ماذا كان الخطأ؟

ماذا كان الخطأ؟ ماذا كان الخطأ؟

لأيام طويلة، بذلت مجهودا كبيرا فى إيضاح أن ما حدث فى فى 30 يونيو (حزيران) كان ثورة، ولم يكن انقلابا. الحديث بالطبع طول الوقت كان عن الديمقراطية، وأنه من المستحيل أن تختار حاكما من خلال أصوات الشعب، ثم تخلعه قبل نهاية مدته الشرعية، وجهة نظر لها وجاهتها، وإن كنت لا أتعاطف معها، كنت أشعر طول الوقت بأن هناك خطأ فى النقاش، أنا عاجز عن الإمساك به.. ماذا هو؟

كان الخطأ هو أننا نتكلم عن ديمقراطيتين مختلفتين: الأولى هى تلك التى يمارسها الغرب، والتى دفع ثمنها غاليا على مدى مئات السنين، والتى يحاول الآن أن يحاسبنا بموجبها، والثانية هى تلك التى اختار بها الشعب المصرى جماعة الإخوان، ليكتشف منذ اللحظات الأولى أنه عاجز عن تحملها. كان الخطأ هو السماح بأحزاب على أساس دينى، أو فى تلاعب لطيف بكلمات ذات مرجعية دينية. لم تكن الديمقراطية التى اخترعها الغرب إذن، كانت ديمقراطية من اختراعنا نحن، لا شأن لها بالسياسة كما يعرفها العالم. هى ديمقراطية على الطراز الغربى، ولكن بنكهة شرقية.

عندما يكون من حق الجماعات الدينية إنشاء أحزاب على أساس دينى، فهذا يناقض، ويضاد الديمقراطية من الأساس، لأنه يحول أعضاءها من ناخبين إلى مريدين، هكذا تبتعد السياسة عن أن تكون (صحيحة ومخطئة) إلى كونها (إيمانية وكفرية)، كما تتركز أهدافها حول الوصول بالمريد إلى الجنة وإبعاده عن النار.

من السهل عليك أن تختلف سياسيا مع أعضاء فى أحزاب أخرى، ويستمر الحوار بينكما بشكل سلمى، غير أنك فى مواجهة مريدين سيعنى اختلافك معهم شيئا واحدا هو القتال.

كما أن العلاقة التقليدية بين أعضاء الحزب السياسى ورئاسة الحزب ليست هى بالطبع العلاقة بين المريد وشيخه، لا توجد واجبات أو التزامات حزبية تحددها لوائح، بل هى علاقة الجثة بمغسلها، ومعذرة لهذا التشبيه السخيف. فى الحزب أنت عضو، أما فى الجماعة الدينية، فأنت جثة. هذه الجثث فى حضارتنا الديمقراطية المعاصرة جاءت بحكومة الجماعة.

الأساس الدينى للحزب يمنع قيام بناء سياسى فوق هذا الأساس، فيظل أعضاؤه أسرى للعواطف الدينية فقط، بغير حسابات سياسية من أى نوع. وحتى عندما يتجمعون فى مكان، فذلك يوقظ بداخلهم الإحساس ببهجة المولِد، وهى بهجة لا يعرفها سوى العجائز من الأجيال القديمة، هؤلاء الذين كانوا يحضرون كل موالد مصر القديمة.

المتجمعون الآن فى منطقة رابعة العدوية ليسوا أنصارا سياسيين، بل مريدون جاءوا، ونصبوا المولد بحثا عن البهجة، وتأكيدا لإخلاصهم للرئيس الغائب. هكذا يختلط الطقس الدينى بحسابات السياسة، فى انتظار عودة الرئيس المخلوع الذى لن يعود إلى الأبد. أما سكان المنطقة، وما يلاقونه من متاعب، فأمر لا يشعرون به.

من أهم ما قيل عن القيادة هو أنها «القدرة على اتخاذ قرار مؤلم»، وعند تأجيل هذا القرار فهذا لصالح عدوك وإتاحة فرصة أكبر له للقضاء عليك.

نقلا عن جريدة الشرق الأوسط.

SputnikNews