ذاكرة الكتب.. طلعت حرب يهاجم قاسم أمين بسبب «تحرير المرأة»

ذاكرة الكتب.. طلعت حرب يهاجم قاسم أمين بسبب «تحرير المرأة» ذاكرة الكتب.. طلعت حرب يهاجم قاسم أمين بسبب «تحرير المرأة»

يعيش العالم هذه الأيام الاحتفال باليوم العالمى للمرأة، عرفانا بقدرها ودورها فى المجتمع، وإذا ذكرت المرأة ذكر كتاب قاسم أمين «1863- 1908م» «تحرير المرأة » الذى صدر عام 1899 وهو أول كتاب أثار زوبعة أو معركة فكرية واجتماعية فى الثقافة والمجتمع العربيين الحديثين حول المرأة، حيث تحدّث قاسم أمين عن تربية المرأة، فبيَّن أن المرأة والرجل سواء فى كل ما تقتضيه حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان، وإن فاقها الرجل فى القوة البدنية والعقلية فذلك راجع لاشتغاله بالعمل والفكر أجيالا طويلة فى الوقت التى كانت فيه محرومة من ذلك، وكذا اعتقاد الناس أن دورها منحصر فى إدارة منزلها فقط.

ويضيف «أمين» أن جهل المرأة وإهمال تربيتها هو السبب الوحيد الذى يمنعها من الاشتغال مثل شقيقتها الغربية بل هو السبب نفسه الذى حرم الأمة من الانتفاع بأعمال نصف عدد هذه الأمة (لأن النساء يقدرن بنصف السكان)، وهو السبب الذى جعلها عبئا على غيرها، ومنع من السير على قواعد الاقتصاد وسبّب اختلالا جسيما فى مالية العائلات، هذا بالنسبة للوظيفة الاجتماعية، أما بالنسبة للوظيفة العائلية فقد تساوت المرأة المصرية فى الجهل بين الميسورات والريفيات بل كلما ارتفعت المرأة مرتبة فى اليسر زاد جهلها، وقد دفع بها جهلها إلى حدوث شقاق بينها وبين زوجها فأصبحت تبغض زوجها كلما رأته يطالع الكتب ولَعَنت العلوم التى سلبته منها، وهنا يحتار الزوج إن أراد الجمع بين هذين العدوين: الزوجة والعلم، حيث يهون على المصرى الجمع بين زوجتين فى حين ما سُمِع قَطّ أن امرأة مصرية رضيت بمباشرة العلم، فالمرأة تحتاج إلى معارف كثيرة لإدارة منزلها وتربية أبنائها جسما وعقلا وأدبا، وبقاؤها فى الجهل يجعلها تتصرف كالطفل تماما حيث إذا أرادت شيئا ومُنعت من الوصول إليه استعملت لذلك الكذب والمكر نظرا لقلة معارفها، وهو ما دفع الرجال إلى فقدان الثقة فيها واعتقادهم بأن النساء من أعوان إبليس. وقد رسخ فى أذهان الرجال أن المرأة لو تعلّمت لم يزدها ذلك إلا براعة فى الاحتيال والخدع.

وبسبب هذا الكتاب، تفجرت خصومة لم تكن متوقعة حينها بين قاسم أمين ورجل الاقتصاد الكبير طلعت حرب بعد صدور الكتاب، حيث رد عليه طلعت حرب بكتاب «تربية المرأة والحجاب»، جاء فيه أن الناس يرفضون أفكار قاسم أمين، لأن رفع الحجاب والاختلاط أمنية تتمناها أوروبا منذ قديم الأزل لهزيمة من خلال تحرر نسائها، وتابع طلعت حرب فى كتابه قائلا: «أسمينا الكتاب تربية المرأة والحجاب، وهو اسم كنا نتمنى أن يجعله حضرة قاسم بك أمين عنوانا لكتابه فإنه أليق من اسم تحرير المرأة»، وساند «حرب» فى خصومته لقاسم، الزعيم مصطفى كامل، حيث أثنى عليه فى مقال له بجريدة اللواء عام 1900.

ولم تكن خصومة طلعت حرب الفكرية مع قاسم أمين على قضية التحرير الأدبى للنساء وإنما كانت تتمركز حول مخاطر هذه الطفرة الطارئة التى لا مبرر لها فى حياة النساء وما وراء هذه الطفرة من شر قد يستغله الدخلاء لتحقيق مصالح مادية ومعنوية، خاصة أنه يعتبر أن قاسم أمين قد انطلق فى قضية تحرير المرأة من المرجعية الغربية التى تسعى للنيل من الهوية الإسلامية.

بالرغم من موقف طلعت حرب من دعوات قاسم أمين وكتاباته، إلا أن نقطة الخلاف كانت فى فكرة السفور الذى كان يعتبره البعض عائقاً لحرية المرأة وطالب بإزالته، فكان طلعت حرب يعتبر أن القضية الرئيسية لا تتعلق بحجاب المرأة إنما فى تعليمها، والتى أشار إليها فى كتاب «تربية المرأة والحجاب»، وبالرغم من أفكار طلعت حرب التى اعتبرها البعض نوعاً من الرجعية إلا أن البعض وصفها بأنها تميل إلى الاعتدال.

ولم يعترض على كتاب قاسم أمين طلعت حرب فقط، فقد قامت مجموعة من الكتّاب بالردّ عليه عن طريق الكتب التالية:

1- أنيس الجليس فى التحذير مما فى تحرير المرأة من التلبيس - 1899 لمحمد حسنين البولاقى.

2- فصل الخطاب أو تفليس إبليس من تحرير المرأة ورفع الحجاب - 1900 لمختار بن مؤيد باشا العظمى.

3- السبب اليقين المانع لاتحاد المسلمين «رواية - 1902» لمحمد كاظم ميلانى.

4- تربية المرأة والحجاب - 1905 طلعت حرب.

فما سبب شدة ووفرة هذه الكمية من الردود فى ثقافة لم تكن قد تعودت بعد - فى العصر الحديث - على مناقشات الكتب، والرد عليها؟!.

ربما كان السبب أن مسألة المرأة - وهى ترتبط فى الذهن العربى- عموماً - بالجنس والملكية الخاصة، وبما تحيل إليه من «قضايا»: العرض، الشرف، الملكية - كانت، ولاتزال، حساسة فى المجتمعات العربية والإسلامية، وقد فوجئ المجتمع آنذاك بالدعوة الجديدة لتحرير المرأة، وهى دعوة كانت مفاجئة بعض الشىء إذ لم يسبقها إلا دعوة رفاعة الطهطاوى «1801-1873» لتعليم البنات، «العمل يصون المرأة عما لا يليق ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة فى حق الرجال، فهى مذمة عظيمة فى حق النساء»، ومناظرة طريفة نشرت فى مجلة «المقتطف» عندما كتبت أول امرأة عربية فى العصر الحديث مقالة فى مجلة، فرد بعضهم بأن كاتب المقالة رجل ينشر باسم امرأة «المقتطف - 1881».

على كل حال، تزامن كتاب «تحرير المرأة» مع محاولة مدرسة الإصلاح التى بدأها الشيخ محمد عبده «1849-1905»، تطويع الدين الإسلامى وملاءمته مع حاجات الحياة (العصرية) فى مجتمع نهضوى جديد قيد التكوين، فقاسم أمين كان يرى أن مفتاح الإصلاح والنهوض بحاجات المجتمع العربى والإسلامى هو إصلاح حال المرأة، وربما لهذا السبب اتهم بعضهم الشيخ محمد عبده بأن له «ضلعاً» فى كتابة هذا الكتاب. الكتاب على كل حال، كان المقدمة الأولى لكتابين تاليين كبيرى الأهمية «الإسلام وأصول الحكم -1925» للشيخ على عبدالرازق «1888 -1966»، وكتاب «فى الشعر الجاهلى - 1926» لطه حسين «1889 -1973»، فإذا كان مضمون كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين يلامس بُعْد التحرر الاجتماعى، فإن كتاب «الإسلام وأصول الحكم» يلامس بُعْد التحرر الفقهى والسياسى، مثلما يلامس كتاب «فى الشعر الجاهلى»، بُعْد التحرر الفكرى والعقائدى والأدبى وهذه أسس التحرر كما هو معروف.

من هذا نرى أن مطالب كتاب «تحرير المرأة» كانت متواضعة بمقاييس الزمن الذى أتى فيما بعد، لكن هذه المطالب المتواضعة كانت كافية لإثارة أول «معركة» فكرية اجتماعية فى ثقافتنا ومجتمعنا العربيين الحديثين.

المصرى اليوم