أخبار عاجلة

د. بهاء حسب الله يكتب: المنطق الرياضي والتوازنات العشقية والسياسية في «الخطة 51»

د. بهاء حسب الله يكتب: المنطق الرياضي والتوازنات العشقية والسياسية في «الخطة 51» د. بهاء حسب الله يكتب: المنطق الرياضي والتوازنات العشقية والسياسية في «الخطة 51»

رواية الكاتب الصحفى محمد شعير الجديدة (الخطة 51) رواية تمثل بنية سردية جديدة ذات طابع فريد فى محيط تكوينها وفى بنياتها الفنية الدقيقة والعامة، وفى حركتها وطبيعة ارتباطها بسياقات النوعية الروائية الأدبية أو مغايرتها لها، وأقصد بتلك البنية ؛ البنية الروائية المنبثقة من وجوه موضوعية عديدة تخالجت واجتمعت على مضمون واحد رغم تشعبها وتعدد وجوهها ومخارجها وتناميها عبر مجموعة من الأحداث المتلاحقة والسريعة، إلا أنها تُحيلك فى النهاية إلى لون من ألوان الحساسية الجمالية، والطاقة التخيلية الفريدة التى لا تتجمد عند نقطة واحدة أو محور ثابت.

ولذلك فإنك ترى فيها السرد على كافة مستويات الكتابة والحكى والخيال أحيانا، فهو سرد يتحرك عبر مضامين ثلاثة ؛ المضمون الأول مضمون يلامس فن السيرة وواقعيتها أو يداعبه على درجة من درجات الوعى، بما يبرزه ويظهر تفاصيله المتشعبة- إن صح التعبير- كخطٍ دقيقٍ، وواضح وجلى ومؤثر فى حركة الأحداث، والمضمون الثانى هو مضمون عشقى ورمانسى بامتياز يظهر فيه البطل (أكرم الشرقاوى) عبر فصول روايته، ومن حين لآخر عاشقا هدهده الحب، وامتلك عوالمه وخيالاته مؤمنا إيمانا كاملا بأنه لا حياة بدون حبيبة تؤنس وحدته وترضى شغفه الرومانسى النشط والمتأجج خاصة بعد وفاة زوجته التى فارقته بعد زواجه بفترة ليست بالطويلة، وتحديدًا فى أثناء ولادتها لابنهم الوحيد (مالك)، والمضمون الثالث هو مضمون حائر ما بين الخلفية السياسية والمهنية والحرفية لبطل صحفى وكاتب فى جريدة معروفة ومرموقة لها اسمها وسمعتها على مستوى الداخل والخارج وله مؤلفات عدة.

محمد شعير

والبنية فى هذا العمل بنية تركيبية غريبة وجاذبة فى آن واحد، لأنها اعتمدت فى ينابيعها على مناطق ووجوه عدة من أهمها المنطق الرياضى أو المعجم الرياضى بتعبير أدق، وذلك لأن أهم عقد وحبكات هذه الرواية هى قصة البطل الشاب (مالك) ابن الست عشرة عاما، وهو واحد من أهم أبطال العمل، ابن البطل الرئيس (أكرم الشرقاوى)، ومالك لاعب رياضى بإحدى أندية الدولة، وينتظره مستقبل فريد، وهو معروف بمهاراته الرياضية الكروية وبزوغ نجمه العالى، وكان واحدًا من أهم أسباب فوز فريقه بالعديد من البطولات، وهو الابن الذى تفرغ لرعايته والده طيلة أحداث الرواية، وشغل جل اهتماماته وأفكاره وخططه المستقبلية، وقد يكون هو السبب الرئيس لعدم زواجه من زوجة أخرى بعد وفاة زوجته أم ابنه فى مقتبل زواجهما ومطلع حياتهما الزوجية، ولذلك جاءت إصابته فى قدمه وفى ركبته- على وجه التحديد- فى مدخل العمل عقدة حية من عقدات العمل ومورفاته ومحورًا مُغيرًا لكثير من قفزات الرواية وتشابكها، لم تنفك إلا بشفاء مالك من خلال جلسات العلاج والمتابعة مع أحد الأطباء الكبار.

ولأن البطل الصغير مالك رياضى بالدرجة الأولى، وبطل من أبطال كرة القدم، فقد استوحى الراوى الأصيل المعادل الحقيقى لشخصية أكرم الشرقاوى كل مسميات فصول الرواية، وطبيعة سردها وتفاصيلها من معجم كرة القدم، حتى عنوان الرواية نفسها (الخطة 51) فهى مستوحاه من رقم فانلة مالك فى فريقه، وهو الرقم الذى أحبه كثيرًا وشغف به، بعيدًا عن لعبة التأويل أو التفسير لاختياره هذا الرقم، ثم نرى عناوين الفصول (ضربة البداية)، (لقاء القمة)، (هجمة مرتدة)، (مراوغة)، (عملية إحماء)... إلخ، وهو ما يجعلنا نقول إن أحداث الرواية واختيار عناوينها بهذه الدقة المعجمية الرياضية جعلها تشى بإنتاج دلالات رمزية مهمة تتجاوز المقصد المباشر، أو الفكرة الحكائية المسلية.

غلاف رواية «الخطة 51»

كذلك تأتى الشخصيات الرئيسة الأخرى الموازية، ومنها شخصية (نورا علوان) الحبيبة الفنانة التشكيلية الجميلة، صاحبة المنصب الرفيع فى وزارة الثقافة، وصاحبة العلاقات الواسعة والخطيرة والنافذة، وحضورها الآخذ طوال أحداث العمل أغناه كثيرًا، خاصة أنها كانت الحبيبة والسند وكاتمة الأسرار للبطل الرئيس أكرم الشرقاوى، كذلك يتجلى المنطق السياسى فى هذا العمل خاصة ونحن أمام بطل صحافى بالدرجة الأولى شغوف بالكتابة السياسية وبالسياسة ذاتها وألعابها- على وجه الدقة- ومشغول كذلك بانتمائه الحزبى، وهو ما كان يجعله دائمًا فى موضع انتقاد من ابنه مالك أو استغراب على وجه التحديد.

ومثل هذه العلاقات المتشابكة وتزاحمها خاصة مع ظهور شخصيات جديدة فى حياة البطل مثل المذيعة التلفازية ( الحداد)، والتى اقتربت فى وقت من الأوقات من حياة بطلنا (أكرم الشرقاوى) والصديق الصحفى (أحمد سمك) ودوره فى مشواره الصحفى والإعلامى، جعلت الأحداث تختلج وتتشابك على وتائر عدة، وإن لم تبعد عن محاورها الرئيسة ؛ محور علاقة البطل مع ابنه الرياضى مالك ومعايشته الدقيقة له، وعلاقته مع الحبيبة نورا علوان والتى مثلت الوجه الرومانسى الحالم فى الرواية، وعلاقاته التشابكية فى محيط عمله الصحافى والسياسى، ولذلك كان حضور البطل عبر فصول روايته طاغيًا على مستوى صناعة الأحداث وبنائها، وهذا الذى يدفعنا إلى أن نقول بأننا أمام نص روائى طويل اخترق عدة مناطق حكائية، وكشف عن إمكانيات سردية هائلة تنوعت فيها لغة السرد كثيرًا بين اللغة المعاصرة اليومية بحيويتها المتجددة ومعجمها المتغير السريع.

وبين اللغة الفنية المتنامية خاصة فى مونولوجاته الحوارية مع الذات أو حتى مع الآخر، وبين وقوعه فريسة للغته الصحافية بحرفيتها المعروفة المعتمدة كثيرًا على جملة الخبر وعنصر المفاجأة ووحى التجديد، ولكنه فى النهاية وُفق كثيرًا فى إنتاج زخم متراكم من الجماليات والمجازات وصلت أحيانا إلى توظيف الرمز الدلالى (بداية من عنوان العمل)، وتجاوز فكرة الحكاية التقليدية المباشرة أو القصة الاعتيادية، والحرص على فتح النص على مناطق حيوية كثيرة تمثل أحيانًا مناطق للتساؤل دون أن يشغل باله بحضور الإجابة خاصة فى نطاق عمله السياسى والحزبى والصحافى أو أحيانا فى نظرته هو لمستقبله، هذا إضافة إلى حرصه على نقل مسيرته الحكائية عبر منتجه الروائى من الحقيقى (خاصة ونحن أمام نص تكتنفه وجوه من سيرة الراوى/ المؤلف) إلى المتخيل.

أستاذ الأدب العربى- بكلية الآداب- جامعة حلوان

الدكتور بهاء حسب الله

المصرى اليوم