أخبار عاجلة

وحسابات أردوجان فى الداخل التركى

مصر وحسابات أردوجان فى الداخل التركى وحسابات أردوجان فى الداخل التركى

معظم الأتراك الذين تحدثت معهم من اليمين لليسار، أساتذة جامعة مقربون من حزب العدالة والتنمية أو نشطاء يساريون من صلب مظاهرات «جيزى»، أو حتى عسكريون متقاعدون، جميعهم ينظرون لأحداث ٣ يوليو فى «بشفقة». كل من تحولوا فجأة إلى خبراء فى الشأن المصرى فى الإعلام التركى يظهرون على مختلف القنوات بوجه «متأزم» «حزين» ضد «الضربة» التى تعنى فى اللغة التركية «انقلابا» فيقولون عبارات مثل: «هممم. بدأت كمقاومة شعب يوم ٣٠ يونيو ولكنها انتهت فى أيدى العسكريين». «نحن متعاطفون مع المصريين، فقد ذقنا مرار ٤ انقلابات عسكرية، كلها انتهت نهايات مأساوية قبل وصول بلادنا لهذه الدرجة من الديمقراطية».

إن توجه الخطاب إلى «صعبان علينا المصريين» أو بعد «عرس الديمقراطية جاءت جنازة الديمقراطية» بشكل شبه كامل فى الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية التركية على اختلاف توجهات المتحدثين- يعكس استراتيجية رئيس الوزراء التركى وحزبه فى استخدام «مصر» والحديث عنها لكى يحشد «إجماعا ما على شىء ما»ـ ولو شيئا واحدا فقط ـ بعد التكلفة السياسية الفادحة التى بدأ يدفعها فى أعقاب أحداث «جيزى» واتهامه «بالسلطوية» حتى رُفعت شعارات مثل «طيب استقيل!».

بالتالى يجب وضع كل تصريحات أردوجان إزاء «مصر وانقلابها» فى هذا الإطار السياسى للداخل التركى. فهو بذلك يحاول أن يجعل الأتراك يجمعون على شىء واحد: هذه «ضربة» وتركيا- ولله الحمد- تخطت هذا التاريخ المؤلم من الانقلابات. هنا يجيب المواطن التركى العادى- ولو بشكل غير مباشر، ولا وعى فى ذهنه: من المسؤول الأول عن حسم العلاقات «المدنية- العسكرية» فى تركيا لصالح المدنيين المنتخبين؟ أردوجان وحزبه طبعا. وبالتالى يبدأ التصفيق من جديد، سواء بشكل واعٍ أو لا واعٍ لإنجازات أردوجان وحزبه، خصوصا فى هذا الصدد الإيجابى تحديدا، وهو حسم معادلة المدنى والعسكرى.

عظيم. هذا وقع خطاب أردوجان الصارخ ضد أحداث ٣ يوليو على الداخل التركى. لكن السؤال: هل هذا مُستدام داخليا؟ والسؤال الأهم: هل تكلفة هذا الخطاب على الدولة التركية إزاء علاقتها بمصر ودول أخرى فى المنطقة ممكن التغاضى عنه؟ جاءتنى الإجابة من عدد من أساتذة الجامعة الأتراك، منهم من هم مقربون فى أفكارهم الشخصية من حزب «العدالة والتنمية» ومنهم من هم على النقيض. والإجابة كانت بالنفى فى الحالتين.

لا هذا الخطاب سيكون له مردود مستدام داخليا يتناسى به الأتراك كليا تخوفاتهم من «سلطوية» أردوجان، وإن كانوا يبدون الآن وقد حسموا أمرهم لإرجاء مواجهته سياسيا فى انتخابات متوقعة العام المقبل، وليس من خلال سياسات الشارع. ولا أن مثل هذا الخطاب العدائى لأحداث ٣ يوليو فى مصر سيمر دون تكلفة سياسية للدولة التركية فى علاقاتها الخارجية إقليميا ودوليا.

قال لى أحد أساتذة العلاقات الدولية رغم ميله شخصيا لفكر حزب «العدالة والتنمية» وسياسات «داوود أوغلو»: تخسر الدولة التركية الكثير بمثل هذا الحديث الصارخ. والمشكلة تكمن فى أردوجان نفسه الذى لا يستمع لأى مستشارين. أتريد أن تقول انقلابا فى مصر والرئيس بالنسبة لى هو محمد مرسى؟ من أنت بالنسبة للمصريين ليكون الرئيس بالنسبة لك محمد مرسى؟!

أضف إلى هذ الموقف التركى المتوغل فى الدفاع عن شرعية الديمقراطية الإجرائية عبر الصناديق فحسب، إنه خلق لتركيا صراع مصالح مع دول أخرى فى المنطقة، مثلا سمعنا خبرا يبدو مؤكدا وهو أن الإمارات العربية المتحدة أوقفت استثماراتها فى تركيا. إذا بدأ سحب «العطا» من على النموذج التركى، نتيجة تصرفات غير محسوبة الأبعاد، فإن العنصر الاقتصادى سيمثل الضربة الكبرى لنموذج أردوجان. فرغم التباهى بالمعجزة الاقتصادية التركية، ما قد لمسته فى تغطيتى لمظاهرات «جزى» أن الاقتصاد أيضا يعانى، وأنه ليس بالدرجة التى يُروج له.

فى الأخير، إن أردوجان رغم تصريحاته اللاذعة يبدو قلقا، متخوفا وفاقدا لحرص وذكاء وتأن كان ملازما له فى سابق عهده. كل هذا ليس فى مصلحة الدولة التركية فى شىء. بل إن إقرانه لنفسه وحزبه، بماركة الإخوان المسلمين بعد أن كان هو نفسه وحزبه قد تخطوا معا مراحل تطور عديدة، لكى يصبحوا حزبا سياسيا خالصا وليس جماعة- ما هو إلا إضعاف وإلغاء لمشروعه السياسى ذاته! وهذا ما يعكس تخبطا حقيقيا فى موقف أردوجان. هناك مثل يعكس هذه الظاهرة: Shooting yourself in the foot وكأنك تطلق رصاصة فى قدمك أنت وبنفسك أنت! لماذا تفعل مثل هذا الفعل؟ اضطرابا؟ هدما للذات؟ حصدا لمنافع قريبة المدى؟ فى النهاية قدمك هى التى ستكون قد فُقدت.

marwa@u.washington.edu

SputnikNews