيش حتى استعاد قوته من جديد.. و«عبدالناصر» كان دائم الاتصال بى.. وكنت مرشحاً لمنصب الوزير ففوجئ الجميع بإحالتى للمعاش

لم أعرف الحقيقة إلا بعد أكثر من عام ونصف العام، ففى نوفمبر 67 حين كنت قائداً للجبهة قام الرئيس جمال عبدالناصر بزيارته الأولى للجبهة، بعد النكسة، وقال لى باسماً: «هل تفهم فى الزراعة؟»، فقلت له: «أبداً.. ولا حتى أعرف البرسيم من الذرة، ولم أكن مزارعاً ولا فلاحاً فى يوم من الأيام»، فقال الرئيس: «أمّال ليه كانوا عايزين يعينوك فى مؤسسة تعمير الصحارى.. وحياتك قرار تعيينك لسه عندى فى الدرج لغاية دلوقتى».

وشرح لى الرئيس الخلافات السابقة التى كانت بينه وبين المشير عبدالحكيم عامر، وهنا بدأت أعيد ترتيب الأحداث، وعلمت أن شمس بدران أدرك متأخراً العلاقة القوية بينى وبين الرئيس، والأكيد أنه كان يرى خطراً من تصعيدى خاصة أننى فى منصب كبير ولدىَّ من المؤهلات ما يجعل إبعادى عن القوات المسلحة أمراً مستحيلاً، إلا بإغرائى من خلال تعيينى فى منصب مدنى كبير، من هنا كانت المحاولات المتتالية. بصرف النظر عن هذه المؤامرات، كنت مشغولا منذ عودتى للخدمة فيما أطلقنا عليه «حرب الاستنزاف» التى لم تتوقف يوما. وفى يوليو 1969، بدأ العدو فى استخدام قواته الجوية بشراسة فى منطقة بورفؤاد ورأس الوزة «الشريط الممتد من القنطرة حتى بورسعيد»، وهى شريط عرضه لا يزيد على 800 متر، وطوله 30 كيلومتراً، ويقع الطريق على الشاطئ الشرقى لقناة السويس ثم طريق القناع ثم الترعة الحلوة ثم السكة الحديد، أى أنها منطقة مكدسة تحدها المياه شرقاً وغرباً خصوصاً فى فصل الشتاء.

توجهت إلى غرفة عمليات الدفاع الجوى، وكان على يمينى قائد الدفاع الجوى وعلى يسارى قائد القوات الجوية، وكانت قاذفات العدو المقاتلة وعدد كبير من المقاتلات على ارتفاعات مختلفة، فقررت إدخال طائراتنا لإذاقة العدو قسوة حرب الطيران، ووقتها لم نكن نجرؤ على هذه الخطوة؛ نظراً لحالة قواتنا الجوية وعدم استعدادها الكامل، فأصدرت الأوامر بتجهيز أهداف للقاذفات المقاتلة «سوخوى» على شاطئ القناة، وكانت محطات الرادار من ضمن تلك الأهداف. وقررت الضرب قبل الغروب مباشرة حتى إذا ما أراد العدو التدخل يكون الليل قد خيم على الجبهة ليفسد عليه محاولة الرد.

وبالفعل، وجهت قواتنا الجوية ضربات للعدو بحوالى 16 قاذفة مقاتلة فى تمام الساعة السادسة وقت الغروب. وعادت قواتنا سالمة عدا طائرة أصيبت فى أثناء عودتها. وكانت المفاجأة كاملة للعدو وكبدته خسائر جسيمة، وأذاعت وكالات الأنباء خبر تدخل قواتنا الجوية فى المعركة، وهللت له، حتى إننى فى اليوم التالى فوجئت بصورة للفريق فوزى ومعه قائدا القوات الجوية والدفاع الجوى، يتلقون التهنئة من الرئيس عبدالناصر على الشجاعة والخبرة والقدرة، وكأننى لم يكن لى أى دور فى تلك الضربات.

وبهذه المناسبة، يجب أن أشير إلى أننى حينما عرضت على الوزير اقتراح توجيه هذه الضربات، طلب منى أن أنتظر، ثم استأذن القيادة، وعاد ليعطينى التصديق وقال لى: «على مسئوليتك»، فقلت له: «نعم على مسئوليتى»، ونفذنا الضربات ووفقنا الله فيها، ومن يومها أصبح العدو يعمل لقواتنا الجوية ألف حساب.

ومن أبرز محطات حرب الاستنزاف، معركة الجزيرة الخضراء، وهى جزيرة صخرية صغيرة مساحتها 1 كيلومتر فى نصف كيلومتر تقريباً، أرضها صخرية تتوسط خليج السويس فيما بين بورتوفيق ورأس المسلة، وتبعد حوالى 3 كيلومترات عن الساحل الغربى و4 كيلومترات عن الساحل الشرقى، وهى جزيرة منعزلة تتحكم فى مدخل قناة السويس من الجن

ON Sport