أخبار عاجلة

بئر معطلة.. «قصة قصيرة» لــ أنور أحمد «»

بئر معطلة.. «قصة قصيرة» لــ أنور أحمد «السعودية» بئر معطلة.. «قصة قصيرة» لــ أنور أحمد «»

اشترك لتصلك أهم الأخبار

توقفت سبحة الحاج محمود عن الدوران، وانسلت من بين يده بعد مضىّ سبعين عاما، وأحجارها تداعب أنامله وهو يتلفظ بالاستغفار والتسبيح، وهذا ما يسكن اضطراب قلبه ويقوى ضعف بدنه. الحاج محمود ابتسامته تغازل شفتيه ولا تفارق تقاسيم وجه، يلاطف الصغير والكبير يحتسى كوب الشاى المر على مقاعد قهوة الحارة رافعًا رأسه بشموخ، لم تعصره الحاجة، قبض يده عن السؤال ولم يمدها إلا لخالقه، يتفقد جاره قبل داره سقت دموعة عطش شفتيه وأشبع قرص الخبز الحاف انتفاضة الجوع بأحشائه، لم يغب فى فرح أو حزن أهل منطقته، شاركهم تفاصيل حياتهم كان عصا بيد ضعيفهم، ولسان نصح فى مجلس قويهم.

يا ترى أين الحاج محمود؟.. سؤال طرق رأس أحدهم فى المقهى الذى اعتاد الحاج احتساء كأس الشاى عنده، ذلك بعد مضى يومين من تغيبه، لم يتفقده من أخلص المشاعر معهم ولم يعكر صفو حياتهم بكلام يجرح مشاعرهم. علا صوت ذاك الطفل الذى يقدم الشاى فى المقهى: يا أهل الحارة يومين لم يأت الحاج، وكرسيه يخلو من دفء مجلسه الطيب، لعله حصل له مكروه لأن غيابه لم أعتد عليه. حن قلب الطفل وفزع يتفقد الحاج، ذاك الطفل الذى لم يتلوث قلبه بقساوة الدنيا.

غاب عطره ولم يطرق أحدهم بابه يتفقد حاله، ولم يخط جاره بقدم المعطى كرمًا لمن شاركه جداره، سقط على أرض سكنه الذى افترشه الجوع وضل سقفه العفة، وسطر برحيله تعطل بئر التكافل الاجتماعى، وهجران السؤال عن أهل الحاجة. لم نطرق باب الأحبة ونكفهم ذل الحاجةـ تعطل الطواف على بيوت تحزم بطونها العزة، مات الحاج محمود وأخبرنا كم نحن مفككون، ذابلة إنسانيتنا، كم المرض متفش فى قلوب الرحمة لدينا، موته كشف عورتنا، وأوضح زور ما ندعيه من أواصر اجتماعية.

المصرى اليوم