أخبار عاجلة

صراع على «الملكية الفكرية» بين الصين ونيوزيلاندا بعد ظهور آلاف الأفدنة غير القانونية

صراع على «الملكية الفكرية» بين الصين ونيوزيلاندا بعد ظهور آلاف الأفدنة غير القانونية صراع على «الملكية الفكرية» بين الصين ونيوزيلاندا بعد ظهور آلاف الأفدنة غير القانونية

اشترك لتصلك أهم الأخبار

تعود قصة الصراع على الفاكهة «الذهبية» إلى منتصف العقد الأول الماضى، بعد أن حصل أحد مزارعى الكيوى على «سر التربح وكسب المال» وراء السلالة الذهبية، ومن ثم قام بتهريبها إلى الصين.

وظهرت منذ ذلك الحين آلاف الأفدنة من البساتين «غير القانونية»، ولم تجدِ السنوات التى قضتها نيوزيلاندا نفعا فى حماية حقوق الملكية «الفكرية» فى التوصل إلى هذه السلالة المربحة، بينما تكشف الخيارات الصارخة التى تواجه مزارعى البلاد عن تحديات أوسع نطاقا أمام علاقة البلاد بشريكها التجارى الأكبر.

اجتاحت سلالة جديدة «ذهبية» من هذه الثمرة الأسواق إلى حد وصفها بـ «الكأس المقدسة» التى تشتمل على خصائص ومكونات فاكهة الكيوى حسب التحقيق الموسع الذى أجرته صحيفة الجارديان البريطانية حول جذور وتوابع الأزمة، فهى تبدو قوية جذابة على أرفف العرض، حلوة المذاق، لذيذة النكهة، غنية بالفيتامينات، رخيصة السعر، متوافرة للزراعة.

■ كأس الكيوى المقدسة

تشكل زراعة ثمار الكيوى واحدة من الأعمال التجارية الكبرى فى نيوزيلاندا، بينما تملك شركة «زيسبرى» العملاقة دخلًا تقوم بتشغيله فى السوق، ويقدر بـ 3.9 مليار دولار نيوزيلاندى، أى ما يعادل 1.9 مليار جنيه إسترلينى العام الماضى فقط.

غير أن هناك مجموعة جديدة متنوعة من الكيوى تعتبر الأكثر قيمة، مقارنة بالسلالات الأخرى، ويطلق عليها اسم «ذهب الشمس»، والتى ساعدت على إنقاذ الصناعة المحلية من الكارثة.

ومنيت بساتين الكيوى عام 2010 بالخراب جراء إصابتها بمرض جديد يطلق عليه اسم «بى إس إيه» وانهارات الثمار وتعفنت الأزهار، فكان وحسب تعبير الصحيفة بمثابة «كابوس اقتصادى» كبّد البلاد خسائر تصل إلى 900 مليون دولار نيوزيلاندى، بينما كانت سلالات الكيوى «الذهبية» الجديدة من بين أكثر الثمار تضررا.

وانضمت شركة «زيسبرى» لممولين آخرين واستثمرت ملايين الدولارت بحثا عن بديل، وقامت بتصفية 50 ألف نوع لتقلص العدد فى قائمة قصيرة تشمل 40 نوعا، والتى لم تجد سوى أربعة أنواع فقط طريقها إلى التجارب البستانية، حيث برزت سلالة «جولد 3» الذهبية من بين هذه التجارب التى اجتاحت بدورها أرفف أسواق السوبر ماركت تحت اسم «ذهب الشمس».

لفت تحقيق الجارديان إلى أن صفات هذه السلالة تمثل «الكأس المقدسة» لخصائص ومكونات فاكهة الكيوى، فهى تبدو قوية جذابة على أرفف العرض، حلوة المذاق، لذيذة النكهة، غنية بفيتامين «ج»، رخيصة السعر، متوافرة للزراعة.

بينما كانت سلالة «ذهب الشمس» بمثابة الدجاجة التى تحصل منها الشركة على بيض ذهبى كل يوم، ومن ثم سارعت إلى تسجيل مكليتها الحصرية لها فى جميع البلاد حول العالم، حيث تفوقت هذه السلالة على سواها من الثمار خضراء اللون فى صادرات الكيوى، ومن ثم تمت إعادة بناء صناعة «الكيوى» جزئيا على «أكتاف ذهب الشمس».

سلالة جولد3 تدر دخلاً ضخمًا للسوق النيوزيلاندية وخطوط الإنتاج تعمل بكامل طاقتها

ربما كانت هذه هى «النهاية الذهبية» لكفاح زيسبرى، غير أن شائعة غير سارة سرت فى الأوساط المعنية، تفيد بأن سلالة «ذهب الشمس» ضبطت فى الصين وأنها تزرع هناك، ومن ثم استأجرت الشركة محققين خصوصيين وتحققت من صحة الشائعات وأنها واقع ملموس.

■ مستندات القضية

تعقبت التحقيقات التى شهدتها القضية مصدرها إلى أن توصلت إلى أحد رجال الأعمال والمشروعات واسمه هاويو جاو، الذى اشترى بستان «كيوى» فى مدينة أوبوتيكى الصغيرة فى المنطقة التى تسمى بخليج الوفرة بنيوزيلاندا.

وأشارت مستندات المحكمة إلى أن هذا الرجل قام بتهريب شحنة «ثمينة» من البراعم لـ«سيشوان» الصينية، حيث كان يبيع براعم الإناث مقابل 60 ألف دولار نيوزيلاندى، ولكن «المقامرة» لم تأت فى نهاية المطاف بثمارها، بينما أنكر هو بدوره ارتكاب الجريمة.

لكن المحكمة النيوزيلاندية العليا أصدرت حكمها عليه بالإدانة وأمرته بدفع تعويضات قدّرتها بـ 14 مليون دولار.

وفازت شركة زيسبرى بالمعركة القضائية، ولكنها خسرت الحرب.. حرب السيطرة على انتشار سلالة «جولد 3» الذهبية فى جميع أنحاء الصين، وباءت كل محاولاتها فى إقامة دعاوى قضائية بالفشل فى غياب دعم قوى من حكومة بكين، فى الوقت الذى انتشرت فيه السلالة.

وكتبت الشركة، فى تقرير حديث للمزارعين، أن المنطقة التى تخضع للزراعة غير المشروعة تضاعفت فى الفترة ما بين 2019 و2021، لتصل المساحة إلى 5200 هيكتار.

وأكد التقرير أن سلالة «جولد 3» تنتشر بسرعة فى الصين دون ترخيص، حسبما يتضح من مسار القضية، كما أن الدولة تتجه إلى إنتاج ما بين 30 و90 مليون «صينية» من ثمار الفاكهة، ومن ثم سوف تنتج الكميات التى تصدرها نيوزيلاندا إلى الصين، والتى بلغت 30 مليون صينية فى الموسم الماضى.

■ اقتراح جرىء

هذه الفاكهة على أى حال صينية الأصل، وجاءت إلى نيوزيلاندا فى عام 1904، وازدهرت فى المناخ المحلى، وبدأت البلاد فى تصديرها فى حقبة الخمسينيات.

وفى لحظة من العبقرية التسويقية، قام المصدرون بصياغة اسم جديد لها وهو «فاكهة الكيوى»، وذلك على اسم طائر نيوزيلاندا «الأيقونى» الشهير الذى تشترك معه فى شعره الأزغب الذى يمتاز بلون البنى الخارجى.

وأصبحت الفاكهة تدريجيًا وفى الأوروبيين والأمريكيين، «صنوا مرادفا» لنيوزيلاندا، التى تجد نفسها اليوم فى موقف صعب.

بينما اقترحت شركة زيسبرى صفقة «جريئة» على المزارعين مفادها: «إذا هزمته فضمه إليك أو على الأقل اشتره»، فهم بدلًا من السعى وراء البساتين غير القانونية، يقترحون تجربة الشراء لمدة عام كامل وتسويق فاكهة الكيوى «الزائفة» التى زرعت فى الصين تحت ماركة «زيسبرى». لكن ثمة قرارا سيتم التوصل إليه الأسبوع المقبل، حسب الجارديان، حيث يقوم المزارعون بالتصويت على اتباع استراتيجية المواجهة أو التعاون من جيل جديد من المزارعين الصينيين.

وقال مدير مركز نيوزيلاندا لأبحاث الصين المعاصرة، ربما خرج الأمر عن حد السيطرة، موضحا أن مسألة زيسبرى هى جانب واحد مما يحدث إذا فقدت السيطرة على حقوق الملكية الفكرية فى السوق الصينية.

■ براجماتية أم مبدأ؟

يلقى الصراع المشتعل بسبب ثمرة الكيوى الضوء على أساليب البراجماتية المتنافسة والمبدأ، فى وقت واجهت فيه نيوزيلاندا اتهامات بالممالأة والمداراة تجنبًا للإساءة للصين.

كما أن الصراع يوضح الصعوبة التى يواجهها لاعب جيوبوليتيكى صغير فى مواجهة خصم ضخم، مما يضعف قوة نيوزيلاندا أمام أكبر شركائها التجاريين.

لكن أستاذ القانون الدولى أندرو جيلسبى، قال إن كلمة «صغير» تفرط فى تأكيد مدى ما نحن عليه من حجم كبير، فدفع القضية بقوة من شأنه أن يغضب بكين، فمثل جميع القضايا القانونية يمكنك الفوز نظريًا، لكن ثمن الفوز أكبر مما يمكن أن تحققه، فقد يجدون أنفسهم وسط عاصفة هائلة، بينما تكون العواقب النهائية أكبر من هذه القضية التى تتعلق بالملكية الفكرية.

وقال البروفيسور هونجزى جاو، بكلية التجارة الدولية جامعة فيكتوريا، إن هذا فى حقيقة الأمر اختبار للعلاقة بين البلدين، هناك فرصة أمام النيوزيلاندية لأن تطرح قضية بالغة الوضوح أمام الحكومة المركزية الصينية.

■ الموقف الصينى

تعبر هذه القضية بالنسبة للصين عن الإرادة السياسية أكثر من أى شىء آخر، فالحكومة المركزية لديها تأكيد سياسى ضخم على التنمية، خاصة التنمية الريفية وعلى معالجة قضايا الفقر داخل الصين، وهو ما يعنى أن بكين أقل ميلًا لفرض تدابير صارمة على الفلاحين الذين تبنوا نوعا جديدا من الكيوى الشعبى الذى يدر إنتاجا كبيرا.

وقالت شركة «زيسبرى»، فى بيان لها، إنها تسعى إلى حل تجارى، الذى يمكن أن يكون انحيازا للصناعة الصينية، ومن شأنه أن يمنحنا أفضل فرصة لدخل ناجح، فمثل هذا الحل يحتاج إلى عمل من الجانبين كى يؤتى ثماره.

وعقب هاويو جاو، صاحب بستان الكيوى فى خليج الوفرة، بأن ذلك «بالغ السذاجة»، فأنت تعتمد على السلطات المحلية فى حماية مصالحك، ولكن ماذا إذا لم يفعلوا ذلك؟ لافتا إلى أنه من الواضح أن زراعة ثمار «ذهب الشمس» فى الصين تنفذ مع موافقة ضمنية من جانب الحكومات المحلية، فهذه زراعة واسعة النطاق وليست فردية.

ربما تشعر بكين بدرجة من الضغط لحماية صورتها العالمية، لكن الدولة ومسؤولى الحكومة المحلية أقل ميلا بكثير للتقيد بالتزامات الصين الدولية أو بسمعتها، وفقًا لـ«جاو»، الذى أضاف أن مسؤولى الحكومة المحلية لا يعبأون باتفاقية التجارة الحرة بين نيوزيلاندا والصين، «فلديك قوة ضعيفة للغاية لاستمالة السلطات المحلية إلى جانبك، وذلك لأنهم ليسوا فى صفك، إنهم ينحازون إلى المزارعين المحليين».

المصرى اليوم