أخبار عاجلة

دار المعارف تُعيد طبع مذكرات عميد المسرح العربى يوسف وهبى «عشت ألف عام»

اشترك لتصلك أهم الأخبار

اجتهدت در المعارف فى سبيل إحياء وتجديد عدد من مشروعاتها المهمة، المتمثلة فى إعادة نشر الكتب المهمة لإعادة توثيق هذه الكتب وإحياء سيرة ومسيرة أصحابها، ويمثل هذا المشروع، بل هذه الرسالة المتمثلة فى إعادة إحياء التراث، من الأولويات التى حرص على تحقيقها سعيد عبده مصطفى، رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار المعارف العريقة، إيمانا بنشر الوعى الثقافى فى والوطن العربى، وتجديد ذاكرة المواطن العربى وتعريف الأجيال الجيدة بالرموز المصرية فى كل مجال، ومنذ أعوام وتحرص دار المعارف على إعادة إصدار الكتب المهمة فى تاريخ الفكر والأدب العربى من التى تمثل علامات، وكان من أحدث الإصدارات فى سلسلة الكتب الثقافية التى يشرف عليها ياسر محمد على إعادة إصدار مذكرات عميد المسرح العربى يوسف وهبى، والتى كانت دار المعارف هى الدار التى نشرت أولى طبعات هذه المذكرات وأعادت إصدارها أكثر من مرة، كانت آخر طبعة منها فى عام 1976، وهذه المذكرات لا تقتصر على كونها مذكرات جريئة لفنان كبير، وإنما تمثل توثيقا موازيا لتاريخ المسرح المصرى فى مراحله الأولى، وتقع المذكرات فى ثلاثة أجزاء تم جمعها فى كتاب واحد، وتضم ملحقا غنيا بالصور النادرة لعميد المسرح العربى يوسف وهبى فى أعماله المسرحية والسينمائية، مما يمثل ذاكرة بصرية وفوتوغرافية لأهم محطات هذه السيرة، غير أن دار المعارف جمعت الأجزاء الثلاثة من هذه السيرة فى جزء واحد يضم المذكرات الكاملة لعميد المسرح المصرى، فنان الشعب الذى طالما أسعد بفنه الملايين، وغنى عن البيان أن العهدة فى مثل هذه المذكرات تكون دائما على صاحبها وراويها، استنادا إلى ما قد يكون دوّنه- فى حينه- فى أوراقه أو مفكراته من بيانات، يكملها الاعتماد على الذاكرة- باعتبارها سمة أساسية من سمات السيرة الذاتية- فى بعض الأحيان.

يوسف وهبى وفاتن حمامة

ولعل من المنطلقات والدوافع الأخرى وراء إصدار دار المعارف هذه المذكرات أن العالم فى الأعوام الأخيرة قد قرأ مذكرات عملاق السينما العالمية (تشارلى تشابلن)، ومذكرات عملاق الفن الغنائى والاستعراضى (موريس شيفالييه)، وفى كل عام تصدر فى العالم عشرات الكتب التى تتناول المذكرات الشخصية أو (السيرة الذاتية) لعظماء العالم فى كل مجالات التفوق الامتياز.

ياسر معارف

ومن هنا، يسر مؤسسة دار المعارف فى هذا المقام، وبانفراد حصرى، أن تقدم لقرائها، مذكرات عملاق المسرح المصرى، وفنان الشعب (يوسف وهبى)، إيمانا منا بأن حياة كل شخصية عامة إنما هى من قبيل (الملكية العامة) للجماهير العريضة، بمعنى أن من حق الجماهير على الرواد البارزين فى كافة المجالات أن تنتفع بخبراتهم وتجاربهم، وتتعظ بالدروس التى تعلموها من الحياة والأيام. لقد ارتقى يوسف وهبى بالفن واستطاع أن يطور الفن ويحوّل الفنان من مجرد مشخصاتى لا تُقبل شهادته فى المحاكم إلى صاحب مهنة نبيلة، فأصبح عميدا للمسرح العربى، يستحق لقب «فنان الشعب» بجدارة، فكتب مذكراته «عشت ألف عام» التى تعتبر الأجرأ فى تاريخ الفن، ومع ذلك يقول بعض النقاد إنه أخفى الكثير منها. كان أبوه يريده أن يصبح فلاحا مثله، ولكن عشقه للتمثيل دفعه بعيدا تماما عن هذا الطريق، ووسط دهشة عائلته كلها التحق بالسيرك للعمل كممثل، وهكذا انتقل من أعلى طبقة فى المجتمع إلى أدنى طبقة وهى طبقة «المشخصاتية» التى لم يكن معترفا بشهادتها أمام محاكم الدولة فى ذلك الوقت. وكرد فعل طبيعى «للعار» الذى لحق بسمعة عائلته من جراء فعلته، قام والده بطرده من بيت العائلة، وألحقه بالمدرسة الزراعية فى محاولة منه «لإصلاحه وتهذيبه». لم يستجب يوسف وهبى وهرب إلى إيطاليا لتعلم المسرح، ولكى يهرب من ملاحقة عائلته قام بتغيير اسمه إلى «رمسيس»، ولم يعد إلى مصر إلا بعد أن وصله خبر وفاة والده الباشا، الذى توفى وترك له ولأخوته ثروة كبيرة.

يوسف وهبى

بعد أن تسلم هذه النقود قام يوسف وهبى بإنشاء فرقة مسرحية خاصة وأطلق عليها فرقة رمسيس، وقرر أن يقدم بها شيئا مختلفا عما يقدمه مشاهير المسرح فى ذلك الوقت، مثل على الكسار ونجيب الريحانى، بعد أن قام بدراسة أعمالهما دراسة متأنية، وأطلق عليه فى تلك الفترة من بداياته لقب «رسول العناية الإلهية» الذى سوف ينهض بفن التمثيل فى مصر. وبعد بداية قوية فى المسرح دخل يوسف وهبى إلى السينما متأخرا قليلا، وذلك بسبب إعطائه المسرح الجزء الأكبر من اهتمامه، وبسبب آخر أهم، وهو العداء الذى نشأ بينه وبين الصحافة والرأى العام، عندما قرر تجسيد شخصية النبى «محمد» على شاشة السينما، وهو ما أثار حفيظة الجمهور والنقاد، بل والعاملين بالمجال السينمائى نفسه.

عمل بعد ذلك يوسف وهبى كمؤلف لثلاثة أفلام متتالية «ليلة ممطرة» «ليلى بنت الريف» و«ليلى بنت المدارس» كلها من إخراج توجو مزراحى، وبعد نجاحهم جميعا قام يوسف وهبى بإخراج فيلم «غرام وانتقام» الذى قام فيه بدور العاشق صغير السن، برغم كونه قد بلغ من العمر حينئذٍ السادسة والأربعين تقريباً. وقد حصل بسبب إحدى أغانى هذا الفيلم على لقب «بك»، لأنها كانت تمجد فى ذات العائلة المالكة. حصل يوسف وهبى أيضا على وسام تقدير من مجلس قيادة الثورة ودرجة الدكتوراة الفخرية عن مجمل عطائه للفن المصرى.

فى عام 1979م قام يوسف وهبى بتمثيل دور اليهودى العجوز الذى يعشق مصر بعد أن عاش كل حياته بها، وذلك فى فيلم إسكندرية.. ليه؟، وهى المرة الأولى التى يقوم فيها ممثل بأداء شخصية اليهودى بعد ثورة 1952م، وقد أظهر فى هذه الشخصية إحساسا مرهفا مدعما بخبرة سنين طويلة من الإبداع والفن.

بداياته الفنية

شغف يوسف وهبى بالتمثيل لأول مرة فى حياته عندما شاهد فرقة الفنان اللبنانى سليم القرداحى فى سوهاج، وبدأ هوايته بإلقاء المونولوجات وأداء التمثيليات بالنادى الأهلى والمدرسة، ثم سافر إلى إيطاليا بعد الحرب العالمية الأولى بإغراء من صديقه القديم محمد كريم، وتتلمذ على يد الممثل الإيطالى كيانتونى، وعاد إلى مصر سنة 1921 بعد وفاة والده، حيث حصل على ميراثه عشرة آلاف جنيه ذهبى بالتساوى مع إخوانه الأربعة، ثم انضم للعمل فى فرقتى حسن فايق وعزيز عيد كبداية لحياته الفنية على سبيل الهواية وليس الاحتراف، ولكن واجهت هاتان الفرقتان المسرحيتان العديد من المشاكل المالية، لذلك ذهب عزيز عيد مع مختار عثمان إلى يوسف وهبى فى إيطاليا كمحاولة لإقناعه بالعودة إلى مصر ومتابعة المشروع الفنى الذى يسعون من أجله، وكان يوسف وهبى الممول الأول لهذا المشروع، حيث إنه بواسطة المال الذى ورثه كان وهبى يهدف إلى ما اعتقده تخليص المسرح من الهاوية التى رآها قد نتجت من الشعرِ الراقص لنجيب الريحانى وعلى الكسار، فأنشأ شركة مسرح باسم فرقة رمسيس فى نهاية عشرينيات القرن الماضى.

بداية دخوله عالم السينما (1930)

فى عام 1930م، وبالتعاون مع محمد كريم، أنشأ وهبى شركة سينمائية باسم رمسيس فيلم، التى بدأت أعمالها بفيلم زينب سنة 1930م، والذى كان من إنتاجه وإخراج محمد كريم، وفى عام 1932م أنتج أولاد الذوات الذى كان أول فيلم عربى ناطق وكان الفيلم مقتبسًا عن إحدى مسرحياته الناجحة، حيث قام بكتابة النص وقام ببطولة الفيلم، كما قام محمد كريم أيضا بإخراجه، ثم كتب فيلمه الدفاع سنة 1935م، ليخرجه هذه المرة بنفسه بالتعاون من المخرج نيازى مصطفى، حتى بلغ به التكامل الفنى إلى تلحين أغانى هذا الفيلم، ثم فى عام 1937م قدم فيلمه الثالث المجد الخالد، وهذه المرة كان هو الكاتب والبطل والمخرج، ثم قدم فيلم ساعة التنفيذ 1938م، من بطولته وتأليفه وإخراجه، وبذلك قدم يوسف وهبى مجموعة من أوائل أفلام السينما المصرية، فكان عدد الممثلين السينمائيين قليلا، وكانت الأفلام غالبًا ما تكون من بطولة يوسف وهبى أو نجيب الريحانى أو على الكسار فى فترة الثلاثينيات. بعد ذلك بدأ يوسف وهبى فى تقديم ثنائى ناجح مع المطربة والممثلة الشابَّة فى ذلك الوقت ليلى مراد، حيث شارك معها فى ثلاثة أفلام متتالية هى ليلة ممطرة 1939م، وليلى بنت الريف 1941م، وليلى بنت المدارس 1941م، وكانت هذه الأفلام من إخراج توجو مزراحى.

كما لم يشغل يوسف وهبى دخوله عالم السينما عن استكمال مشواره المسرحى، حيث قدم فى عام 1939م ست مسرحيات وهى: ناكر ونكير، الشبح، العدو الحبيب، ابن الفلاح، يد الله، ألف ضحكة وضحكة.

ثم عرضت المذكرات لهوايات ومعتقدات ومغامرات عميد المسرح العربى بما فى ذلك علاقات وهبى النسائية التى لم تكن الشىء الوحيد الذى أتعب زوجته، بل كان يوجد شىء أكثر إيذاءً لروحها، وهو إدمانه لعب القمار أو «البوكر» ورهانه على سباقات الخيل وخسائره الفادحة التى بدد فيها أمواله فى سنواته الأخيرة.

وفاته

توفى فى 17 أكتوبر عام 1982م، بعد دخوله لمستشفى المقاولون العرب إثر إصابته بكسر فى عظام الحوض نتيجة سقوطه فى الحمام، توفى أثناء العلاج إثر إصابته بسكتة قلبية مفاجئة، وكان إلى جواره عند وفاته زوجته وابنها. وقد ودعه محبو فنه بعد حياة حافلة بالإبداع، وتخليداً لذكراه تكونت فى مسقط رأسه الفيوم جمعية تحمل اسمه هى «جمعية أصدقاء يوسف وهبى»، وأقيم له تمثال أمام مقر هذه الجمعية بحى الجامعة بالفيوم على رأس الشارع الذى يحمل اسمه.

ومن أجواء هذه السيرة الغنية: «ذات ليلة منذ بضعة أشهر - سمعت دويا فى أذنى.. ثم اهتز سریری، ففتحت عينى وأنا بين السبات واليقظة.. فلمحت على أشعة القمر التى تتسرب من نافذة غرفة نومی شبحا.. وعندما دققت النظر بدا لى هذا الشبح كصورة طبق الأصل منى.. فارتجفت.. وهمهمت:

- من أنت؟

- أنا حاضرك.

- حاضری؟! وماذا تريد؟

- جئت لأعاتبك على كسلك وإهمالك فى تسجيل ماضيك.

- ماضىّ؟

- نعم.. ماضيك.

- أنت محق. كثيرا ما أمسكت القلم وأنا معتزم أن أكشف عن ماضىّ الستار. ومرارا ملأت عنه صفحات. وفى كل مرة أتوقف، بل أمزق ما دونت، لأن تاریخ حياتى يحتاج إلى كل وقتی.. والتفكير فيه يضنینی ویهد كیانی.

- سألازمك من الآن ولن أدعك حتى تنتهى منها.

- إنها مسؤولية خطيرة.. وأسرار طواها الزمن ويشوبها عدم الاستقرار.. إنها مسيرة طويلة وعمر عشته طولا وعرضا.. وكثيرا ما أسأل نفسى.. كيف صمدت بمفردی وبدون عون من أى مخلوق على اجتياز الصعاب التى مرت بى؟».

أسرار كثيرة ومثيرة - مدعمة بألبوم من الصور النادرة - تقدمها دار المعارف، ستتعرف إليها من خلال هذا الكتاب الذى يعد من أهم الوثائق التى قدمها وهبى لجمهوره - كما هى - دون زيادة أو نقصان منا - والتى تعد مرجعا فنيا وتاريخيا لأهم شخصيات الفن بأكمله، والذى طالما تربع على عرشه لفترة طويلة من الزمن.

المصرى اليوم