أخبار عاجلة

تداعيات اتفاق الرياض وطهران.. حرب اليمن اختبار حقيقي للنوايا الإيرانية

تداعيات اتفاق الرياض وطهران.. حرب اليمن اختبار حقيقي للنوايا الإيرانية تداعيات اتفاق الرياض وطهران.. حرب اليمن اختبار حقيقي للنوايا الإيرانية
توالت ردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية المرحبة بالاتفاق السعودي الإيراني التاريخي، الذي أعلنت الدولتان، واستئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ 2016، بعد مفاوضات قادتها الصين، ولكن ماذا عن التداعيات المحتملة لتوقيع هذا الاتفاق؟ وهل تنجح إيران في الوصول بهذا الاتفاق إلى بر الأمان، خصوصًا أن تشعر بجدية طهران في عودة العلاقات بين البلدين بشكل أفضل. وهل ستكون الحرب في اليمن اختبارا حقيقيا لإظهار حقيقة النوايا الإيرانية؟

ووفقًا لتقرير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية «رصانة» تحت عنوان «الاتفاقية السعودية الإيرانية وعودة العلاقات الدبلوماسية»، فإن التداعيات المحتملة لتوقيع هذا الاتفاق تتضمن ما يلي:

التداعيات على الصراع في الملفات الإقليمية

تعتبر القضايا الإقليمية محل الخلاف والنزاع بين السعودية وإيران الاختبار الحقيقي للاتفاق، وقدرة الضامن الصيني على تجسيده، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى ما يلي:

أ- الحرب في اليمن

تمثل الأزمة اليمنية أهم اختبار للنوايا الإيرانية، ومدى التزامها بتجسيد الاتفاق؛ ففي ظل تعقيدات المشهد اليمني بسبب الدور الإيراني الذي كان حجر عثرة في مسار العملية السياسية اليمنية من خلال تبنيه المواقف والاشتراطات الحوثية، التي تهدف لتكريس سلطة جماعة الحوثي ذات البعد الطائفي في شمال اليمن، بالإضافة إلى تهميش الشرعية المعترف بها دوليًا ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل جميع المكونات اليمنية، ومن المرجح أن يشهد الملف اليمني تحولا كبيرًا بعد الاتفاق السعودي- الإيراني، حيث إن الاتفاق يعتبر بمثابة عامل معزز لجهود السلام الدولية والإقليمية ومبادرات السلام التي توصلت إلى تهدئة على المستوى العسكري ابتداء من شهر أبريل من العام الماضي.

لذلك من المفترض أن تنخرط جماعة الحوثي بشكل جاد في مباحثات السلام مع مجلس القيادة الرئاسي، الأمر الذي سيؤدي إلى رسم ملامح جديدة في مسار التسوية السياسية في اليمن، إذ أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات بين إيران والسعودية سيسهم في بداية الحوار اليمني، وتشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن على وجه التحديد.

ب- الأزمة الرئاسية اللبنانية

أمام تأزم الأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تشهدها الساحة اللبنانية، من المرجح أن ينعكس الاتفاق السعودي- الإيراني إيجابيًا على الحالة اللبنانية، فقد يقلل الاتفاق من حدة النزاع الطائفي في لبنان الأمر الذي يمكن أن يسهم في كسر الجمود السياسي وتسريع وتيرة الاتفاق على مرشح رئاسي في الفترة القادمة، ما سينعكس على المستوى الاقتصادي، حيث يؤدي تحسن الوضع السياسي إلى فتح آفاق اقتصادية جديدة في عدة قطاعات أبرزها السياحة العربية وزيادة حجم الاستثمارات والدعم، لا سيما من قبل السعودية ودول الخليج؛ لذلك من المرجح أن يكون للاتفاق السعودي- الإيراني أثر كبير في استقرار لبنان على المستويين السياسي والاقتصادي في حال نجاح الاتفاق وبناء الثقة.

ج- الأوضاع في الساحة السورية

يأتي اتفاق الرياض وطهران في ظل وصول الأوضاع الداخلية في سوريا إلى حالة من الجمود بعد استعادة النظام السياسي السيطرة على أجزاء كبيرة من البلاد، يقابله انفتاح عربي وإقليمي نسبي على نظام الأسد، وفي ظل هذه المعطيات من المرجح أن يسهم الاتفاق في تسهيل عودة سوريا بشكل تدريجي لمحيطها العربي.

تأثير الاتفاق على الملف النووي الإيراني

يخضع الملف النووي الإيراني لأبعاد متداخلة، تبدأ من المسائل التقنية وتنتهي بالدور الإيراني في الحرب الروسية على أوكرانيا، مرورًا بسياساتها الإقليمية، هذا الأخير -أي الدور الإقليمي الإيراني- يتقاطع مع الاتفاق بين السعودية وإيران، ومن هذا المنطلق فإن توصل الطرفين السعودي والإيراني لتسويات في القضايا الصراعية بينهما يتيح المجال لتجاوز بعض العقبات الجزئية في الملف النووي، ومن ناحية ثانية فإن الاتفاق السعودي-الإيراني يحد من احتمالات الضربة العسكرية التي تهدد إسرائيل بتوجيهها للبرنامج النووي الإيراني، ومن ناحية ثالثة فإن أي نجاح يحرزه هذا الاتفاق سيسهم في بناء الثقة بين إيران والدول الغربية، ويعكس جديتها في التوصل لاتفاق وتجسيد بنوده على أرض الواقع.

التنافس الصيني- الأمريكي في الشرق الأوسط

يمثل الاتفاق نجاحًا كبيرًا للدبلوماسية الصينية، ويؤرخ لمرحلة جديدة من دورها في النظام الدولي، وذلك نظرا لأهمية الصراع السعودي- الإيراني على مستوى الشرق الأوسط، خصوصًا وعالميًا عمومًا، حيث أثبتت الصين بهذا النجاح قدرتها على ملئ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، وبات من الصعب عليها استعادة الدور الذي كانت تمارسه طيلة العقود السابقة، ويمكن أن يكون لهذا الحدث ارتدادات داخليًا خاصة مع قرب الانتخابات، وعلى الصعيد الاقتصادي يسهل الاتفاق تجسيد مشروع «الحزام والطريق»، الذي يسهم فيه البلدان بشكل كبير جدًا، وستضمن الصين استمرار تدفق الطاقة إليها من السعودية وإيران.

المكاسب والفرص المحتملة لتوقيع الاتفاق

تصبو المملكة العربية السعودية وإيران لتحقيق جملة من المكاسب في كل المجالات على الصعيدين الداخلي والخارجي من أهمها:

1. المكاسب والفرص الجوهرية للسعودية

تبرز أهمية تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي بالنسبة للمملكة، التي أكدت بشكل مستمر على أولوية تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، إضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق مع إيران قد يخفف من اندفاعة السلوك الإيراني الإقليمي، ويبعد سيناريو المواجهة المباشرة مع السعودية، كما يؤكد التحول الذي باشرته المملكة على مستوى السياسة الخارجية والمتمثل في لعب أدوار مؤثرة لأجل تسوية بعض الصراعات الإقليمية والدولية المؤثرة على الاقتصاد والأمن العالميين كالأزمة الروسية- الأوكرانية.

2. بالنسبة لإيران

تأتي الأبعاد الداخلية في مقدمة الحسابات الإيرانية، نظرًا للأزمة التي تواجهها بفعل الحركات الاحتجاجية الناجمة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة عليها، وعلاقاتها المتأزمة مع دول الجوار، والتي تحول دون تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، في السياق الداخلي أيضا تسوق الحكومة الإيرانية الاتفاق على أنه نجاح لرئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، وتصوره القاضي بالتوجه شرقًا وتحسين العلاقات مع دول الجوار، وإن كان الإصلاحيون من ناحية أخرى يحاججون بأن خياراتهم هي الأفضل وعلى المحافظين العودة إليها، فضلا عن الإسهام في إنهاء حالة العزلة الإقليمية.

3. المكاسب المشتركة

إمكانية تعظيم المصالح الاقتصادية المتبادلة، على الرغم من محدودية التبادل التجاري بين البلدين نظرًا لتشابه هياكل التصدير والاستيراد، إلا أن عودة العلاقات بين البلدين قد تفيد في استفادتهما من فرص تجارية وتطورات إيجابية تشكلت خلال السنوات السبع الماضية، فالجانب السعودي يمتلك الكثير من المنتجات الخدمية الحصرية فضلا عن السياحة الترفيهية المتزايدة بالسنوات الأخيرة، وفي حال استعادة حركة الطيران المباشر بين البلدين ستتعاظم إيرادات السياحة، كما بذلت السعودية خطوات غير مسبوقة في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية في مجالات التصنيع والتكنولوجيا وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030؛ لتنويع مصادر الدخل، ما يزيد فرص الإنتاج الصناعي غير النفطي ويجعله خيارًا محتملا للتبادلات الخارجية مع إيران، خاصة وأنها تستورد المنتجات الصناعية التكنولوجية بكثافة.

أما إيران فتمتلك منتجات تقليدية لها مكانة كالزعفران والمكسرات والكافيار والسجاد ومنتجات زراعية متنوعة، بجانب امتلاك رأسمال صناعي في بعض المجالات كالتصنيع الغذائي والميكانيكي والهندسي وقطع الغيار، وما شابه يتم تصديرها لبعض دول الجوار، كما أن تراجع قيمة عملتها المحلية يقلل من سعر منتجاتها بالأسواق الخارجية، وتمتلك إيران مقومات سياحية تجذب السائحين من دول الخليج إليها.

وفي مجالات التعاون الاقتصادي الأخرى بينهما، تعد السعودية وإيران معًا من أكبر منتجي النفط داخل منظمة أوبك، وقد يزيد التعاون والتنسيق بينهما حول حجم الإنتاج والصادرات، وتقل فرص الخلافات في حال عودة العلاقات لطبيعتها الكاملة، كما تحتاج إيران لاستثمارات ضخمة في قطاعات نفطية وغير نفطية قد تكون محلا للتعاون بين البلدين إذا ما رفعت العقوبات الأمريكية عن إيران.

وعلى الجانب الجيو-اقتصادي فالسعودية وإيران معًا محاور أساسية لطريق الحرير الصيني الواصل إلى أوروبا، وتسعى الصين لتأمينه وتقليل الخلافات بين الدول الواقعة عليه، حتى تقلل تكاليف المرور وتتعاظم مكاسب كل الأطراف.

تقليل حدة الخطاب الإيراني الثوري

ربما أراد النظام الإيراني ولأسباب وضغوط سياسية واقتصادية بحتة، تغليب السياسي على الديني، وربما ارتأى أن الأزمات الأخيرة التي مر بها في الداخل منذ مقتل مهسا أميني وما قبلها وما بعدها، كاحتجاجات أهل السنة والأكراد بكثافة في مناطقهم، ربما رأى أن الاتفاق مع السعودية سيقضي أو يقلل من تلك الأزمات الداخلية، لا سيما مع «الإصلاحيين»، الذين يدعون النظام إلى الحوار والانفتاح، من جانب، أو مع الأكراد وأهل السنة من جانب آخر، كذلك فمن المتوقع جراء هذا الاتفاق، أن تقل أو تتلاشى حدة الخطاب الأيديولوجي، بما يعود على المنطقة بأسرها بالأمن والاستقرار.

وجود مسار وقناة دبلوماسية للتفاهم

يوفر وجود علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى قناة للحوار المباشر، يمكن أن تكون حافزًا لتوسيع التفاهمات واحتواء الخلافات، وإيجاد طرق لمعالجة المشكلات، ولا سيما أن البلدين بحاجة إلى التهدئة، المملكة بحاجة إلى توفير البيئة المواتية لرؤيتها الجديدة، كما أنها بصدد تهيئة البيئة الإقليمية أمام مشروعها الطموح في الشرق الأوسط والدور الريادي على الصعيد الدولي، وإيران بحاجة للتهدئة من أجل تخفيف الضغوط على النظام في الداخل في ظل أزمة شرعية غير مسبوقة، فضلا عن إنهاء عزلتها الإقليمية.

نجاح الشريك الصيني وكسب ثقته

إن الاتفاق يجد دعمًا قويًا من جانب الصين التي لديها رغبة في الانخراط في الشرق الأوسط، وهو دور ينسجم مع توجهات الصين الدبلوماسية على الساحة الدولية في إطار مساعيها لمراجعة الهيمنة الأمريكية، بما في ذلك مبادرتها للأمن العالمي، ومقترحها لتسوية الصراع الروسي- الأوكراني، وذلك ضمن تغيير نهجها الخارجي ورغبتها في موازنة الحضور الأمريكي في مختلف الساحات بما في ذلك الشرق الأوسط. كما أن هناك مصلحة صينية اقتصادية وأمنية؛ لأن الاتفاق يوفر للصين نفوذًا يساعدها في تحقيق مشروع الحزام والطريق، الذي يمر عبر البلدين نحو أفريقيا والعالم، فضلا عن تدفق المصالح بما فيها تدفق الطاقة بوصف المملكة وإيران من كبار موردي الطاقة للصين، وبالتالي يضمن الاتفاق استقرارًا إقليميًا، وينهي خلافًا بين شريكين مهمين للصين؛ الأمر الذي يخدم هذه التطلعات، ولا شك أن الاتفاق بعد جولات العراق وعمان كان بحاجة إلى قوى كبرى كالصين حتى يرى النور، فهي طرف مقبول من الجانبين.

تحديات الاتفاق السعودي- الإيراني

يمثل الاتفاق السعودي- الإيراني تحولا مهمًا وجوهريًا قد تكون له تداعياته على المنطقة بأسرها حال نجاحه، وكما أن هناك تحديات قد تحد من فاعلية هذا الاتفاق فثمة مصالح تعزز من فرص نجاحه، فيما يخص أبرز التحديات فيمكن الإشارة إلى ما يأتي:

- القيود الأيديولوجية أهمها الدستور الإيراني نفسه الذي يعزز الأيديولوجيا الولائية، كتصدير الثورة والتمدد خارج الحدود، وتأسيس حكومة عالمية، وبالتالي فإن الاتفاق قابل للاستمرار إذا غيرت النخبة الدينية الإيرانية أفكارها ورؤيتها وأولويتها، حتى ولو لم تغير الدستور.

- على الجانب السعودي لا يوجد أي معوقات أيديولوجية، فالسعودية الجديدة ترحب بالحوار، وتؤمن بالعيش المشترك، وتستظل بمظلة القانون والدبلوماسية والأعراف الدولية، وأخلاق الجوار، ولا تفرق بين الناس

والدول على أساس الديانات أو المذاهب.

- لا يزال ملف إيران النووي أحد مجالات التنافس، وهو ملف محاط بغموض شديد من جانب إيران، وفي حال استغلت إيران التهدئة مع المملكة من أجل مواصلة مساعيها لتخطي العتبة النووية أو الاقتراب منها استعدادًا لامتلاك سلاح نووي، فإن ذلك سوف يقوض الفرص العملية المتضمنة في الاتفاق بين إيران والمملكة.

وفي الختام فإن هذا الاتفاق سيكون له تأثير إيجابي على المنطقة برمتها، لكن تنفيذه يتطلب المزيد من الخطوات اللازمة، لاسيما فيما يتعلق بإجراءات بناء الثقة، والقيام بخطوات عملية للحلحة القضايا الخلافية بين البلدين، كما أن الالتزام ببنود الاتفاق، خاصة الجزء المتعلق باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، سيمثل نقطة محورية في إنجاح الاتفاق، وإحراز تقدم ملموس في العلاقة بين البلدين؛ لأن جوهر الصراع بين البلدين يعود إلى المشروع التوسعي والتدخلات الإيرانية في الدول العربية.


الوطن السعودية