أخبار عاجلة

أرض الأحلام .. «قصة قصيرة» لــ مناف كاظم محسن

أرض الأحلام .. «قصة قصيرة» لــ مناف كاظم محسن أرض الأحلام .. «قصة قصيرة» لــ مناف كاظم محسن

كل شىء فى هذه الأرض المغسولة باللّون الأخضر يثير الدهشة والتساؤل. تأخذنى خطواتى البطيئة للأمام، متوغلًا بين ظلال الأشجار المتشابكة الأغصان. نسيم عليل يداعب وجهى، يأخذنى ببرودته الندية نحو الطيور المهاجرة. لكننى رغم ذلك أحسست بنور من السماء يخترق جسدى، جلب السلام لذهنى المشوش برؤًى غريبةٍ جدًا، تشبه الذكريات التى أتلفها النسيان. فلا أنا الساقى الذى يسقى ربّهُ خمرًا. ولا أنا حامل طبقَ الخبز فوق رأسى والطير تأكل منه. لكنّه ترك قلبى مثقلًا بالهموم ومتألمًا، يتوق إلى حب قديم ما، أجهله الآن وأشعر بالغربة منه، ربما تتذكره نفسى المتعبة. الْتَفِتُ للخلف الذى يزداد بعدًا عنى كلّما تَرَكَتْ أقدامى ثقلها فوقَ الأعشاب المبتلّة بندى الأزهار الملونة، فأتذكر أننى فقدتُ شيئًا مهمًا جدًا، ويجب أن أعود إلى المنزل قبل أن تأخذنى أجنحة الفراشات الملونة بعمق الغابة أكثر، فأنسى أمّى التى تنتظرنى هناك مع أخى الذى خرج فجر ذلك اليوم البارد لعمله فى السوق، ولم يعد بعد أن مزقت جسده شظايا الانفجار الّلعين، فى ساحة السوق، فركضت أمّى مفزوعة واحتضنته باكية عندما عثرت عليه بين الجثث المهشمة، كى تحميه من لهبة الانفجار الثانى.

رسم قصة قصيرة

رأيتها تمسك بيد أخى وتلوح لى من بعيد بيدها الأخرى، فرحة بحضورى إليهما تاركًا جحيم الدنيا، صاعدا لنعيم الآخرة، بعد كلّ هذا الفراق الذى دام أيّامًا وليالى من الحزن والبكاء. كان وجهها مشعا كأن عمرها قد رجع سنين للخلف، كانا أمام كوخ جميل تحيط به أشجار التين والزيتون، والأزهار الملونة منتشرة حولهما. يجرى من حولهما نهر ماء صافٍ كأنه زلال، وفوق النهر قنطرة من جذوع النخل، عندما أعبرها أصل إليهما. أخيرًا سوف يُدفئنى حضن أمّى، ويغمرنى شوق أخى، فنحيا معًا للأبد، لا يفرقنا انفجار آخر. رَكضتُ مسرعًا إليهم رغم الدموع المنهمرة التى تشتت الرؤيا أمامى وتجعلنى أراهم كالضباب. وقبل أن أمدّ يدى كى أعانقهم بلهفة، انزلقتُ فى وادٍ عميق مظلم تملؤه الخفافيش والأشواك المؤلمة. ارتفع صراخى عاليا فى أعماق الوادى السحيق.

فتحت عينى فأحسست بثقل رأسى الذى تلفه الضمادات. كل شىء كان ثقيلًا. كأنى عدت من رحلة شاقة جدًا. نظرتُ حولى فرأيتُ نفسى ممددًا على سرير كبير فى ردهة المستشفى. ثم رأيت زوجتى التى أتعبها السهر وأبنائى ملتفين حولى، تغمرهم الفرحة بعودتى من العالم الآخر إليهم.

- كنت فى غيبوبة. أخيرًا عدت إلينا، يا إلهى لقد عشنا لحظات مرعبة.

لم أستطع أن أكبح حزنى لعدم بقائى هناك، حيث أمى وأخى فى أرض الأحلام ينتظراننى، ولكنى رغم ذلك حاولت أن أمسك يد زوجتى كى أحس بحرارة شوقها، فلم أرَ إلّا بعد جهد كبير جدًا أنَ ذراعى مقطوع.

المصرى اليوم