أخبار عاجلة

تحليل.. انتشار الفائدة السالبة يدمر المنطق الاقتصادي

تحليل.. انتشار الفائدة السالبة يدمر المنطق الاقتصادي تحليل.. انتشار الفائدة السالبة يدمر المنطق الاقتصادي

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: منح المستثمرون اليونانية قرضاً بقيمة 487.5 مليون يورو في الشهر قبل الماضي في هيئة سندات، وعندما يحل موعد استحقاق تلك الديون بعد 13 أسبوعاً فإنهم سيحصلون على أموال أقل قليلاً من المبلغ الأصلي المدفوع.

وأثار هذا الوضع الدهشة في أسواق السندات، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" للكاتب "تومي ستيبينجتون".

وكان المستثمرون قد رفضوا إقراض اليونان مقابل أيّ عائد خلال أزمة ديون منطقة اليورو في الفترة من 2009 وحتى عام 2015، الأمر الذي أدى إلى لجوء البلاد لثلاث خطط إنقاذ سيادية.

ولكن الآن، يقوم المستثمرون بدفع أموالاً لأثينا من أجل الاحتفاظ بالكاش الخاص بهم لدى البلاد.

ويعتبر هذا التحول الكبير جزئياً بمثابة إشارة على التعافي التدريجي لاقتصاد اليونان والمالية العامة، بعد التراجع الحاد في النشاط الاقتصادي.

لكن العوامل المحركة الأكبر كانت خارجية، كما أن بيع السندات الحكومية لليونان لا يمثل سوى غيض من فيض الديون العالمية.

وبعد الارتفاع القوي في السندات هذا العام، يتم تداول حوالي 11.5 تريليون دولار من الديون - أكثر من خمس إجمالي الديون المصدرة من قبل الحكومات والشركات حول العالم - بعائد سالب.

ويعني ذلك أن المستثمرين الذين سوف يحتفظون بتلك الديون حتى موعد الاستحقاق من المؤكد خسارتهم لأموال.

ويقلب الارتفاع في العوائد دون الصفر (العوائد السالبة) المنطق المعتاد للاقتصاد رأساً على عقب، بدايةً من الملاذات الآمنة التقليدية مثل الديون الحكومية اليابانية والألمانية، حيث أن الزيادة قد تسببت في إرباك المستثمرين من خلال الفوارق الائتمانية على السندات والتي ينظر إليها في العادة كاستثمارات مرتفعة المخاطر.

ويرى كبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز والرئيس السابق لاستثمارات السندات في بيمكو "محمد العريان" أن قيام اليونان ببيع سندات ذات عوائد سالبة أمر سخيف.

ويضيف أن هذا الوضع يُظهر مدى التشويه الذي أصاب الأسواق، وواحدة تلو الأخرى فإن الأشياء التي كانت تبدو مستحيلة قبل بضع سنوات مضت قد حدثت".

وصعدت أسعار السندات بالتزامن مع اتخاذ البنوك المركزية إجراءات تيسيرية قوية بشكل متزايد كرد فعل على تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وتضمن ذلك معدلات الفائدة السالبة وبرامج ضخمة لشراء الأصول في اليابان ومنطقة اليورو.

لكن هذا الارتفاع على الصعيد العالمي قد توقف منذ أن بلغ حجم الديون ذات العائد السالب ذروة عند مستوى 17 تريليون دولار في أواخر أغسطس/آب الماضي.

لكن مؤشر باركليز العالمي المجمع، وهو مقياس واسع النطاق لأسواق السندات العالمية، ارتفع بالرغم من ذلك بنحو 6 بالمائة في العام الحالي حتى الآن.

ومع وصول العوائد العالمية لمستويات قياسية متدنية، فإن العديد من المستثمرين يتساءل عما إذا كانت بمقدور الأسواق الارتفاع أكثر بكثير.

وإذا لم يكن بإمكان الأسواق ذلك، فإن شراء المستثمرين للسندات اليوم يضمن لهم تحقيق خسارة.

في حين سيستمر البعض في الاستثمار في السندات بصرف النظر عن هذه التوقعات، حيث أن شركات التأمين وصناديق المعاشات مطالبة بحيازة الديون الحكومية طويلة الآجل من أجل تلبية التزاماتهم تجاه حملة وثائق التأمين أو المتقاعدين على المدى الطويل.

كما ينبغي على العديد من المصارف حيازة السندات كضمانة عالية الجودة للإقراض.

ويوضح رئيس السندات العالمية في "إنسايت" للاستثمار "إيزوبيل لي" أنه لا يزال هناك فئة كبيرة للغاية من المستثمرين الذين ليس لديهم خيار سوى الاستثمار في الأصول سالبة العائد.

ويتابع: "من المحتمل ألا يكون هؤلاء المستثمرون سعداء بشأن هذا الأمر لكن حقاً لا يوجد شيئاً آخر مناسب لهم".

ويقوم البعض ببساطة بحماية رؤوس أموالهم، وذلك عبر تفضيل عوائد سالبة منخفضة عن الاستثمار في أصول أخرى تحمل مخاطر أكبر أو مواجهة حتى المزيد من معدلات الفائدة السالبة في البنوك المركزية.

وبالنسبة لآخرون، يصبح سؤالاً واحداً ملحاً بشكل متزايد: لماذا تشتري أصل يضمن لك خسارة بعض أموالك؟

ويقول "أوليفر برينان" كبير الخبراء الاستراتيجيون في شركة الأبحاث "تي.إس لومبارد" : "لا اعتقد أنه من المنطقي على الإطلاق بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل شراء السندات الحكومية بعوائد سالبة".

ويضيف: يغير ذلك بشكل أساسي الطريقة التي تتحرك السندات وفقاً لها، ومن المرجح أننا سنرى النتائج فقط عندما يكون هناك أزمة.

ويشكك بعض مديري الصناديق الاستثمارية في الدور الذي تلعبه السندات في المحافظ الاستثمارية عبر الديون ذات التصنيف المرتفع كنوع من الحماية ضد الأصول الأكثر خطورة.

ويكمن المنطق في المحفظة الاستثمارية التقليدية (60-40)، حيث يتم تداول 60 بالمائة من الأموال في أسواق الأسهم والبقية في سندات من الدرجة الاستثمارية، في أن أيّ موجة بيعية في الأول (الأسهم) يجب أن تكون مدعومة بالمكاسب في الأخير (السندات).

ومع ذلك، إذا لم تمتلك أسعار السندات الكثير مساحة كبيرة للارتفاع، فإن تلك المسألة لم تعد ذات منطق، وفقاً لما ذكره مدير محفظة استثمارية في "فونتوبل" لإدارة الأصول " لودوفيك كولين".

ومن أجل تعويض هبوط قدره 10 بالمائة في أسواق الأسهم، فإن المستثمرين الأوروبيين قد يحتاجون ارتفاعاً في أسعار السندات والتي تدفع عوائد السندات الألمانية لآجل 10 سنوات من -0.35 بالمائة اليوم إلى تقريباً -2 بالمائة.

ويعتقد "كولين" أن هذا أمر من غير المرجح تماماً، مع الإشارة إلى أن المستثمرين قد يفضلون في مرحلة معينة الاحتفاظ بأموالهم نقداً (كاش) بدلاً من عوائد السندات السالبة بدرجة أكبر.

ويتابع: "الناس تسمي هذه السندات بالملاذ الآمن لكنها ليست آمنة"، قائلاً: "أنت تحصل على عائد سالب إذا لم يحدث أيّ شيء كما أنها لا توفر الكثير من الحماية في حالة وجود موجة بيعية بالأسهم، نحن بحاجة لواقعة تشهد تراجع الأسهم مع هبوط السندات أيضاً حتى يستيقظ الناس".

 وبالرغم من ملاحظات كهذه، فإن هناك احتمالاً ضئيلاً بأن العوائد السالبة قد تختفي برمتها قريباً من المشهد الاستثماري.

ويستمر البنك المركزي في اليابان في التحكم بعوائد السندات من خلال برنامجه لشراء الأصول كجزء من جهود لتحقيق أهداف بعيدة المنال بشأن النمو الاقتصادي والتضخم.

ومن المتوقع أن يُبقي البنك المركزي الأوروبي، والذي أعاد بدء برنامجه لشراء السندات بعد توقف دام لنحو 10 أشهر، معدلات الفائدة دون الصفر لسنوات قادمة.

وحتى في هذه الحالة، قد يكون هناك حدود للمدى الذي سيتحمله مستثمري السندات.

وجذب مزاد في أواخر أغسطس/آب الماضي لبيع سندات ألمانية يحل موعد سدادها بعد 30 عاماً - والذي كان الأول من نوعه لسندات طويلة الآجل لا تقدم مدفوعات فوائد منتظمة للمستثمرين - طلباً هو الأضعف عند المقارنة مع أيّ مزاد آخر في ألمانيا منذ عام 2011.

وتسببت سلسلة من مزادات السندات الضعيفة في اليابان مؤخراً في تعزيز الموجة البيعية العالمية.

ويرجع العريان السبب في ضعف طلب المستثمرين إلى تخمة الديون سالبة العائد، قائلاً: "إذا كان هناك مقاومة لذلك، فإنه سيأتي من السوق الأولي، حيث يقوم المستثمرون بشراء ديوناً جديدة من الدول والشركات".

ويضيف العريان أن هذا هو المكان حقاً الذي يحصل فيه المستثمرين الكبار على مخصصاتهم، قائلاً: "إذا أحجم المستثمرون عن الشراء، فإن هذا سيكون بمثابة إشارة بأن الناس فقدوا ثقتهم في فعالية البنوك المركزية، وستصبح الأمور فوضوية بشكل سريع للغاية".

وباختصار، سيكون هناك تداعيات كبيرة على كافة الأصول، على الرغم من أن كيفية حدوث ذلك بالظبط لا يزال أمراً من غير الممكن التنبؤ به.

مباشر (اقتصاد)