أخبار عاجلة

قصة عملية "البقرة الحلوب" : أرعب بها "عبدالناصر" إسرائيل ثم سقط في فخها ...

خلال فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر اتضح للجميع مدى التقارب الذي حدث بين والاتحاد السوفيتي، والذي عكسته صفقات تسليح الجيش المصري، وزيارات الزعيم الراحل لموسكو لأكثر من مرة، ما رسّخ في أذهان الجميع وجود مصالح استراتيجية بين الدولتين وارتباط وثيق.

هذه المشاهد التي بنى عليها الكثيرون وجهات نظرهم في العلاقة المصرية السوفيتية، كسرها توحيد مجدي في كتابه «الأسد الحزين»، والمنشور جزءٌ منه على موقع «المجموعة 73 مؤرخين».

يقول توحيد مجدي في سطور كتابه: «هناك حرب أعلنتها مصر على دولة إسرائيل بتاريخ 16 فبراير 1960 لم تسجل في وثائقنا المصرية، ولم يخبرنا بها كاتب من قبل، ولا يعرفها أحدٌ، لكني سأكشف أسرارها بالتفاصيل في الصفحات التالية، لتكون توثيقًا لما حدث بالفعل للأجيال القادمة».

وذكر مجدي فيما بعد أن أجهزة مخابرات الاتحاد السوفيتي أعدت خطة أطلقت عليها «البقرة الحلوب»، وأضاف: «الجهاز الروسي رصد مع بداية عام 1960 ما أطلقوا عليه (تنامي الدور الناصري)، بما يتعارض مع المصالح السوفيتية في العالم وليس في مصر والشرق الأوسط فقط».

وأكمل مجدي سرده فيما يخص تنامي الدور الناصري: «بعد أن أعلن الرئيس جمال عبدالناصر سياسة واحدة واضحة للأعداء وللأصدقاء أنه ضد نفوذ ومصالح الإمبراطوريات العظمى، والدول الاستعمارية والأجنبية في مقدرات وثروات الدول النامية الساعية للحرية والاستقلال»، وهو ما أصاب الاتحاد السوفييتي بخوف تجاه إثارة الدول الحليفة لها ضدها، بفعل مبادئ عبدالناصر.

وكشف مجدي: «رأت موسكو في شهر يناير عام 1960 أن أكثر التقديرات خطورة على مستقبل الصناعات السوفيتية العسكرية في العالم هو التقدم المصري في الصناعات العسكرية، بالأخص مشروع منظومة تطوير الأسلحة السرية التي قاد عمليات إنتاجها الرئيس جمال عبدالناصر بنفسه».

وتابع مجدي سرده: «من هنا كانت الحاجة الروسية الماسة لخطة استراتيجية محكمة تُستدرج فيها مصر والرئيس جمال عبدالناصر  إلى معركة أكبر من قدراتهم الحقيقية، يمكن استغلالها من قِبَل موسكو للقضاء على زعامته ومشروعاته السرية والعلنية العملاقة، حتى تضطر مصر عقب هزيمتها للبقاء تحت رحمة الحاجة الماسة إلى عون المساعدات السوفيتية».

وفقًا لتقارير الاستخبارات السوفيتية وبإشارة من الزعيم «خروتشوف»، تمّ وضع خطة عملية «البقرة الحلوب»، بهدف إعادة مصر ورئيسها جمال عبدالناصر إلى الحظيرة السوفيتية، وإفراغ المخازن المصرية من الأسلحة التشيكوسلوفاكية، والتي تم الحصول عليها بفعل اتفاقية سابقة، حتى لو كان ذلك على حساب تدمير الجيش المصري.

وجاءت الخطة، وفق ما ذكره مجدي «تسميم المعلومات الاستخباراتية المصرية، بهدف تضليل وتقويض منظومة المعلومات المصرية، الأمر الذي سيدفع الأجهزة المصرية لتقدير مخاطر وهمية غير حقيقية تعتبرها خطرًا وشيكًا يستوجب قرارات سياسية، وعندما تقدم تلك المخاطر طواعية للرئيس جمال عبدالناصر، المعروف بشخصيته الحادة، فإنه سيفضل قرار الحرب التي تتمناها موسكو بين مصر وإسرائيل».

هذه الخطة تمت على أرض الواقع، بعد استغلال الاتحاد السوفيتي ثقة عبدالناصر في أجهزة استخباراتها، وعليه صدّرت له معلومات تفيد بأن الجانب الإسرائيلي يحشد قواته للهجوم على سوريا، إلا أن عبدالناصر شكك فيها، ما دفع موسكو للبحث عن خلق دلائل تقنعه.

وبالفعل قدمت أجهزة الاستخبارات السوفيتية صورًا جوية توضح احتشاد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية للهجوم، وعليه أمر الرئيس جمال عبدالناصر، في 30 يناير 1960، بتنفيذ عملية محدودة ضد شمال دولة إسرائيل، وتوفي خلالها شرطي إسرائيلي واحد، وخلّفت وراءها مصابين مدنيين.

وهذه الضربة شجعت الاتحاد السوفيتي على الإكثار من بث المعلومات المغلوطة للرئيس جمال عبدالناصر، وأرسلت له صورًا مفبركة حول حشد القوات الإسرائيلية على الحدود المصرية هذه المرة لتنفيذ هجوم، كان ذلك في أوائل فبراير من نفس العام.

وصدّق عبدالناصر المعلومات المقدمة له، وأعلن وفق ما نشرته «الأهرام» في 8 فبراير 1960: «أعلن الرئيس جمال عبدالناصر أن الجمهورية العربية المتحدة تتوقع الهجوم عليها من جانب إسرائيل في أي لحظة».

في 14 فبراير أدى ضباط محطة التجسس الأمريكية، المتواجدة في صحراء النقب بالقرب من مفاعل «ديمونة» النووي الإسرائيلي، عملية مسح يومية دورية روتينية للمناطق الجنوبية مع مصر، ورصدوا حينها أن هناك تحركات عسكرية غير معتادة في شبه جزيرة سيناء المصرية.

وأمر الرئيس جمال عبدالناصر، في الساعات الأولى من يوم 16 فبراير 1960، بتحرك القوات المصرية في اتجاه الحدود المصرية الإسرائيلية مع صحراء النقب، عقب اعتماده دقة معلومات جهاز الاستخبارات السوفيتية التي زرعتها موسكو.

ووصل عدد الدبابات المصرية على حدود إسرائيل 500 دبابة، في مقابل 25 تابعة لإسرائيل، وهو ما فاجأ العاملين بمحطة التجسس الأمريكية بالنقب، وفورًا علم البيت الأبيض بقرب نشوب حرب مصرية إسرائيلية خلال 12 ساعة، وجاءت توصية التقارير بـ«على الرئيس دوايت إيزنهاور التصرف السياسي العاجل».

وفي مساء ليلة 19 فبراير أبرقت «جولدا مائير»، وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها، إلى «أبا إيبان»، المندوب الإسرائيلي الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، طالبة منه إيقاظ «داج هجمالمار أجني كارل همرشولد»، السكرتير العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإعلامه بأن جمال عبدالناصر سيجتاح إسرائيل.

وفي صباح 26 فبراير، هاتف الرئيس الأمريكي «دوايت إيزنهاور» جمال عبدالناصر، في محاولة جادة من واشنطن لنزع فتيل الحرب الوشيكة بأي ثمن، وبعدها أرسلت فريقًا إلى القاهرة للقاء الرئيس المصري، وكان محملًا بملف كامل شمل جميع المعلومات الحقيقية عن ميدان المعركة، مع صور حديثة التقطتها محطة الرادار الأمريكية في صحراء النقب، وأخرى دقيقة التقطتها طائرات الاستطلاع والتجسس الأمريكية للمنطقة الحدودية بين مصر وإسرائيل.

وبعد اطّلاع عبدالناصر على الملف الأمريكي قرر التراجع عن الهجوم الذي كان سيشنه، آمرًا القوات بأداء مناورات عسكرية فقط، وفق ما حدث في 27 فبراير.

وبهذا الشكل، فشلت المرحلة الأولى لخطة «البقرة الحلوب» السوفيتية، إلا أن المرحلة الثانية نجحت في 5 يونيو 1967، وروى «مجدي» ما فعلته موسكو بعد سحب عبدالناصر قواته في فبراير 1960: «خلال لقاء أصر وفد الاستخبارات السوفيتية أمام الرئيس المصري على أن المعلومات السوفيتية كانت دقيقة، وأن إسرائيل حشدت قواتها بالفعل».

وحتى يجبر السوفيتيون عبدالناصر على التصديق لجأوا إلى: «أطلع الوفد الاستخباراتي الروسي الرئيس جمال عبدالناصر على تسجيل مفبرك، زعموا أنه لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي (بن جوريون)، وهو يعطي قيادة جيشه أوامره الصريحة بشن الحرب على سوريا واحتلالها فجر يوم 22 فبراير 1960».

وتكررت الخطة من جديد في يونيو 1967، بعد إخبار الاستخبارات السوفيتية الرئيس جمال عبدالناصر بأن إسرائيل ستهاجم دمشق، وهو ما استدعى تأهبًا للقوات المصرية، مع طرد المراقبين الدوليين من سيناء، حتى حلّت النكسة .

 

معلومات الكاتب

رئيس قسم الأخبار