من يدفع الفاتورة؟.. سؤال لبنان الصعب مع انتظار دعم صندوق النقد

من يدفع الفاتورة؟.. سؤال لبنان الصعب مع انتظار دعم صندوق النقد من يدفع الفاتورة؟.. سؤال لبنان الصعب مع انتظار دعم صندوق النقد

اشترك لتصلك أهم الأخبار

فى مسعاه للحصول على دعم صندوق النقد الدولى، يتعين على لبنان الإجابة عن سؤال صعب يتحاشاه منذ انهيار الاقتصاد قبل عامين: كيف سيوزع الخسائر الضخمة الناجمة عن انهياره المالى؟.

وحتى الآن، الإجابة بسيطة للغاية: اللبنانيون العاديون هم من يدفعون الثمن، وهم يشاهدون المدخرات تتبخر والعملة تنهار والسلع الأساسية تختفى من على أرفف المتاجر.

عندما وُضعت خطة العام الماضى حددت فجوة فى النظام المالى حجمها 90 مليار دولار، لم تصمد أمام قصف البنوك التى شكت من أنها تجعلها تتحمل الكثير من العبء ورفض النخب الحاكمة التى كانت مَن دفع لبنان إلى أزمته.

ومنذ ذلك الحين، غرق لبنان أكثر فى الأزمة بلا خطة ولا حكومة، إلى أن أنهى السياسيون المتناحرون المنتمون لطوائفهم عاما من المشاحنات واتفقوا على حكومة جديدة هذا الشهر.

ويحتاج رئيس الوزراء الجديد رجل الأعمال الملياردير نجيب ميقاتى وحكومته، إلى إدراك حجم الخسائر والعمل على كيفية تقسيمها للوفاء بوعد للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولى للإصلاحات الاقتصادية.

انهار النظام المالى فى 2019 بسبب عقود من الفساد والهدر فى الدولة، والطريقة غير المستدامة التى كان يجرى تمويلها بها. وكان المفجر هو تباطؤ تدفقات العملة الصعبة إلى النظام المصرفى الذى أفرط فى إقراض .

وقد تكون لميقاتى فرصة أفضل فى محادثات صندوق النقد الدولى مقارنة بسلفه، وهو ما يعود لأسباب منها أن هناك الآن إقرارا سياسيا أوسع، بما فى ذلك، على ما يبدو، داخل جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران، بأن إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولى هو الطريق الذى لا مفر منه للإنقاذ.

وفى ظل النقص الحاد فى الوقود والأساسيات الأخرى، وصولا إلى خفض فعلى بنسب تصل إلى 80% لقيم المدخرات فى نظام مصرفى فقد قيمته، يقول كثيرون إن الأزمة تسببت فى ألم يفوق حتى أصعب برنامج إصلاح يمكن تخيله من صندوق النقد الدولى.

وتقول مصادر سياسية إن عددا من الإصلاحات التى قد يسعى إليها صندوق النقد الدولى، والتى تشمل خفض الدعم وتوحيد الصرف المتعددة فى الاقتصاد اللبنانى الفوضوى القائم على النقد، صار حقائق بالفعل فى ظل شح العملة الصعبة.

ومع ذلك، لا يزال كثير من المحللين متشككين بشدة فى إمكانية شروع الحكومة فى إصلاحات مهمة، حتى لو تمكنت من بدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولى أو حل مشكلات مثل نقص الوقود.

لقد كانت الحكومة من اختيار نفس النخب التى قادت لبنان إلى أزمته وسمحت لها بالتفاقم. وينتقد البنك الدولى لبنان لافتقاره «المتعمد» لوجود سياسة.

وعلاوة على ذلك، لا يتبقى أمام الحكومة سوى 8 أشهر قبل انتخابات ستكون الشغل الشاغل للأحزاب الرئيسية. ويقول البنك الدولى إن هذا من أشد حالات الكساد منذ منتصف القرن التاسع عشر، إذ انكمش الناتج المحلى الإجمالى 40% بين 2018 و2020. وحتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975 و1990، استمرت قدرة البنوك على السداد والعمل.

وسيكون من الصعب إزالة العقبة الأولى أمام إبرام صفقة مع صندوق النقد الدولى، وهى الاتفاق على توزيع الخسائر. فقد واجهت خطة العام الماضى معارضة من الأطرف المعنية التى كان من بينها البنوك.

وقال جولدمان ساكس فى تقرير إن التوصل إلى اتفاق بشأن هذه المسألة من المرجح أن «يكون من الصعب تحقيقه، ويمثل عقبة حرجة على الطريق نحو التعافى»، لكن مصدرا ماليا مطلعا على عمل صندوق النقد الدولى فى لبنان، قال إن هناك مجالا للتوصل لتسوية بشأن الخسائر وزخما كبيرا لصفقة صندوق النقد الدولى، مما يعنى أن هناك احتمالا «أكبر بكثير» للتوصل إلى اتفاق.

وبينما لا تزال بعض البنوك تأمل فى أن تتبخر ديونها من خلال تحويل الودائع بالدولار الأمريكى إلى الليرة اللبنانية، قال المصدر إن البنوك أكثر استعدادا للإقرار بالحاجة إلى «إعادة هيكلة مناسبة». وقال المصدر «ليس علينا أن نتحول إلى فنلندا أو السويد للوصول إلى برنامج صندوق النقد الدولى.. علينا القيام بالحد الأدنى المطلوب، بما فى ذلك الإقرار بالخسائر فى القطاع المصرفى والبنك المركزى والاتفاق على توزيع عادل لهذه الخسائر». وأضاف أنه يتعين أيضا تمرير قانون مراقبة رأس المال وتوحيد أسعار الصرف.

قال صندوق النقد الدولى إنه أجرى مكالمات مع أعضاء بالحكومة الجديدة، وإنه على استعداد للمشاركة.

وقالت الحكومة إنها ستجدد وتطور خطة العام الماضى، التى تضمنت أرقاما لاقت قبولا من صندوق النقد الدولى.

كانت تلك الخطة قد أثارت غضب البنوك، ويرجع ذلك لأسباب منها وجود مخصصات لإنقاذ مالى من المساهمين سيشطب رؤوس أموالهم. وردت البنوك باقتراحها الخاص، الذى شمل إنشاء صندوق أصول حكومى حجمه 40 مليار دولار للمساعدة فى تسوية الديون.

كما تمسك رياض سلامة، محافظ المصرف المركزى منذ 1993، بموقفه بشأن الخسائر فى العام الماضى، وخرج مشرعون يمثلون الفصائل داخل النخب الحاكمة بأرقام تتراوح بين ربع ونصف المبلغ الذى تشير إليه الخطة.

ووزير المالية الجديد هو يوسف خليل المسؤول السابق بالمصرف المركزى.

وقال آلان عون، العضو البارز فى التيار الوطنى الحر الذى أسسه عمه الرئيس ميشال عون، إن من المتوقع الآن أن تعمل وزارة المالية والبنك المركزى معا بشكل أفضل للاتفاق على الخسائر. وقال لرويترز «ما الذى تغير؟ الفريق تغير.. فى العام الماضى، قالت بعض الأحزاب لا مساس بالدعم أبدا، وانظر أين نحن اليوم. الجميع يستسلم تدريجيا للإصلاحات، سواء بشكل طوعى أو لأنهم مجبرون على ذلك». وقال «نحن فى حاجة ماسة للحصول على الدولارات.. صندوق النقد الدولى يعد بالمساعدة، لكنها مشروطة بالانخراط فى خطة مالية. سيكون الجميع مضطرا للموافقة هذه المرة».

لكن الحكومة تواجه تشككا هائلا، فبرنامجها لم يقدم تفاصيل كافية بشأن الإصلاحات الرئيسية التى يسعى إليها المانحون، والتى تشمل إصلاح قطاع الكهرباء الذى تديره الدولة والذى يستنزف المالية العامة ولا يزال حتى الآن لا ينتج أى كهرباء تذكر.

وشكك نديم حورى، المدير التنفيذى لمبادرة الإصلاح العربى، فى أن تتواصل الحكومة الجديدة بجدية مع صندوق النقد الدولى. وقال «أسمّى هذه حكومة ترميم، الحكومة التى من المفترض أن تحسن صورة الأحزاب التقليدية قبل الانتخابات المقبلة»، مضيفا أنها ستكون قادرة على إنفاق أكثر من مليار دولار يوجه للبنان فى إطار تخصيص عام لحقوق السحب الخاصة فى صندوق النقد الدولى. وقال «سيحققون الاستقرار بالبلاد ويروجون لذلك تحت اسم الإصلاحات».

المصرى اليوم