ذاكرة الكتب .. أجرأ الاعترافات فى الأدب العربى بـ«أوراق العمر» لـ«لويس عوض»

ذاكرة الكتب .. أجرأ الاعترافات فى الأدب العربى بـ«أوراق العمر» لـ«لويس عوض» ذاكرة الكتب .. أجرأ الاعترافات فى الأدب العربى بـ«أوراق العمر» لـ«لويس عوض»

اشترك لتصلك أهم الأخبار

لويس عوض.. مفكر ومترجم وناقد ومؤرخ مصرى، مناضل مصرى، حارب جمود الفكر وتقديس ماضى الثقافة العربية، كما خاض الكثير من المعارك الفكرية التى أدخلته فى متاعب أحدثت زوبعة فى الأوساط الدينية بكتابه «مقدمة فى فقه اللغة العربية». وفى عام 1989 صدر كتاب «أوراق العمر.. سنوات التكوين» سيرة ذاتية متميزة، وصفت بأنها الأجرأ فى أدب الاعترافات العربى، لما تميز به لويس فى سرده بالصراحة والشفافية والحرص على تقديم الحقائق بألوانها دون تزيينها أو تلوينها.

تجاوز لويس عوض سرد قصته وعائلته وحياة المحيطين به، لتصبح مذكراته وثيقة تاريخية مزجت بين الذاتى والموضوعى وتحمل فى ثناياها توثيقا لتاريخ الاجتماعى والسياسى، تعطى صورة عامة عن مصر فترة الثورات خاصة فى النصف الأول من القرن العشرين.

وعندما صدرت السيرة الذاتية للويس عوض، رأى فيها بعض المثقفين إضافة حقيقية للسيرة الذاتية، لما تضمنته من اعترافات. إلا أنها راكمت أثرا سلبيا فى علاقة لويس عوض بأخيه الأصغر رمسيس عوض. ففى أوراق العمر لم يتردد لويس عوض أن يكشف طبيعة علاقته بأسرته، مما اعتبره أخوه رمسيس تشهيرا.. كما أن لويس قلل من القيمة العلمية لإنتاج أخيه.. وهذا ما كان يؤلمه ويجرحه.

لقد رأى بعض المبدعين فى هذه السيرة وجهًا حقيقياً للسيرة الذاتية، لما جاء فيها من مساحات كبيرة من البوح، تلك المساحات التى مثلت عنصر إزعاج لآخرين، فى مقدمتهم الناقد رمسيس عوض، شقيق لويس، الذى خاض حملة إعلامية مضادة، لما تضمنته الأوراق لما سماه رمسيس وقتها «فضائح».

ويبدو أن الأمر لم يكن يخص رمسيس عوض ومذكرات أخيه وحدهما، لكن الإشكالية تكمن فى فعل البوح ذاته والتصريح بالمسكوت عنه، لأن هذا المسكوت عنه غالباً لا يخص الراوى له فقط، إنما تظل تتسع الدائرة لتشمل أناساً ربما لم تكن لديهم نفس الرغبة فى البوح، أو أنهم يفتقدون الجرأة عليه.

وهناك سؤال هل كان هناك جزء آخر خطه لويس عوض استكمالا لسيرته الذاتية.. فسنوات التكوين تتوقف عند عام 1937، عام تخرجه فى جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليا).. وأعتقد أن اختيار لويس لعنوان «سنوات التكوين» يوحى بأن ثمة جزءا آخر من أوراق العمر كان فى طريقه للنشر يتناول فيه سيرته العلمية والعملية منذ رحلته الأولى لاستكمال دراسته فى جامعة كامبردج فى بريطانيا وعودته للقاهرة أستاذا فى جامعتها.

لقد التزمت هذه السيرة مبلغا كبرا من الجرأة والمكاشفة والاعتراف، فها نحن نقرأ فى موضع منها: ذات ليلة فى نحو التاسعة سمعت صياحاً عالياً وجلبة شديدة وكراسى تتحرك فى الصالة، خرجت لأستطلع، فرأيت أبى واقفاً فى حالة هياج شديد، والشتائم المقذعة تتدفق من فمه موجهة إلى أمى، وأمى تحاول تهدئته بعبارتين لا تزيد عليهما: «إنت غلطان.. مش كده؟» وحاولت لدقيقة أو دقيقتين أن أفهم من سياق الكلام ماذا كان موضوع الشجار فلم أفلح. فتدخلت مهدئاً بقولى: «خلاص يا بابا، روح نام، يظهر إنك النهارده شربت شوية زيادة». فأجابنى دون أن يلتفت إلىّ: «إنت حمار مش فاهم حاجة». وبدلاً من أن يهدأ ازداد هياجه، وإذا به يندفع إلى المطبخ ويعود بساطور أشهره فى وجه أمى مهددا بقتلها وتطور الموقف بسرعة. كان فى حالة سكر بيّن، عينان حمراوان، ووجه محتقن، والنبيذ يفوح من فمه. حاولت إبعاده عنها بيدى لكنه دفعنى بعيدا وعاد يواجه أمى وقد رفع الساطور وكأنه وحش كاسر، فرفعت كرسياً من كراسى السفرة وتوسطت بينه وبين أمى صائحاً به: «لو تقدمت خطوة لضربتك بالكرسى.. ضع الساطور على السفرة».

يقول رمسيس عوض بعد وفاة لويس: لا أعتقد أن لويس عوض كان موفقاً فى التشهير بعائلته فى كتابه (أوراق العمر) فهناك فى كل عائلة أشياء سلبية أضعاف ما هو موجود فى أوراق العمر، وأنا مازلت أحمل العرفان بالجميل لشقيقى الأكبر لويس عوض لأنه تولى الإنفاق على تعليمى بالجامعة، بل هو الذى أدخلنى قسم اللغة الإنجليزية الذى لم أكن أرغب فيه بسبب ميولى للصحافة.. وبسبب اهتمامى بالفلسفة من ناحية أخرى. ألوم لويس عوض انتقاده لكتبى التى وصلت إلى خمسة عشر كتاباً قبل رحيله، ولم يكن موفقاً فى تقدير قيمتى العلمية، ولم يكن يتصور أن عدد كتبى سوف يفوق إنتاجه بكثير الذى لم يتجاوز سبعة وخمسين كتاباً فى حين أن عدد كتبى تجاوز السبعين ربما كان ورثة لويس عوض امتنعوا عن نشر الجزء الآخر من أوراق العمر. ناهيك عن مصادرة ما تبقى من نسخ سنوات التكوين بعد وفاته. وهذا حرم القراء من فرصة الاطلاع على سيرة ورؤى لويس عوض فى مراحل التغيير الأخطر فى مصر.

وفى فصل بعنوان «ثمانية بروفايلات» يرسم لويس عوض عدة بورتريهات لأفراد أسرته ويتحدث عن أسرته بجرأة وشفافية فيقول: «شاكر طفل ولم تقبله المدرسة الابتدائية، به اختلال فى قواه العقلية، أخته مرجريت التى يصفها بالعبيطة.. شقيقته مادلين التى اعتنقت الإسلام وتزوجت مسلما، وكان لويس هو الوحيد الذى لم يقاطعها، أخوه فيكتور من دعاة القوة كان لا يفهم فى السياسة.. ويؤمن بأن مصر فرعونية وكان لا يحب العرب، ويؤمن بأنهم كبقية من استعمروا مصر.. يكمل حكاياته لآخر أفراد أسرته وهو رمسيس الذى أصاب بعض الشهرة بين المثقفين المصريين بوصفه باحثا جادا فى الأدب».

يتطرق لأشهر القضايا طوال فترة دراسته وفترة صباه مثل «ريا وسكينة» ظلت حديث الشارع المصرى، كذلك قضية مرجريت فهمى التى شغلت الرأى العام.. وأدهم الشرقاوى الذى تجمعت حوله أسطورة جعلته موالا شعبيا..

تحدث لويس عوض عن ثلاثة أساتذة أثّروا فى تكوينه الثقافى: العقاد، طه حسين، سلامة موسى.

المصرى اليوم