أخبار عاجلة

4 تجارب تاريخية توضح كوارث النظرية النقدية الحديثة

4 تجارب تاريخية توضح كوارث النظرية النقدية الحديثة 4 تجارب تاريخية توضح كوارث النظرية النقدية الحديثة

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: يبدو أن النظرية النقدية الحديثة التي تعتبر نهجاً جديداً بالنسبة للسياسة الاقتصادية أصبحت موضوعاً ساخناً يكتسب الدعم من التقدمين الأمريكيين مثل المرشح الرئاسي بيرني ساندرز ونائبة البرلمان الديمقراطية ألسكاندريا أوكاسيو-كورتيز.

لكن يجب على داعمي النظرية النقدية الحديثة ملاحظة الدروس المستفادة في أمريكا اللاتينية، حيث أن السياسات التي تعتمد على أفكار مشابهة تنتهي حتماً بكوارث اقتصادية.

ويرى الاقتصادي التشيلي "سباستيان إدواردز" وهو أستاذ الاقتصاد الدولي في كلية أندرسون للإدارة بجامعة كاليفورنيا أن النظرية النقدية الحديثة ذات توابع كارثية بحسب رؤية تحليلة نقلها موقع "بروجيكيت سينديكيت".

وبالنسبة لمؤيدي النظرية النقدية الحديثة، فإنه يفترض أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة بطباعة كميات كبيرة من الأموال لتمويل مشاريع هائلة للبنية التحتية، جنباً إلى جنب مع برنامج توفير الوظائف والذي يهدف إلى ضمان التشغيل الكامل.

وكما يزعم داعمي النظرية النقدية الحديثة، فإن حدوث زيادة كبيرة في الدين العام لا يمثل خطراً على الدولة التي يمكنها الاقتراض بعملتها الخاصة، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة.

وتعرضت هذه الرؤية غير التقليدية للانتقاد من قبل من الكينزيين (مؤيدي نظرية جون مارينارد كينز) والنقديين (مؤيدي نظرية أهمية المعروض النقدي) على حد سواء.

ويقول العديد من الاقتصاديين الأكاديميين بما فيهم "بول كروغمان" و"كينيث روغورف" ولاري سامرز" إن النظرية النقدية الحديثة غير معقولة.

وفي المقابل، يجادل مؤيدو النظرية النقدية الحديثة بأن الناقدين لتلك النظرية لا يفهمون تماماً كيف يعمل الاقتصاد النقدي الحديث.

وطبقاً لمؤيدي النظرية النقدية الحديثة مثل "ستيفاني كيلتون"، فإن الحكومات في الدول التي تمتلك عملتها الوطنية الخاصة بها مثل الولايات المتحدة لا تواجه قيوداً صارمة بشأن الموازنة كون أنه يمكنهم ببساطة طباعة أموال إضافية لتمويل النفقات المرتفعة.

ومن الصعب تقييم مزايا النظرية النقدية الحديثة لسببين؛ أولاً: مؤيديها لم يقدموا وصفاً موحداً ومفصلاً حول كيفية عمل هذا النموذج.

وكتب "كروغمان" مؤخراً أن داعمي النظرية النقدية الحديثة يميلون إلى عدم الوضوح حول ماهية خلافاتهم مع وجهات النظر التقليدية، كما أن لديهم عادة راسخة للرفض الفوري لأيّ محاولة لجعل ما يقولونه منطقياً.

أما السبب الآخر فيكمن في عدم تقديم مؤيدي النظرية أيّ إشارة حول كيفية عمل هذه السياسة بشكل عملي خاصةً على المدى المتوسط والطويل.

ومع ذلك فإن هذا النهج لا يعتبر حديثاً، حيث تم تجربة النظرية النقدية الحديثة أو بعض النسخ منها في العديد من دول أمريكا الللاتينية بما في ذلك تشيلي والأرجنتين والبرازيل والإكوادور ونيكاراجوا وبيرو وفنزويلا.

كل من هؤلاء الدول كان لديهم عملاتهم الخاصة في ذاك الوقت، كما أن حكوماتهم - كلها تقريباً شعبوية - اعتمدت على حجج مشابهة لتلك المستخدمة من قبل مؤيدي النظرية النقدية الحديثة اليوم من أجل تبرير الزيادات الهائلة في تمويل النفقات العامة من قبل البنك المركزي.

وأدت كافة هذه التجارب إلى تضخم متسارع وانخفاض كبير في قيمة العملة وهبوط حاد في الأجور الحقيقية.

وعلى وجهة التحديد هناك أربع حالات كانت عبرة: تشيلي في عهد نظام الرئيس "سلفادور أليندي" الاشتراكي في الفترة من عام 1970 وحتى عام 1973.

أما الحالة الأخرى، فكانت في عهد رئيس بيرو "آلن غارسيا" بالفترة الأولى (1985 -1990)، كما كانت الأرجنتين حالة ثالثة تحت قيادة الرئيسين "نيستور كيرشنير" و"كريستينا فرنانديز دي كيرشنر" في الفترة من عام 2003 وحتى 2015.

وبالنسبة للحالة الرابعة، فتجسدها فنزويلا منذ عام 1999 تحت قيادة الرئيس هوغو تشافيز ومن بعده نيكولاس مادورو.

في كافة الحالات الأربعة، برز نموذج مماثل بعدما قامت السلطات بطباعة الأموال من أجل تمويل عجز مالي كبير للغاية، وهو ما أعقبه طفرة اقتصادية على الفور.

زادات الأجور (بمساعدة زيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور) كما تراجعت معدلات البطالة، ومع ذلك بعد وقت قصير ظهرت الاختناقات وحدثت قفزة قوية في الأسعار وصلت في بعض الحالات لمعدلات تضخم جامحة.

ووصل معدل التضخم إلى 500 بالمئة في تشيلي عام 1973 كما سجل 7000 بالمئة في بيرو عام 1990 ومن المتوقع أن يصعد إلى 10 ملايين بالمئة في فنزويلا هذا العام.

وفي الوقت نفسه، فإن معدل التضخم في الأرجنتين كان خافتاً أكثر لكنه لا يزال مرتفع للغاية ليسجل في المتوسط 40 بالمئة في عام 2015.

وجاء رد فعل السلطات في هيئة فرض ضوابط على الأسعار والأجور إضافة إلى سياسات حمائية قاسية، لكن هذه الضوابط لم تؤتِ بثمارها وتعرض الإنتاج والتوظيف للانهيار في نهاية المطاف.

والأسوأ من ذلك أنه في 3 من بين الدول الأربعة، شهدت الأجور المعدلة حسب التضخم هبوطاً حاداً خلال تجربة نمط النظرية النقدية الحديثة.

وخلال تلك الفترات، تراجعت الأجور الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) بنحو 39 بالمئة في تشيلي و41 بالمئة في بيرو وبأكثر من 50 بالمئة في فنزويلا، ما أضر بالطبقة الفقيرة والمتوسطة.

وفي كل حالة، كان البنك المركزي خاضع لسيطرة السياسيين مع نتائج يمكن التكهن بها.

وفي تشيلي، فإن المعروض النقدي نما بنسبة 360 بالمئة في عام 1973 وحده، الأمر الذي ساعد على تمويل عجز الموازنة والذي يعادل حوالي 24 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما في بيرو عام 1989، نما المعروض من الأموال بنحو 7000 بالمئة كما أن العجز المالي تجاوز 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي الأرجنتين عام 2015 بلغ العجز 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع وتيرة سنوية لطباعة الأموال تجاوزت 40 بالمئة.

وبالنسبة لفنزويلا، فلديها حالياً عجز يبلغ 32 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وسط تقديرات تشير لنمو المعروض النقدي بوتيرة سنوية بأكثر من 1000 بالمئة.

ومع تسارع التضخم في تلك الدول، قام المواطنين بخفض كبير لحيازتهم من الأموال بالعملة المحلية، لكن امتلاكهم لتلك الأموال لم يختفِ تماماً بسبب مطالبة الحكومات دفع الضرائب بالعملة المحلية.

وبدلاً من ذلك، فإن وتيرة تبادل الأموال - يطلق عليها الاقتصاديين "سرعة التداول" - تزايدات بشكل كبير للغاية، فلا يرغب أحد في امتلاك عملة ورقية تفقد 20 بالمئة أو أكثر من قيمتها كل شهر.

وعندما ينهار الطلب على الأموال، فإن آثار نمو المعروض النقدي على التضخم تتزايد، حيث يتمثل أحد العواقب الخطيرة في انخفاض قيمة العملة بشكل سريع في الأسواق الدولية.

ويتجاهل مؤيدو النظرية النقدية الحديثة الحقيقة البسيطة بأن الطلب على العملة المحلية يتراجع بشكل كبير عندما تنخفض قيمتها.

ومع ذلك، فإن هذه الإشكالية ربما تكون إحدى أكبر نقاط الضعف بالنسبة للنظرية وتجعلها كذلك خطرة للغاية بالنسبة لأيّ دولة كي تقوم بتنفيذها.

ويجب أن ينظر إلى التجربة في أمريكا اللاتينية على أنها بمثابة تحذير واضح بالنسبة لمشجعي النظرية النقدية الحديثة اليوم، حيث أنه في مجموعة متنوعة من الدول وفي أوقات مختلفة للغاية تسببت التوسعات المالية والتي يتم تمويلها عبر طباعة الأموال في خسائر لا يمكن السيطرة عليها بالنسبة للاستقرار الاقتصادي.

وفي الغالب تكون أفكار الاقتصاد السياسي خطيرة من الناحية العملية بقدر ما هي معيبة من الناحية النظرية، والنظرية النقدية الحديثة قد تكون مثالاً على ذلك.

مباشر (اقتصاد)