العريان يوضح: كيف نربح الحرب ضد الكساد بدون أخطاء الماضي

العريان يوضح: كيف نربح الحرب ضد الكساد بدون أخطاء الماضي العريان يوضح: كيف نربح الحرب ضد الكساد بدون أخطاء الماضي

مباشر - سالي إسماعيل: بعد بضعة أسابيع من تفشي وباء "كورونا"، وجدت أقوى البنوك المركزية في العالم نفسها مدفوعة بقوة إلى وضع إدارة الأزمات.

ويعتقد المستشار الاقتصادي في مجموعة أليانز العالمية محمد العريان خلال رؤية تحليلية نشرها موقع "بلومبرج أوبينيون" أن الأزمة الحالية لا يفترض أن ينتهي بها الحال كما كان الوضع في الأزمة السابقة.

وتعتبر كيفية الخروج من حالة الطوارء الحالية - ومدى تأثير ذلك على استقلاليتهم السياسية ووظيفتهم ومصداقيتهم - هي أمور تتعلق بدرجة أقل بالبنوك المركزية وأكثر بما يحدث حولهم.

وبعد العصر الذهبي الذي تم فيه تكريس جهود البنوك المركزية للتغلب على تسارع التضخم، وأحياناً لمواجهة التقلبات في دورات الأعمال، وجدوا سمعتهم مشوهة بالأزمة المالية لعام 2008 والركود الاقتصادي الذي أعقب ذلك.

وساعدت سياسة "القيام بكل ما يتطلبه الأمر" المتشددة البنوك المركزية على الفوز بهذه الحرب، أيّ الأزمة العالمية، في نهاية المطاف.

لكن الاعتماد المفرط والمطول على البنوك المركزية الذي أعقب ذلك - نتيجة لفشل الدول الأكثر تقدماً في التحول نحو استجابة سياسية أكثر شمولاً - فشل في تأمين حالة من السلام.

وفي هذه الأزمة الأخيرة، استخدمت البنوك المركزية كافة الأدوات المتاحة لديها، ونفذت تدخلات طارئة في وقت قياسي يتجاوز بالفعل الخطوات المتبعة خلال الأزمة المالية وما بعدها.

وما نفذته البنوك المركزية أمر مذهل حقاً، حيث تضمن خفض معدلات الفائدة لمستويات غير مسبوقة إضافة إلى الانخراط في برامج هائلة لشراء الأوراق المالية وإعادة فتح نوافذ التمويل التمويل الطارئ وإنشاء برامج جديدة أخرى.

ولم يكن حجم الاستجابة مسبوقاً أيضاً في الولايات المتحدة، حيث قام بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً بتوسيع ميزانيته العمومية لتتجاوز 6 تريليونات دولار، بزيادة تبلغ حوالي تريليوني دولار في أقل من شهر.

كما اتخذ خطوات استثنائية لرفع قيود اللوائح التنظيمية من أجل مساعدة البنوك على القيام بدورهم في جهود تخفيف الأعباء.

ولا يزال المركزي الأمريكي يعمل عن كثب مع وزارة الخزانة، وبموجب هذه العملية، فإن الفيدرالي يخاطر بالدخول في مناطق كانت تعتبر ذات يوم محظورة، سواء بالنسبة للمخاطر التي تنطوي عليها وفيما يتعلق باحتمالية حدوث انحراف خطير في مهمته.

وكما يقول المثل القديم، لا عمل جيد يمر بلا عقاب، فكما هو مرحب بهذه التدخلات القوية والجديدة في احتواء الضرر الاقتصادي الشديد بالفعل، فلا يوجد من ينكر التكاليف والمخاطر المصاحبة.

لا يقتصر ذلك على المخاطر المالية والاقتصادية فقط بل تشمل كذلك على مخاطر مؤسسية وسياسية.

 وعلينا أن نتخذ بعين الاعتبار ما يلي:

أولاً: من خلال زيادة ميزانيته العمومة عبر الاستثمار في قطاعات مختلفة من الاقتصاد سواء بشكل مباشر أو بالشراكة مع وزارة الخزانة، فإن الفيدرالي يعرض نفسه إلى مخاطر تتجاوز بكثير ما يمكن أن يؤثر عليها بشكل مباشر.

ويشمل ذلك المخاطر الائتمانية الشديدة التي تأتي من حالات التعثر عن سداد الديون وعمليات الإفلاس.

 ثانياً: من خلال الاندفاع بإجراءات السياسة النقدية القوية لدعم الأسواق، من المحتمل أن تؤثر البنوك المركزية مرة أخرى دون قصد في سلوكيات المستثمرين، والتي قد فصلت بشكل مستمر بين تقييمات الأصول وبين الأساسات الرئيسية.

وبالفعل، شهدت أسواق الأسهم قفزة مفاجئة استجابة للنشاط المدعوم من جانب الفيدرالي.

وكانت النتيجة عبارة عن الاستمرار في قلة تقدير مخاطر السيولة والاعتماد المتبادل غير السليم الأكثر عمقاً بين البنوك المركزية والأسواق، وهو ما يزيد من خطر الاستقرار المالي في المستقبل.

 ثالثاً: لا يعني الإجبار على وضع إدارة الأزمات واتخاذ العديد من القرارات وسط "ضباب الحرب" أن فرصة ارتكاب البنوك المركزية للأخطاء مرتفعة بطبيعتها فقط ولكن كذلك أن احتمالية الندم على ارتكاب أخطاء بعد انتهاء الأزمة كبيرة.

 رابعاً: ومن خلال جذب الكثير من الاهتمام لتريليونات الدولارات التي يتم نشرها في مسعى لتفادي سيناريو انهيار الأسواق، فإن الفيدرالي قد وضع نفسه مجدداً رهينة اتهامات الانصياع لرغبات القطاع المالي.

وفي الوقت نفسه، تنتشر بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي وجهة نظر أكثر ضرراً إضافة إلى أنها غير منصفة، ألا وهي أن البنك المركزي يهتم بثروة أغنى 1 بالمائة من الشعب فقط.

خامساً: يتعرض الكثير من اللاعبين السياسيين، بما في ذلك المشروعون الجدد نسبياً في الكونجرس، للقوة والموارد الهائلة التي تتمتع بها البنوك المركزية، وهو ما يتزامن مع تحول العديد من مؤيدي النظرية النقدية الحديثة إلى قوى حقيقة في أرض الواقع.

ومع ذلك، من المرجح أن تتزايد الضغوط بشكل ملحوظ على الاحتياطي الفيدرالي من أجل البدء في تدشين برنامج "التيسير الكمي للأفراد" أو بعض البرامج المماثلة.

ومن شأن هذه المخاطر أن تتضاعف كلما طال أمد إعادة فتح الاقتصاد.

وكلما زادت فترة الإغلاق، كلما زاد خطر تحول مشاكل السيولة إلى أخرى تتعلق بالملاءة، وكلما كانت احتمالية عمليات الإفلاس والتعثر عن سداد الديون أمراً أكثر ترجيحاً، إضافة لإثارة التساؤلات حول قرارات الفيدرالي وكفاءته.

ويمكن أن يؤدي هذا أيضاً إلى تجديد التقلبات في الأسواق في وقت يضع فيه الفيدرالي موارد هائلة على المحك، ومعها مصداقيته.

ولسوء الحظ، فإن هذه التحديات لن تنتهي بمجرد انتهاء هذه الفترة الاستثنائية من إدارة الأزمة العارضة، كما أنها سوف تمتد إلى المرحلتين التاليتين: إعادة فتح الاقتصاد والمشهد السياسي لما بعد الأزمة.

ومن الواضح أن إعادة فتح الاقتصادي ربما لن يحدث بشكل فوري - أو عامة - كما نتمنى جميعاً.

وستثير الاحتمالات المتزايدة لإعادة فتح الاقتصاد سواء على الصعيد المحلي أو العالمي مجموعة جديدة من التحديات للبنوك المركزية والحكومات والشركات والأسر.

وبعد ذلك، سنحتاج إلى التنقل عبر مشهد ينطوي على أكثر من مجرد فصل ما يتطور سريعاً في هيئة مشاركة القطاع العام في أنشطة القطاع الخاص.

ومن الممكن أن نواجه أيضاً بيئة تتسم بمزيد من التباطؤ في استجابات العرض والطلب.

ومع التحول المتوقع في اهتمام الشركات من الكفاءة إلى المرونة، يجب أن نتوقع أن العديد من الشركات العالمية سوف تعيد النظر في سلاسل التوريد الخاصة بها، حتى لو كان يعني ذلك التضحية بفعالية التكلفة وإدارة المخزونات في الوقت المناسب.

ورغم أن هذه العملية ليست فورية، لكنها ستعمل على تسريع الاتجاهات القائمة نحو تقليص العولمة، والتي كانت مدفوعة بمخاوف حيال تهميش بعض الفئات، والحروب التجارية، واستخدام الأدوات الاقتصادية كسلاح.

وعلى الأقل في المدى القصير، سوف يتضمن كل ذلك انخفاضاً في الإنتاجية يتفاقم بخطر ارتفاع "شركات الزومبي"؛ بسبب الدعم المالي الهائل الذي تقدمه الحكومات والبنوك المركزية الآن.

وفي نفس الوقت، تستمر مديونية الشركات في الارتفاع، بنفس الوتيرة التي يتزايد بها ديون .

ومن المحتمل أن ينتهي الحال بكلا التوجهين بفرض ضغوط على الفيدرالي لعدم زيادة معدل الفائدة في السنوات القادمة.

وعند الانتقال إلى جانب الطلب، من المحتمل أن تصبح الأسر أكثر عزوفاً عن الإقبال على المخاطرة.

وسوف يثبتون أنهم ذو استجابة أقل لسياسيات التحفيز التي ستتبع المرحلة الحالية من الدعم.

وكلما طال أمد مرحلة الأزمة وكلما كانت مرحلة إعادة الفتح أكثر صعوبة، كلما زادت إمكانية تكرار "جيل الكساد العظيم".

ومن شأن ذلك أن يكون أمراً محتملاً بشكل خاص إذا تم دفع الاقتصادات بشكل غير قصد إلى حالة من التعافي على شكل "W"، وهو ما يعني تكرار دورة الإغلاق وإعادة الفتح، بسبب عودة المخاوف الصحية.

ومن الهام التأكيد على أن استجابة البنك المركزي المثالية لكافة هذه الحالات من عدم اليقين ليست عبارة عن حالة من الشلل.

ولكن يجب الاستمرار في العمل المكثف لتحليل السيناريوهات والتواصل داخلياً وخارجياً والتخطيط للطوارئ إضافة إلى متابعة المراجعات وتعديلات منتصف الدورة الاقتصادية حسب الحاجة.

ومن أجل تفادي تكرار أخطاء الأزمة المالية، فإن هذه الجهود ستكون بحاجة إلى الدعم من خلال نهج " الجكومة بأكملها"، والذي يجمع التحفيز مع مجموعة من الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى مكافحة الضغوط الهبوطية على الإنتاجية وإمكانات النمو الاقتصادي.

وبخلاف ذلك، ربما تساعد البنوك المركزية مجدداً في الفوز بالحرب ضد الكساد، لكنها ستكون جزءً من نظام يفشل في تحقيق سلام النمو الدائم والشامل.

مباشر ()

مباشر (اقتصاد)