أخبار عاجلة

الانسحاب الأمريكي من العراق .. «مسرحية دبلوماسية» يعرفها الجميع

اشترك لتصلك أهم الأخبار

رغم الإعلان عن اتفاق الرئيس الأمريكى جو بايدن ورئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى، الأسبوع الماضى، على إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية في العراق بنهاية العام الجارى، وذلك خلال زيارة الكاظمى للولايات المتحدة الإثنين الماضى، إلا أن مراقبين وصفوا الأمر بأنه لا يزيد على كونه مجرد «مسرحية دبلوماسية».

وأكد البيان المشترك للجولة الرابعة من «الحوار الاستراتيجى» بين بغداد وواشنطن أن «العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية». وأضاف البيان: «لن تكون هناك قوات أمريكية تقوم بدور قتالى في العراق بنهاية 31 ديسمبر 2021».

وأشار إلى أن القواعد العسكرية التي استخدمتها القوات الأمريكية «هى قواعد عراقية تعمل وفقا للقوانين العراقية»، وأن الجنود الدوليين المتمركزين في هذه القواعد كانوا فقط للمساعدة في الحرب على «داعش».

وقال رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى إن زيارته للولايات المتحدة تكللت بـ«إرساء قواعد العلاقة والشراكة الدائمة مع الولايات المتحدة» في مختلف المجالات. ووصف الزيارة بأنها «تكللت بإنجاز التنظيم، وإرساء قواعد العلاقة والشراكة الدائمة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف المجالات، وأهمها الأمن والاقتصاد والصحة والتعليم والثقافة والطاقة والبيئة والاستثمار وبقية منافذ التعاون الثنائى البنّاء»- حسب ما نقله عنه المكتب الإعلامى لرئيس الوزراء العراقى.

نانسى بيلوسى ومصطفى الكاظمى فى مبنى الكابيتول

وأكد رئيس الوزراء العراقى أنه «تم الاتفاق بشأن عدم تواجد أي قوات قتالية للولايات المتحدة في العراق في 31 ديسمبر 2021». وأضاف: «العراق ماضٍ في سعيه من أجل توفير الفرص الكريمة لأبناء شعبنا، وإيجاد بدايات جديدة لكل ما يساهم في خدمة المواطنين». كما أعرب عن «شكره وتقديره للقوى السياسية الوطنية العراقية لمساندتها جهود في المفاوضات وتأييدها لما تم التوصل له من مخرجات».

وبيّن الكاظمى «اعتزاز العراق، حكومة وشعباً، بما تحقّق لصالح حفظ الإرث الرافدينى باستعادة 17 ألف قطعة أثرية، تم تسلمها من الولايات المتحدة الأمريكية، وعادت مع الوفد على متن الطائرة نفسها».

كما أكد ثقته في مشاركة العراقيين في انتخابات العاشر من أكتوبر المقبل، مبيناً: «أن المقاطعة لن تخدم أحداً». وأضاف: «لدينا عمل جدىّ من أجل إجراء الانتخابات».

وبحسب تقرير نشرته الإذاعة الألمانية على موقعها: لم يحمل إعلان اتفاق الانسحاب الأمريكى من العراق أو التوصل إليه أي مفاجأة للمراقبين أو حتى للعراقيين، بسبب أن الاتفاق جاء كنتيجة غير مباشرة للأحداث التي وقعت في يناير عام 2020.

ففى الثالث من ذاك الشهر، قتل قاسم سليمانى- القائد السابق لفيلق القدس الإيرانى- ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبى العراقى أبومهدى المهندس، وشخصيات أخرى من ميليشيات تدعمها إيران في غارة شنتها الولايات المتحدة بطائرة مسيرة استهدفت موكبهم في مطار بغداد.

وعلى وقع الغضب إزاء انتهاك السيادة العراقية، صوّت البرلمان في أواخر يناير على طرد القوات الأمريكية من العراق، بيد أن تصويت البرلمان العراقى على الانسحاب لم يكن ملزما، لكن جاء اتفاق الانسحاب الأمريكى من العراق من قبل بايدن والكاظمى لينهى فصلا من الوجود القتالى للجنود الأمريكيين في العراق.

جنود أمريكيون يرتدون الأقنعة للوقاية من فى قاعدة عسكرية شمال بغداد

ومع ذلك ورغم الضجة التي صاحبت الإعلان عن الاتفاق، يدرك الجميع أن الانسحاب الأمريكى من العراق ليس انسحابا كاملا على غرار السيناريو الأمريكى في أفغانستان، إذ قررت إدارة بايدن الانسحاب الكامل من أفغانستان قبل 11 سبتمبر 2021، فمن المرجح أن يشهد القرار الأمريكى- العراقى إعادة ترتيب القوات الأمريكية وتحديد دورها أكثر من خفض عددها البالغ 2500 جندى أمريكى في الوقت الحالى.

وقبل زيارة الكاظمى إلى الولايات المتحدة، وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية الاتفاق الجديد بكونه ليس سوى «مسرحية دبلوماسية»، فيما انتقدت قناة «صابرين نيوز» التابعة للحشد الشعبى العراقى على منصة «تليجرام» الاتفاق، إذ قالت في منشور: «لن يتم سحب أي جندى أمريكى.. سوف يتم تغيير توصيفهم على الورق!». ونشرت القناة العديد من الرسائل عن استمرار محاربة القوات الأمريكية تحت وسم #الانسحاب_بشروط_المقاومة.

لماذا يُنظر إلى الاتفاق باعتباره «عرضا مسرحيا»؟.. يرجع هذا الأمر إلى التسامح المستمر للوجود الأمريكى في العراق باعتباره سرا لكنه مكشوف، بمعنى أن كل شخص في السلطة يتفق عليه ضمنيا لكن لا يمكنه الحديث عنه علنًا.

ونقل موقع «دويتشه فيلله» عن ريناد منصور، مدير «مشروع مبادرة العراق» في معهد تشاتام هاوس السياسى في لندن، قوله إن «معظم القادة العراقيين يدركون أهمية التواجد الأمريكى في العراق، بمن في ذلك السياسيون الذين لا يتحدثون عن الأمر علنا». وأضاف: «يريد عدد قليل من القادة العراقيين ـ بمن ذلك بعض القادة شبه العسكريين- انسحاب الولايات المتحدة من العراق بشكل كامل وقطع العلاقات»- في إشارة إلى قادة الميليشيات المدعومة من إيران الذين يُعتقد أنهم وراء الهجمات بطائرات مسيرة التي تستهدف قواعد تستخدمها القوات الأمريكية وكذلك قوافل إمدادات أمريكية.

وأكد «منصور»: «بشكل عام، توفر الولايات المتحدة غطاءً للتمثيل الغربى في العراق.. بمعنى: إذا غادرت الولايات المتحدة بشكل كامل، فمن المحتمل أن تحذو دول أخرى حذوها مثل بريطانيا وألمانيا. وفى هذه الحالة، يصبح العراق بلدا منبوذا ومنغلقا عن العالم».

قوات الحشد الشعبى فى العراق «أرشيفية»

وأشار «منصور إلى أن هذا السيناريو ربما لا ترغب الأطراف الدولية في حدوثه بما في ذلك إيران- خصم أمريكا اللدود في العراق – إذ أن طهران لا تريد هذا الانسحاب الكامل بالضرورة.

وأوضح مدير «مشروع مبادرة العراق» في معهد تشاتام هاوس ما ذهب إليه بقوله:»إن إيران تستفيد من أن حدود العراق في جوارها لا تزال مفتوحة على العالم الخارجى، في الوقت الذي تجد فيه طهران نفسها محاصرة بالعقوبات ومنبوذة من الكثير من أعضاء المجتمع الدولى«.

ونقل «دويتشه فيلله» عن مسؤول بارز في الحكومة العراقية- طلب عدم الكشف عن هويته- تأكيده أن «القوات الأمريكية يُنظر إليها على أنها تحقق توازنا وتردع إيران».

يقوم النظام السياسى في العراق على أساس التوازن بين مكوناته السكانية الثلاثة الرئيسية وهم:»الشيعة والسنة والأكراد». ويخشى المكونان السنى والكردى من أنه في حالة الانسحاب الأمريكى الكامل، فإن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران ستملأ أي فراغ أمنى.

وفى تعليقه على إعلان الكاظمى أن العراق لا يحتاج لقوات قتالية أمريكية، قال المسؤول إن «هذا الأمر حقيقى». وأكد: «لكن من الناحية العملية، لانزال في حاجة إلى القوات الأمريكية في العراق، خاصة عندما يتطرق الأمر إلى المقاتلات العسكرية والغطاء الجوى. السلاح الجوى العراقى ضعيف بشكل نسبى، ومن غير القوات الجوية الأمريكية كان العراق أكثر عرضة لهجمات الطائرات المسيرة الخارجية، وأيضا سيواجه صعوبات في شن هجمات جوية ضد داعش».

وأضاف المسؤول أن «الجيش العراقى أيضا في حاجة إلى الحصول على معلومات استخباراتية أمريكية بشأن إرهابيى داعش»، بيد أن المسؤول شدد على أن الأمر البالغ في الأهمية يتمثل في التدريب، مضيفا: «نحن في حاجة إلى ضمان أن جيشنا محايد وقوى ومحترف. وإذا تراجعت قدرات الجيش العراقى، فإن هذا الأمر سيصب مرة أخرى في صالح التنظيمات شبه العسكرية (الموالية لإيران)».

أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن الانسحاب الكامل من العراق سيضر أيضا بمصالحها- وفقا لما ذكره باحثون من منظمة «راند» البحثية ومقرها ولاية كاليفورنيا الأمريكية في تقرير نشر في مايو 2020 بشأن خيارات أمريكا في العراق. وخلص الباحثون بعد دراسة كافة الاحتمالات بما في ذلك الانسحاب الأمريكى الكامل، إلى أن أفضل الخيارات أمام واشنطن يتمثل في التوسط في أمر الانسحاب، بمعنى الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين والمدربين. وأشار الباحثون في التقرير إلى أن «دعم عراق مستقر وصديق يخدم المصالح الأمريكية طويلة الأمد، فضلا عن أن التواجد (الأمريكى) طويل الأمد سيحافظ أيضا على النفوذ الأمريكى في العراق، وبالتالى يمكن أن يساعد في تخفيف النفوذين الإيرانى والروسى وأشكال أخرى من النفوذ الخبيث».

وتتواجد القوات الأمريكية في العراق منذ عام 2003، عندما وصل قرابة 125 ألف جندى أمريكى إلى العراق في مارس من ذاك العام بزعم تدمير «أسلحة الدمار الشامل» ليسفر الغزو الأمريكى عن الإطاحة بالرئيس الأسبق صدام حسين. وعقب تولى الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما زمام الأمور في البيت الأبيض عام 2009، تعهد بسحب القوات الأمريكية من العراق، إذ بدأ خفض عدد الجنود الأمريكيين بشكل مطرد.

وقال مراقبون للسياسة الخارجية في تغريدات إنه كان من المفترض «أن ينتقل الدور الأمريكى إلى الدور الاستشاري» منذ سنوات وحتى اليوم مثلما كان الأمر بين عامى 2007 و2009، بيد أن ظهور داعش في العراق وسوريا عام 2014 كشف عن حاجة العراق لاستمرار الدعم العسكرى الأمريكى مرة أخرى.

وفى ضوء عدم تمكن الجيش العراقى والقوات الكردية من شن هجمات دفاعية ضد «داعش» في بداية الأمر، اعتمدت هذه القوات بشكل كبير على الضربات الجوية الأمريكية لصد تقدم التنظيم.

وفى ذاك الوقت، كان عدد الجنود الأمريكيين في العراق يقترب من 5 آلاف جندى. وعلى وقع هزيمة «داعش» إلى حد ما فيما بعد، بدأ عدد القوات الأمريكية في العراق في الانخفاض. وفى العام الماضى، قرر الرئيس الأمريكى السابق دونالد خفض هذا العدد ليصل إلى 2500.

وبعيدا عن السياسة، فإن اتفاق الانسحاب الأمريكى الذي أعلنه بايدن والكاظمى، من غير المحتمل أن يحمل في طياته تغييرا كبيرا على حياة العراقيين العاديين، إذ اختفت منذ زمن طويل من المدن العراقية نقاط التفتيش التي كانت قوات أمريكية تتمركز فيها. ففى الوقت الحالى، بات كل نقاط التفتيش في العراق تتمركز فيها قوات من الجيش أو الشرطة أو عناصر من الحشد الشعبى. وبات الحديث عن الوجود العسكرى الأمريكى في الشارع العراقى محصورا في سماع أنباء عن شن القوات الأمريكية ضربات جوية أو غارات بطائرات مسيرة. ولم ير معظم العراقيين العاديين جنديا أمريكيا أمامهم منذ سنوات، فقد غاب مشهد الجنود الأمريكيين من الشوارع العراقية.

المصرى اليوم