أخبار عاجلة

الملف الأهم بعد انتهاء عصر الإخوان: ثقافة المصريين

الملف الأهم بعد انتهاء عصر الإخوان: ثقافة المصريين الملف الأهم بعد انتهاء عصر الإخوان: ثقافة المصريين

ليس عندى شك فى أن ذلك التنظيم الفاشى الذى أسسه حسن البنا بمباركة القوى الاستعمارية منذ أكثر من ثمانين عاماً قد انتهى عصره، وأنه سيلحق بأمثاله من النظم التى استندت إلى أفكار مُتطرفة مجنونة، لفظها العالم فى القرن العشرين بعد أن كانت وبالا على البشرية كلها، مثل النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والشيوعية الستالينية ليكون معهم فى مزبلة التاريخ. لقد كان المشهد الختامى للثورة المصرية المنتصرة هو ذلك الخروج الكبير للشعب المصرى العظيم بجميع طوائفه وأعماره يوم الجمعة الماضى ليعطى تفويضه وأمره إلى أبنائه المكلفين بحمايته، بأن يتخذوا كل مايرونه مناسباً للقضاء على كل من يحاول ترويع وإرهاب هذا الشعب الأبى وإجباره على الخضوع للمخططات المتطرفة المجنونة لجماعة مجرمة لاتتورع عن انتهاج أكثر الأساليب وضاعة وحقارة من أجل تحقيق أهدافها وفرض أفكارها التى عفا عليها الزمن، وعلى رأسها استغلال الدين الإسلامى الحنيف أسوأ استغلال، فى الوقت الذى تتبع فيه أساليب المنظمات الماسونية وعصابات المافيا! هاهو الشعب المصرى العظيم يُكفر عن خطئه فى أن بعضاً من أبنائه كانوا هم أصحاب الفكرة، وأنه على أرضه نمت وترعرعت وتشعبت هذه الجماعة كالورم السرطانى الخبيث، وأنشأت تنظيماتها السرية الإرهابية، وقامت بجرائمها الأولى بالاغتيال عقاباً على الفكر والهوية ولكل من أدرك حقيقتهم وكشفهم وفضحهم.. هاهو الشعب المصرى العظيم يعلن براءته من هذه الجماعة ومن كل من خرج من رحمها من تنظيمات وجماعات نشرت الرعب فى شتى أنحاء العالم وربطت بين الإسلام والإرهاب، بعد أن نجحت فى إجراء عمليات غسيل مخ للملايين باستغلال العاطفة الدينية المتأصلة فى النفس البشرية، وبإغداق أموال بلا حساب لجذب الأنصار فى كل مكان، وبالحفاظ على ثنائية الجهل والفقر فى الدول التى تسكنها أغلبية مسلمة. هاهو الشعب المصرى يفوض أبناءه الذين يملكون القوة وحسن الإعداد لتوجيه الضربة القاضية لهذا التنظيم الذى صار دولياً وله مصادر دخل هائلة وتشعب فى العديد من الدول، وأعلن الحرب صراحة على التى يكمُن فيها رأس الأفعى بعد أن عزل الشعب مندوبهم فى قصر الرئاسة. ولكن يبقى السؤال الأهم عن هؤلاء الملايين من غير أعضاء الجماعة المخدوعين بأفكارها والمتعاطفين معها بحسن نية، ويفكرون بنفس منطقها الأعوج، فيكفرون بنى جلدتهم، ويتعاملون مع مجتمعهم على أنه مجتمع كفر وضلال. لقد أثار المفكر الكبير د. جلال أمين منذ سنين طويلة السؤال الذى تكرر كثيراً بعد ذلك وهو «ماذا حدث للمصريين؟» ويبدوا أننا لم نهتم كثيرا وقتها بالبحث العميق فيما حدث من تغير فى الشخصية المصرية حتى وصلنا إلى ماوصلنا إليه اليوم فنجد شباباً وشابات ورجالا ونساء يتعاطفون مع الأفكار التكفيرية الشاذة لجماعات الضلال الدينى والسياسى، ونرى منهم من يضع صور الرئيس المعزول مرسى على صدره أو يرفعها بيده، وهو الحاكم الديكتاتورى الفاشل الذى لم يفعل شيئاً واحداً لهذا الشعب طوال عام كامل، فى نفس الوقت الذى يهتفون فيه بهتافات بذيئة تمس أبناء الوطن الشرفاء الذين يدفعون حياتهم ثمناً لحماية أمنهم واسقرارهم فى الخارج والداخل. إن هذا الخلل فى الشخصية المصرية إنما يعكس خللاً جسيماً فى ثقافة الملايين من هذا الشعب، والتى يُعد التعليم والإعلام والخطاب الدينى أهم مكوناتها.. إن المهمة الكبرى التى تقع على عاتق نظام مابعد الإخوان تتمثل فى رأيى فى ضرورة التركيز على إصلاح المنظومة الثقافية التى تُؤثر فى عقلية وطريقة تفكير أبناء هذا الشعب، وبالتالى إعطاء أولوية قصوى للمجالات التى ذكرتها. بالنسبة للتعليم فإن جهوداً جبارة وأفكاراً جديدة يجب أن تُوجه لإقلال نسبة الأمية بين مواطنى هذا البلد على وجه السرعة، وقرارات جريئة يجب أن تصدر بشأن التعليم الدينى وطغيانه على التعليم العام، ولعل إعادة النظر فى قانون تطوير الأزهر الذى صدر فى ستينيات القرن الماضى يكون هو البداية، بحيث تعود جامعة الأزهر لدورها الأصيل فى تخريج دعاة على مستوى عال، يعيدون تاريخ الأزهريين العظماء الذين أفرزتهم جامعة متخصصة فقط فى علوم الشريعة وأصول الدين واللغة العربية والترجمة، وأن يعرف من يلتحق بالمعاهد الأزهرية أن هذه هى فقط الكليات التى يمكن أن يلتحق بها، وأن تجمع الكليات الأخرى العلمية والنظرية جامعة منفصلة عن الأزهر تتبع المجلس الأعلى للجامعات وتخضع لنظمه وقوانينه. بالنسبة للإعلام فإن المجال لايتسع بالتفصيل فيه، ولكن كإطار عام فإنه يجب أن يُعاد النظر فى تصاريح تلك القنوات الدينية التى لعبت دوراً خطيراً فى تغييب عقول الكثيرين بل وتخريبها، وأن يُستبدل ذلك كله بقناة واحدة تتبع الأزهر الشريف، وأن تُركز جرعات البرامج الدينية فى الحديث عن الأخلاق والفضائل والمبادئ السامية التى يفتقدها مجتمعنا بشدة هذه الأيام بديلا عن حكايات ألف ليلة وليلة التى يؤلفها بعض ممن يُسمون الدعاة الجدد. أما حديث الخطاب الدينى فهذا يحتاج مقالا آخر.. بارك الله مصر وبارك شعبها الذى كفر عن ذنبه أخيراً.

SputnikNews