أخبار عاجلة

تحليل.. الرأسمالية تواجه أزمة ثلاثية

تحليل.. الرأسمالية تواجه أزمة ثلاثية تحليل.. الرأسمالية تواجه أزمة ثلاثية

مباشر - سالي إسماعيل: تواجه الرأسمالية ثلاث أزمات كبرى على الأقل، حيث أدت الأزمة الصحية الناجمة عن الوباء سريعاً إلى إثارة أزمة اقتصادية ذات عواقب غير معروفة حتى الآن على الاستقرار المالي.

وكل ذلك يحدث على خلفية أزمة مناخية لا يمكن معالجتها من خلال "العمل كالمعتاد"، وفقاً لرؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت" لأستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة "ماريانا مازوكاتو".

وحتى قبل شهرين فقط، كانت الأخبار الإعلامية مليئة بالصور المخيفة لرجال الإطفاء المغمورين وليس مقدمي الرعاية الصحية المغمورين.

وكشفت هذه الأزمة الثلاثية عن مشاكل عديدة تتعلق بكيفية تنفيذنا للرأسمالية، كما أن جميعها يجب حلها في نفس التوقيت الذي يشهد معالجتنا لحالة الطوارئ الصحية الفورية.

وبخلاف ذلك، سنقوم ببساطة بحل المشاكل في أحد الاتجاهات بينما نعمل على خلق مشاكل جديدة في مكان آخر، وهذا هو ما حدث مع الأزمة المالية عام 2008.

وأغرق صناع السياسة العالم بالسيولة بدون توجيهها نحو فرص استثمارية جيدة، ونتيجة لذلك انتهى الحال بالأموال بالعودة إلى القطاع المالي الذي كان (ولا يزال) غير صالح لهذا الغرض.

وتكشف أزمة "كوفيد-19" المزيد من العيوب في الهياكل الاقتصادية الخاصة بنا، وليس أقلها دخل العمل غير الآمن على نحو متزايد، بسبب زيادة الاقتصاد القائم على العمل المؤقت وتدهور القوة التفاوضية للعمال والتي دامت لعقود طويلة.

وببساطة، لا يُعد العمل عن بعد خياراً متاحًا لمعظم العمال، ورغم أن الحكومات تقدم بعض المساعدات للعاملين بعقود دائمة، إلا أن العاملين لحسابهم الخاص قد يجدون أنفسهم متروكين في موقف صعب بدون أيّ مساعدة.

والأسوأ من ذلك أن الحكومات تقدم الآن قروضاً للشركات في الوقت الذي تسجل فيه الديون الخاصة مستويات تاريخية مرتفعة بالفعل.

وفي الولايات المتحدة، بلغ إجمالي ديون الأسر 14.15 تريليون دولار قبل الأزمة الحالية مباشرة، وهو ما يعتبر أعلى بنحو 1.5 تريليون دولار مما كان عليه الوضع في عام 2008 (من حيث القيمة الاسمية).

وينبغي ألا ننسى أن الديون الخاصة المرتفعة كانت السبب في إثارة الأزمة المالية العالمية.

ولسوء الحظ، على مدى العقد الماضي قامت العديد من الدول بإتباع سياسة التقشف، كما لو كان الدين العام هو المشكلة.

وكانت النتيجة تقويض مؤسسات القطاع العام التي نحتاجها من أجل التغلب على الأزمات مثل وباء كورونا.

ومنذ عام 2015، خفضت المملكة المتحدة الموازنات المخصصة لقطاع الصحة العامة بمقدار مليار جنيه إسترليني (1.2 مليار دولار)، مما يزيد العبء على الأطباء في التدريب (غادر العديد منهم خدمة الصحة الوطنية تماماً)، مما أدى لخفض الاستثمارات طويلة الآجل اللازمة لضمان أن المرضى يتلقون العلاج في منشآت آمنة وحديثة ومزودة بالموظفين بالكامل.

وفي الولايات المتحدة - التي لم يكن لديها من قبل نظام صحة عامة ممول على النحو اللائق - كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد تحاول باستمرار خفض التمويل والقدرة لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية من بين المؤسسات الهامة الأخرى.

وعلاوة على هذه الجروح الذاتية، كان قطاع الأعمال الذي تغول بشكل مفرط ينتزع القيمة من الاقتصاد عبر مكافأة المساهمين من خلال خطط إعادة شراء الأسهم بدلاً من دعم النمو على المدى الطويل من خلال الاستثمار في البحث والتطوير والأجور وتدريب العمال.

ونتيجة لذلك، تم استبعاد الأسر من الدعم المالي، مما جعل الأمر أكثر صعوبة لتحمل تكاليف السلع الأساسية مثلما هو الحال مع الإسكان والتعليم.

وتكمن الأنباء السيئة في أن أزمة "كوفيد-19" تؤدي إلى مفاقمة كل هذه المشاكل، أما الأخبار السارة فتتمثل في أنه يمكننا استغلال حالة الطوارئ الحالية لبدء بناء أكثر شمولاً واستدامة.

والغاية لا تكمن في تأجيل أو عرقلة الدعم الحكومي، بل تنظيمه بشكل صحيح.

وينبغي أن نتفادى أخطاء فترة ما بعد عام 2008، عندما سمحت خطط الإنقاذ للشركات بجني أرباح أعلى بمجرد انتهاء الأزمة لكنها فشلت في وضع الأساس لتعافي قوي وشامل.

وهذه المرة، يجب أن تأتي إجراءات الإنقاذ مرفقة بشروط.

والآن، بعدما عادت الدولة إلى القيام بدور قيادي، يجب أن يتم اعتبارها الأساس وهو ما يعني تقديم حلول فورية لكنها مصممة بطريقة تخدم المصلحة العامة على المدى الطويل.

وعلى سبيل المثال، يمكن وضع شروط لدعم الحكومات للشركات، حيث يفترض أن يطلب من الشركات التي تتلقى خطط إنقاذ الاحتفاظ بالعمال والتأكد من أنه بمجرد انتهاء الأزمة، فإن تلك الشركات ستقوم بالاستثمار في تدريب العمال وتحسين ظروف العمل.

والأفضل من ذلك، كما هو الحال في الدنمارك، ينبغي على دعم الشركات لمواصلة دفع الأجور حتى عندما لا يعمل العمال، وفي نفس الوقت مساعدة الأسر على الاحتفاظ بدخولهم ومنع انتشار الفيروس إضافة إلى جعل من السهل على الشركات استئناف الإنتاج بمجرد انتهاء الأزمة.

وعلاوة على ذلك، يجب أن تكون خطط الإنقاذ مصممة لتوجيه الشركات الكبيرة نحو مكافأة سلوك خلق القيمة بدلاً من استخراج القيمة، ومنع عمليات إعادة شراء الأسهم وتشجيع الاستثمار في النمو المستدام وتقليل الانبعاثات الكربونية.

وبعد أن أعلنت الشركات في العام الماضي أنها ستتبنى نموذج قيمة لأصحاب المصلحة، فإن هذه هي فرصة المائدة المستديرة للشركات لدعم أقوالها بالأفعال.

وإذا كانت الشركات الأمريكية ما زالت بطيئة في اتخاذ خطوات كهذه، فيجب أن نكشف عملية الخداع التي تقوم بها.

وعندما يتعلق الأمر بالأسر، ينبغي على الحكومات أن تنظر إلى ما هو أبعد من القروض، بل إلى احتمالية تخفيف أعباء الديون خاصةً بالنظر إلى المستويات المرتفعة الخالية من الديون الخاصة.

وكحد أدنى، ينبغي تجميد مدفوعات الدائنين حتى يتم حل الأزمة الاقتصادية واستخدام عمليات ضخ السيولة النقدية المباشرة لهؤلاء الأسر الذين هم في أشد الحاجة للكاش.

ويجب على الولايات المتحدة تقديم ضمانات حكومية لدفع ما يتراوح بين 80 إلى 100 بالمائة من أجور الشركات المتعثرة، كما فعلت المملكة المتحدة والعديد من دول الاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية.

ولقد حان الوقت كذلك لإعادة التفكير في الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ويمكن أن تصبح الجهود المبذولة لتطوير لقاح "كوفيد-19" علاقة أخرى أحادية الاتجاه، حيث تجني الشركات أرباحاً ضخمة من خلال بيعها مجدداً للجمهور في هيئة منتج ناجم عن الأبحاث الممولة من دافعي الضرائب.

وفي واقع الأمر، على الرغم من الاستثمارات العامة الكبيرة لدافعي الضرائب الأمريكيين في تطوير اللقاحات، إلا أن وزير الصحة الأمريكي "أليكس عازار" اعترف مؤخراً بأن علاج أو لقاحات "كوفيد-19" المطورة حديثاً قد لا تكون في متناول كافة الأمريكيين.

ونحن بحاجة ماسة إلى حكومات تستثمر أكثر في الابتكار، بدايةً من الذكاء الاصطناعي وحتى الصحة العامة إلى مصادر الطاقة المتجددة.

ولكن كما تذكرنا هذه الأزمة، نحتاج كذلك إلى دول تعرف كيف تتفاوض حتى تعود فوائد الاستثمارات العامة على عامة الشعب.

وكشف الفيروس المميت عن مواطن ضعف كبيرة داخل الاقتصادات الرأسمالية الغربية.

والآن بعدما أصبحت الحكومات في حالة حرب، لدينا فرصة لإصلاح النظام.

وإذا لم نفعل ذلك، فلن تكون لدينا فرصة ضد الأزمة الكبرى الثالثة - عالم غير قابل للسكن بشكل متزايد - وجميع الأزمات الأصغر التي ستصاحبها في السنوات والعقود القادمة.

مباشر (اقتصاد)

مباشر (اقتصاد)