أخبار عاجلة

العلاج بالفن.. طريق الشفاء من الأمراض النفسية والعضوية

العلاج بالفن.. طريق الشفاء من الأمراض النفسية والعضوية العلاج بالفن.. طريق الشفاء من الأمراض النفسية والعضوية

يعد العلاج بالفن من أهم العلاجات التكميلية للبرامج العلاجية للمريض النفسى، لما له من تأثير فى تقدم الحالات المرضية، إلى جانب العلاج الدوائى، والجلسات النفسية، ولا يستهدف تقديم منتج فنى، أو بناء موهبة، بل يستهدف مساعدة الفرد فى الشعور الإيجابى تجاه نفسه، وتحسين التواصل مع الآخرين، وتوجد أنواع كثيرة للعلاج بالفن، منها العلاج بالفن التشكيلى، وبالسيكودراما، والحركة والرقص، والكتابة والحكى، واللعب والموسيقى.

«دكان الأمنيات».. هذا التمرين السيكودرامى، الذى استطاع من خلاله الطفل ذو السنوات العشر أن يتخطى حاجز الرهاب النفسى، الذى تسبب فيه انتشار جائحة كورونا، وصل الأمر إلى حد رفض الطفل الخروج من البيت نهائيًا، وبالتطرق إلى سبب المشكلة تم اكتشاف السبب الرئيسى، الذى يكمن فى الأسرة، نظرًا لخشية الأم من فقدان زوجها، عائل الأسرة، فيما يخشى الأب فقدان الوظيفة، فتمرين «دكان الأمنيات» عبارة عن عمل «دكان» يوضع بداخله صندوق، نترك فيه المشاكل والمخاوف والأشياء السلبية، ونشترى منه الأشياء التى نفتقدها من الأمان، الحب، وراحة البال.

العلاج بالفن

وأكدت الدكتورة رضوى صلاح، أحد أعضاء الرابطة الأفروآسيوية للمعالجين بالفن، التابعة لقطاع الثقافة والفنون بالاتحاد الإفريقى- الآسيوى، أن الأب ترك فى صندوق الأمنيات الخوف من المستقبل، والخوف من فقدان الوظيفة، واشترى راحة البال، والابن ترك صورة بكاء الأم فى الصندوق، واشترى رغبته فى الخروج مع والديه، فتحسنت الأسرة بعد هذا التمرين، واستطاع أفرادها أن يمارسوا حياتهم الطبيعية.

أضافت «رضوى» أن تمرين الكرسى يفيد فى حالات التروما، أى اضطرابات ما بعد الصدمة، فمثلًا عندما يفقد المريض شخصًا عزيزًا عليه، وتحدث له اضطرابات، فهنا يبدأ فى تخيل هذا الشخص وهو جالس على الكرسى الذى أمامه، وباستخدام الفن فى تهيئة الكرسى له، وكأن شخصًا يجلس عليه حقيقةً، مع استخدام سينوغرافيا المسرح من إضاءة، وموسيقى، ومؤثرات خارجية، يستحضر المريض الشخص، ويبدأ فى إخراج ما بداخله من مشاعر مكبوتة، ويشعر بعدها براحة شديدة، وعلى النقيض تمامًا، لا يرتاح المريض إذا عاد الشخص المفقود مرة أخرى.

العلاج بالفن

وتؤكد «رضوى» على فاعلية تمرين القناع بالنسبة للأطفال والكبار، فقدمت ورشة لأطفال مصابين بمرضى السكرى أصيبوا باضطرابات نفسية إثر إصابتهم بالمرض، وكان القناع عبارة عن «سوبر هيرو» رسمه الأطفال بأيديهم وارتدوه، وبدأوا يتحدثون عن أنهم أبطال حقيقيون، وأنهم أقوى من المرض، وسوف يتغلبون عليه، وبالتدريج يقومون بخلعه، والمواجهة بوجوههم الحقيقية، وقدم هذا العرض دعمًا نفسيًا للأطفال، وساهم فى رفع روحهم المعنوية، أما عند استخدامه مع الكبار فيختار المريض القناع الذى يريد أن يرتديه، وهو عبارة عن بعض المشاعر، مثل القلق والغضب والحماس والحيرة، ومن ثم يرتديه، ويتم العلاج بالسيكودراما فى شكل جمعى، فهنا يتحدث الغضب مع القلق، ويتحدث القلق مع الحيرة... وهكذا، وغالبًا ما يكون القلق هو بطل العرض أو الغضب.

أشارت «رضوى» إلى العناصر الأساسية فى جلسة السيكودراما، وتتكون من المريض (البطل)، والطبيب النفسى (المخرج الذى يرسم الأحداث وفقًا للأبطال المرضى)، والأنا المساعدة، وهو المعالج بالفن، والمشاهدين، وهم باقى المرضى، أو جمهور حقيقى من المتفرجين، وتبدأ الجلسة بعملية الإحماء، من خلال بعض التمارين لإذابة الجليد، على حد قولها، ثم المشاركة، ويبدأ كل مريض فى التحدث عن اسمه وسنه واهتماماته، ثم التمثيل، نهاية بالمعالجة.

وتوضح ياسمين الفلالى، رئيسة الرابطة الأفروآسيوية للمعالجين بالفن، المتخصصة فى العلاج بالفن التشكيلى، أن جسم الإنسان يقوم بحيل دفاعية تجعله ينسى ما تعرض له من أذى، لحماية نفسه من الأشياء المزعجة التى لا يريد تذكرها، أو أن يتعايش معها، وبالفعل ينسى المريض كل ما مرَّ به من ألم، لكن تصرفاته تعكس ما بداخله دون أن يشعر، فهو يتصرف دون وعى طبقًا لما تعرض له من خبرات سابقة، فمثلًا امرأة تتعامل بعنف شديد تجاه الرجال، أو تكره جسمها بشكل مبالغ فيه أو ما شابه، وهى لا تعلم سبب تصرفها، فمن خلال الاختبارات الإسقاطية للمعالج النفسى، بالرسم، يمكن معرفة سبب المشكلة، وتستطيع المريضة أن تكتشف ما حدث لها من إيذاء بدنى، جعلها تتصرف بهذا الشكل الغريب.

العلاج بالفن

على النقيض تمامًا، توجد حالات تتذكر ما حدث لها، لكنها لا تريد الإفصاح عما بداخلها لأحد، كأن تتعرض فتاة للاغتصاب من أخيها، فهى تعى تمامًا سبب مشكلتها، لكنها لا تريد أن تتكلم، فمن خلال اختبارات رسم الأسرة، من جانب المريض، تبدأ الفتاة فى رسم أخيها على هيئة وحش، يقف بعيدًا، وله أظافر كبيرة، ويبدأ المعالج بالفن فى سؤال المريضة: لماذا ترسمين أخاك بهذا الشكل؟ فتبدأ المريضة فى الاسترسال فى الحديث، ومن هنا يتم التعرف على المشكلة، ثم علاجها. وتضيف «الفلالى» أن المريض النفسى لا يستطيع أن يعبر عن نفسه، لكنه يستطيع أن يعبر عن غيره، فمن خلال اختبار شجرة، منزل، شخص، يستطيع المعالج أن يجعل المريض يتحدث عن نفسه بشكل مناسب، فمثلًا عندما يرسم شجرة ضعيفة، ويعبر عنها أنها ستموت قريبًا، فهو لا يتحدث عن الشجرة، بل يتحدث عن نفسه، وهكذا يستطيع المعالج أن يتعرف على مشاعر المريض تجاه نفسه.

وأكدت «الفلالى» على دعم أطفال مرضى السكرى من خلال ورشة للعلاج بالفن التشكيلى، استطاعت من خلالها أن ينفس الأطفال والأمهات عما بداخلهم، فمرض السكرى له تأثير كبير على الصحة النفسية لكلٍّ من الطفل المصاب والأم أو القائم على الرعاية، فيمكن أن يصاب الطفل بحالة من العصبية نتيجة تعارض الأنسولين مع الهرمونات المسببة للعصبية، أو أن يدخل المصاب فى حالة من الاكتئاب، بسبب تعارض الأنسولين مع الهرمونات التى يفرزها المخ من الأدرينالين والدوبامين وغيرهما، أما بالنسبة للأمهات أو القائمين على رعاية أطفال مرضى السكرى فكان لابد من تقديم الدعم النفسى لهم، لأنهم يدخلون فى حالة نفسية شديدة، فمن الممكن الدخول فى حالة وسواس قهرى، باعتقادهم أن أطفالهم قد يصابون بكومة سكر.

وهم لا يستطيعون إنقاذهم، ومنهم من يشعرون بالذنب تجاه أولادهم ويعتقدون أنهم السبب فيما وصلوا إليه من مرض، وشعورهم الدائم بالتقصير، وأحيانًا يصل بهم الأمر إلى جلد الذات، فهنا يأتى دور العلاج بالفن والتنفيس، فعندما شارك القائمون بالرعاية فى هذه الورشة انهارت أمهات الأطفال، وأخرجن ما بداخلهن من مشاعر مكبوتة، بكين كثيرًا، وتحدث إليهن المعالجون، وبعدها شعرن بالراحة، وأن المجتمع يدعمهن.

وتؤكد رئيسة الرابطة أن العلاج بالفن دور تكميلى للعلاج بالعقاقير الطبية، وأن العمل ضمن الفرق يأتى بنتيجة مثمرة، فيجب أن يخضع المريض للعلاج مع طبيب نفسى، ومعالج نفسى بالفن، وإخصائى نفسى، وإخصائى اجتماعى، لضمان حل المشكلة، فإذا كانت المشكلة النفسية سببها مشكلة فى المجتمع، بمعنى إن كانت بسبب الأسرة، أو التنمر فى المدرسة، فهنا يأتى دور الإخصائى الاجتماعى الذى يساعد فى حل المشكلة.

وأوضحت الدكتورة شريهان رضا، رئيس قسم العلاج بالفن فى مستشفى الصحة النفسية بالنزهة الجديدة، أن المريض عندما يبدأ فى الرسم فهو يرسم ما بداخله دون وعى، ويبدأ الطبيب المعالج فى طرح الأسئلة، فمن خلال الإجابة على الأسئلة يكتشف المريض أسباب المعاناة، على سبيل المثال، إذا رسم المريض ٣ وردات، ٣ عصافير، ٣ قطط، هنا يبدأ المعالج بسؤاله عما يمثله رقم ٣ بالنسبة له.. ماذا يزعجه فى هذا الرقم... وهكذا، وتسمى هذه العملية الاستبصار عن طريق الرسم والفن، مضيفة: «من خلال الفن التشكيلى يستطيع المريض أن يقدم منتجًا يعزز من ثقته بنفسه، لأن المريض غالبًا ما يعانى من الضعف فى ثقته بنفسه، فمن خلال التجارب الفنية غير المباشرة، التى يشارك فى إنتاجها، فهو يعزز من هذه الثقة ويدعمها، ويأتى كدور تكميلى للعلاج بالأدوية، ويقدم نتائج مبهرة، فإذا تعرض المريض للعلاج بالأدوية فقط فإن سرعة استجابته للعلاج تصبح أقل من المريض الذى يتعرض للعلاج بالدواء والفن معًا، وكذلك فرصة الانتكاسة تصبح أقل لهؤلاء الذين يتعرضون للعلاج بالفن والدواء معًا».

وبالسؤال عن مدة الجلسة وطبيعتها، تجيب الدكتورة شريهان: «هناك نوعان من الجلسات، جلسة تستغرق ٥٠ دقيقة، بواقع يومى، يستخدم فيها المريض أحد أنواع الفن التشكيلى من رسم أو نحت أو خزف أو أشغال خشب أو إكسسوارات، والدقائق الخمس الأولى تكون لشرح موضوع الجلسة والهدف منها، والأربعون دقيقة لممارسة العمل الفنى، أما الدقائق الخمس الأخيرة فتكون لتلخيص وتقييم العمل الفنى. والنوع الآخر هو جلسة العلاج الجمعى بالفن، ومتوسط الزمن ما بين ٩٠ إلى ١٢٠ دقيقة، مرة أسبوعيًا».

يُذكر أن الرابطة الأفروآسيوية للمعالجين بالفن، برئاسة ياسمين الفلالى، تقدم دورات تدريبية للمهتمين والعاملين فى مجال العلاج بالفن، بالإضافة إلى تدريبات عملية تجعلهم أكثر قدرة على ممارسة المهنة بشكل عملى.

وأكدت «الفلالى» أن الدبلومة المعتمدة للعلاج بالفن متاحة فى كلية التربية الفنية بالزمالك، بدون تقديم تدريبات عملية للمعالجين.

المصرى اليوم