أخبار عاجلة

«بوس إيد أمك»!

فجأة علا صوت الشيخ: بترمى أمك فى دار المسنين، وعامل فيها باشا؟.. قعدت تاخد من عمرها ومن دمها، وبعدين لما تعبت رمتها.. مش كده؟.. ناس كتير عملت كده.. كل ده عقوق.. كل ده وطيان.. إزاى تقدر ترفع عينك؟.. إزاى تقدر تطلع تتكلم قدام الناس.. أمك كانت بتديك اللقمة اللى فى بقها.. دلوقتى استكترت عليها اللقمة.. استكترت عليها مطرح فى بيتك أو فيلتك.. دلوقتى بتحطها فى دار مسنين؟!

انفتح الرجل فى كومة من الأولاد.. لا أعرف إن كان عمدة؟.. لا أعرف إن كان شيخ بلد؟.. لا أعرف إن كان شيخ جامع؟.. لكن يبدو عليه وقار.. تبدو كلمته مسموعة.. لم يرفعوا أعينهم فيه.. هو أيضاً لم يرفع يده، ويرزع كل واحد قلمين.. لكنهم غرقوا فى عرقهم.. تمنيت أن أعرف من هو؟.. تمنيت أن أعرف أحوال الأم.. أولادها كل واحد يشبه الفلق.. يبدو عليهم اليسار.. ربما هم رجال أعمال!

قعدت إلى جوارهم عن بُعد.. ألقيت أذنى للسمع.. أعرف أنها عادة سخيفة.. لكن القضية كانت موحية.. كيف سمحوا لأنفسهم بهذه الجريمة؟.. كانت الأم تتسول ابتسامات المجاورين فى الدار.. تتسول بعض المشروبات والمأكولات.. راح الرجل المهيب يشرح.. كلنا نحلب البقرة.. نحبها مادامت تعطى.. جاء يوم تشعر بالضعف والهزال.. بعناها فى السوق.. كلنا نضن عليها بالغذاء.. لكى تحلب لابد أن تتغذى!

الأغرب أن أكثر الأولاد بكاء كان الفقراء.. يريد أن يقبل يدى أمه ورجليها.. يطلب منها أن تسامحه.. أما الذين يعيشون فى الأبراج العاجية فلا يشعرون بوخز الضمير، ولا يرون فى دار المسنين مشكلة.. يقولون: ده مكان حضارى!.. الأكثر غرابة أن إحدى البنات كانت سيدة أعمال ناجحة.. عندها ملايين.. تحظى بإعجاب شديد فى شركتها.. لا ترى فيما فعلت جريمة.. لم توفر غرفة إيواء لأمها فى فيلتها!

الصورة قطعاً مؤلمة.. العقوق كان كاسراً لظهر الأم.. التى كانت «أم الدنيا».. لم تبخل بلقمتها.. ولم تبخل بعمرها.. كم استدانت حتى توفر كل متطلبات الأولاد.. فجأة شعروا أنهم كبروا وحدهم.. أثروا وحدهم.. لم يتذكروا أنهم كانوا «ملط».. لم يتذكروا أنهم كانوا بالبامبرز.. فى نهاية المطاف كل واحد أرسل لأمه صدقة.. يا دوب تكفى دار المسنين.. قصة فى غاية الألم.. المثير أن الأم لم تشعر بالندم!

لا أحد من هؤلاء الأولاد كان يريد أن يتذكر أمه.. هىّ مرة كل شهر.. كانت أمه، عندما كانت عندها القدرة.. كانت مركز الكون، عندما كانت تعطى الأولاد والأحفاد.. الآن بركت مثل ناقة شائخة.. تعبت من تباريح الزمن.. تعبت أيضاً من الوجع.. واحد يقول: خد أمك يا أخى، حرام عليك.. واحد تانى يقول: عيب، أنا مقدرش أشيلها، وانت زى الفلق كده.. يا نهارك إسود «بيعايروك» دلوقتى بأمك؟!

روح هات أمك إنت وهو من دار المسنين.. افتح لها بيتك وقصرك.. روح يا عرّة منك له.. هات لها أحسن طبيب.. بوس رجليها.. لولاها كنت بتشحت دلوقتى.. خليك جنبها لحد ما تقف تانى.. ساعتها هتديك من جديد.. افتكر لها حاجة حلوة.. افتكر كوب الحليب.. افتكر سهر الليالى.. حضرتك لم تنجح شيطانى(!)

SputnikNews