أخبار عاجلة

قصة العقود الآجلة للسلع.. لماذا تشتري ما لا تريده؟

قصة العقود الآجلة للسلع.. لماذا تشتري ما لا تريده؟ قصة العقود الآجلة للسلع.. لماذا تشتري ما لا تريده؟

مباشر - سالي إسماعيل: أحد الأشياء التي يفضل الناس الاستثمار فيها هو النفط.

ويمكنك شراء النفط لتكريره إلى البنزين أو أياً يكن، لكن بوسعك كذلك شرائه كاستثمار أو للمضاربة أو للتحوط، وفقاً لتحليل نشرته وكالة "بلومبرج أوبينيون" للكاتب الاقتصادي "مات ليفين".

وإذا كنت تشتري النفط اليوم عند سعر 35 دولاراً، ثم ارتفع إلى 65 دولاراً تكسب المال، لكن حال انخفاضه إلى 15 دولاراً تخسر المال، فهو عبارة عن رهان مثل أيّ شيء آخر.

أو هذا هو المغزى، ففي الواقع هناك إشكالية عملية في الرهانات، وهي أن النفط يشغل مساحات كبيرة كما أنه مادة دهنية وسامة فضلاً عن أنه قابل للاشتعال وذو رائحة.

وفي حال كنت ترغب في الرهان على بضعة آلاف من الدولارات من حساب المعاش الخاص بك على أساس اعتقادك بأن سعر النفط سيرتفع، فلن ترغب في ملء المرآب الخاص بك فعلياً ببراميل من النفط لتنفيذ ذلك الرهان.

ومن شأن هذه العملية ألا تكون مربحة.

وبالتالي تتجه إلى الأسواق المالية لشراء النفط المجرد بفاعلية، تشتري أداة مالية ترتفع قيمتها إذا زاد سعر النفط وتقل قيمتها إذا انخفض الأسود.

وهذا هو ما تريده، رهان على النفط فقط بدون المعاناة التي قد تخلفها مسألة امتلاك بحيرة من سائل قابل للاشتعال.

وسيكون من الجميل لو كان الأمر على هذا النحو تماماً.

تشتري النفط المجرد الدائم بسعر الخام اليوم وتبيعه بسعر النفط عندما تريد أن تبيعه، لكن هذا الأمر ليس هكذا تماماً، حيث توجد العقود الآجلة للنفط: تشتري النفط المجرد اليوم ويتحول إلى نفط حقيقي في مايو/آيار أو في وقت ما.

لكن الأمر يتلخص في أنك لا تريد النفط فعلياً، سواء في شهر مايو/آيار أو في أيّ وقت.

ربما يكمن رهانك في أن سعر النفط سيرتفع بنهاية شهر أبريل/نيسان.

وتقوم بعد ذلك بشراء العقود المستقبلية تسليم شهر مايو/آيار وتبيعها بحلول نهاية أبريل/نيسان، وتجمع أرباحك (أو خسارتك) استناداً إلى الرهان الذي وضعته، لكنك لا تحصل أبداً على النفط الفعلي.

(العقود الآجلة التي تشتريها والأخرى التي تبيعها في المقابل، لكن لا أحد يقوم بتسليمك النفط ولا تقوم أبداً بتسليم النفط لأيّ شخص).

لكن الأمر الأكثر ترجيحاً أن يتمثل رهانك في أن سعر النفط سيرتفع في وقت ما، (تماماً مثل شراء حصة من الأسهم والذي يكون عبارة عن رهان على أن السعر سيرتفع في وقت ما: أنت لست مقيداً بأيّ إطار زمني).

وإن كنت لا تريد بالفعل عقد مايو/آيار تحديداً ولكنك تريد النفط المجرد، لذا ما تفعله هو شراء العقود المستقبلية تسليم شهر مايو/آيار للرهان على سعر النفط بدون امتلاك فعلي للنفط القابل للاشتعال، ثم مع اقتراب نهاية صلاحية عقد مايو/آيار تقوم ببيع هذه العقود وتشتري عقود تسليم يونيو/حزيران بدلاً من ذلك (هذا ما يعرف بعملية تبديل العقود المستقبلية).

ومع اقتراب انتهاء صلاحية عقد يونيو/حزيران، يمكنك القيام بذلك مرة أخرى.

وهناك قصص أسطورية في "وول ستريت" حول تجار السلع المبتدئين الذين نسوا تبديل مراكزهم الاستثمارية واضطروا للتدافع من أجل إيجاد مكان لتخزين 10 آلاف من لحم الخنزير أو بوشل من القمح أو برميل من النفط أو أياً يكن.

وتعتبر هذه القصص مضحكة كونها نادرة، وربما أسطورية، ولا يتذكر أغلب التجار الماليين سوى الحفاظ على تجارتهم من السلع في عالم من التجريد المالي.

وهذا ما تفعله صناديق الاستثمار المتداول في النفط، على سبيل المثال، حيث يمنح ذاك الصندوق مستثمريه التعرض الدائم للنفط المجرد، لكنه لا يفعل ذلك من خلال امتلاك خزان عملاق من النفط بل عبر شراء العقود المستقبلية والتبديل بينها.

وتكمن إحدى الطرق للتفكير في هذا الأمر في أنه يجب على شخص ما تخزين النفط - النفط الفعلي - الذي تمتلكه بشكل مجرد.

وفي حال كانت أسعار النفط تشهد حالة تسمى "كونتانجو أو Contango" - أيّ أن أسعار النفط لعقد يونيو/حزيران أعلى من أسعار عقد مايو/آيار - فإنه مع تبديل العقود المستقبلية (بيع عقد مايو/آيار الرخيص وشراء عقد يونيو/حزيران الأعلى سعراً) تقوم بالدفع لشخص آخر فعلياً لتخزين النفط لمدة شهر.

ويمكن لشخص آخر شراء عقد مايو/آيار الرخيص وبيع عقد يونيو/حزيران المرتفع والاحتفاظ بالنفط في المرآب الخاص به لنحو شهر وتسليمه بعد ذلك.

(إذا كانت أسعار النفط في "باكورداشن أو Backwardation" أو أن السعر الفوري لسلعة أعلى من سعر العقود الآجلة، فإن شخصاً ما سيدفع لك من أجل إخراج النفط من مراكز التخزين لأنه يحتاج إليه حقاً الآن).

ومن حين لآخر سوف نشهد موقفاً متناقضاً حيث (1) يعتقد الناس أن النفط ذو قيمة ويرغبون في الرهان على أسعار عقوده المستقبلية بشكل مجرد، ولكن (2) لا يوجد من يريد النفط فعلياً الآن بسبب أنه لا يوجد من يستخدمه وليس لديهم مكان لتخزينه.

وتهاوى سعر النفط بأكبر وتيرة على الإطلاق ليهبط إلى مستوى دون 12 دولاراً للبرميل في بورصة "نيويورك" قبل أن يتهاوى للنطاق السالب في اليوم التالي لأول مرة في تاريخه، حيث إن تراجع الطلب التاريخي أدى لملء المخزونات إلى حدها الأقصى.

وتراجع سعر العقود الآجلة بنحو 40 بالمائة، وفي حين يعكس الانهيار الوضع في عقد مايو/آيار الذي انتهت صلاحيته يوم الثلاثاء، إلا أنه يسلط الضوء على تخمة النفط سريعة النمو والزيادة القوية في المخزونات في المركز الأمريكي كوشينغ أوكلاهوما.

وتقل قيمة التخفيضات القياسية في إنتاج النفط من جانب تحالف "أوبك+" التي من المقرر أن تبدأ في الشهر المقبل، أمام هذا الطلب الآخذ في التلاشي.

وتعني انتهاء صلاحية عقد مايو/آيار المقبل أن التجار سيحولون مراكزهم الاستثمارية إلى عقد يونيو/حزيران، حيث يحاولون تجنب استلام شحنات النفط بسبب نقص المساحة اللازمة للتخزين.

وتسبب ذلك في فارق غير مسبوق بين أقرب عقدين.

ويبدو أن هذا الوضع - الذي يكون فيه سعر عقد يونيو/حزيران أعلى بكثير من سعر عقد مايو/آيار - مبهجاً للغاية تحت مسمى "سوبر كونتانجو".

ويضع الناس سعر للنفط - على اعتقاد أنه ذو قيمة ويرغب الناس في امتلاكه بهذه القيمة - لكنهم يضعون كذلك سعراً لعدم امتلاكه الآن ، كما أن السعر الأخير مرتفع للغاية مقارنة مع السابق.

ومن الناحية النظرية، يمكن أن يتجاوز السعر الأخير (ما تدفعه مقابل عدم امتلاك النفط الآن) السعر السابق (ما ستدفعه للحصول على النفط في نهاية المطاف)، الأمر الذي يؤدي إلى أسعار فورية سالبة.

ويوجد إشارات على الضعف في كل مكان، حيث إن المشترين في ولاية تكساس يعرضون ما لا يزيد عن دولارين للبرميل لبعض التدفقات النفطية، مما يزيد من احتمال أن المنتجين قد يضطرون للدفع من أجل التخلص من الخام (ما حدث بالفعل يوم الإثنين الماضي)

وفي الاقتصادات العادية، ليس هناك أسعار سالبة للأشياء: إذا لم يكن هناك من يريد شيئاً ما، وإذا كنت مضطراً للدفع من أجل الحصول على شيء، فقط لا تفعل ذلك.

ولكن بالنسبة النفط فإن الأمور تتسم بالغرابة، حيث من الصعب إغلاق وإعادة تشغيل بئر النفط، وهناك أيضاً كل أنواع التحالفات الغريبة ونظرية الألعاب التي تشارك في تسعير وإنتاج النفط، إلا أن الشيء الآخر الذي يحدث هنا هو أن الوباء العالمي غريب تماماً لأسعار السلع الأساسية.

ولا يقترب سعر النفط من الصفر لأنه لا أحد يحتاج النفط، حيث يمكنك النظر إلى المستقبل - أو أسعار العقود الآجلة - ورؤية أنه في الواقع هناك طلباً على الخام.

لكن في الوقت الحالي، ومع إغلاق الاقتصاد العالمي، يحتاج الناس نفط أقل بكثير مما لديهم، وإذا كان لديك شيء يريده الكثير من الناس ولكن لا أحد يريده الآن، فمن الصعب تسعيره بقيمة معقولة.

مباشر ()

مباشر (اقتصاد)