أخبار عاجلة

الثورات و الأنظمة: من يملك صافرة النهاية

ثورات عديدة اندلعت في بلدان كثيرة من العالم ، وتجارب ندرسها الآن استمرت 20 سنة و 50 و 200 ، من أين بدأت و أين انتهت – كيف تمت مواجهتها و محاولات إجهاضها – سلوك الشباب – أفعال أرباب المصالح و أصدقاء السلطة القديمة وحلفائها – قناعات جمهور الناس وتغيراتهم المزاجية – برامج العدالة الانتقالية .

القواسم المشتركة كثيرة رغم تفرد كل تجربة وظروف البلد الذي اندلعت به – ثورات عديدة مرت بمرحلة تشويه الثورة والشباب ومحاولة إلصاقها بدول أخرى – أيضا بانصراف الناس عنها فى أحيان وكرهها في أحيان ورغبة العودة للماضي الأليم خصوصا في الأوقات التي تنجح فيها القوى المضادة في تفزيعهم منها والمساس بما لا يمكنهم الاستغناء عنه (الأمن والأكل) – ثورات عديدة أيضا شهدت مراحل عنفوان النظام القديم وأحيانا وصوله للسلطة مرة أخرى (حدث في فرنسا وأوكرانيا مثلا) مثلما شهدت أيضا سقوطهم مرة أخرى – هناك تجارب ظل التطاحن فيها عشرات السنوات وتجارب أخرى تم حسمها مبكرا – لا توجد مسطرة ولكن مفاهيم استقرت عبر التجارب .

مثلا :1 - تظل حالة الاضطراب قائمة وقد تستمر لسنوات طالما استمرت قوى النظام القديم وحلفائه والمستفيدون منه والمتضررون الأوائل من الثورة في الدفع في الاتجاه المعاكس لمحاولة إجهاضها – حلم الدولة القديمة التى عاشوا فيها – حلم النفوذ والفلوس بلا حساب ولا محاسبة – حلم دولة الإقطاع .

2 – لا تعود الدولة القديمة حتى وإن وصل القدماء إلى السلطة لأن الشعب يتبدل بعد الثورات خصوصا إذا كانت ثورة بالمعنى ولا تعود أيضا حتى وإن تم تشويه الثورة واستقر في أذهان الناس تشويهها .

3 – صراع قوى الثورة والثورة المضادة، لو تم توصيفه على أنه صراع بين الخير والشر ففي الغالب لا يصل إلى النهاية السعيدة ولا النهاية التعيسة أو المأساوية – لا يتحقق غالبا حلم الحياة بدون أشرار – العالم مليء بهم – يظل ممثلو الثورة المضادة حاضرين وموجودين خصوصا أنهم غالبا ما يمتلكون ثروات وترابطات كونوها في عصر الظلام يمكنهم التضحية بجزء منها ببساطة فى سبيل إجهاض الثورة على أمل الحفاظ على الباقي أو تعويضه أو على الأقل الحفاظ على النفس .

4 – أحيانا يسعى مشاركون في الثورة أو مراقبون لها عن بعد – من خارج النظام القديم - إلى إجهاضها وقد ينجحون فى مسعاهم ، حاول الإخوان المسلمين أن يفعلوا ذلك في ، ونجح فى ذلك الإسلاميون فى إيران (سحقوا الثورة وقتلوا الثوار واستولوا على السلطة منذ أكثر من ثلاثين عاما وأنشأوا جيشهم الخاص) – أحيانا يكون لهؤلاء ميزة نسبية عن فلول النظام القديم يستطيعون استخدامها وهى أنهم شاركوا في الثورة أو كانوا من المضطهدين قبلها أو أنهم أصحاب الفضيلة والرسالة السماوية لإصلاح الأرض – هم فى الأساس مجموعات ضد أي ثورة وضد فكرتها لأنها بالأساس تتعارض مع تركيبتهم التنظيمية القائمة على الولاء والطاعة والتسليم والفقيه الولي .

5 - بعض الدول استطاعت أن تجد حلولا للتعايش وأغلقت صفحة الماضي بعد محاسبات ومراجعات وتدقيق في كل انتهاكات هذا الماضي بدءا من سرقة المال العام والغنى الفاحش من بطن السلطة ومرورا بالجرائم السياسية كالتزوير وصولا لانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم القتل الجماعي والاختفاء القسري، وكانت النتيجة الأهم في ذلك هي استقرار تداول السلطة وآليات المحاسبة.

6 – تظل الثورة بعيدة عن المعركة الحقيقية طالما استمرت بعيدة عن تنظيم نفسها في أطر سياسية تمكنها من خوض المعركة الحقيقية على إدارة الدولة من خلال الآليات الديمقراطية – فالثورات الشعبية لا تحقق أهدافها إلا بوصول مؤمنين بأهدافها إلى مواقع يمكنهم من خلالها تحقيق هذه الأهداف، لأنه حتى في حالة الوصول للحكم بالقوة فالاستمرار صعب بدون الكيانات السياسية القادرة على المنافسة والفوز في انتخابات متلاحقة وتجربة حزب المؤتمر الهندي كانت بديعة في تطبيق هذا المعنى – غاندي كان رجل ثورة ملهما مفكرا وقائدا وفي مرحلة أنشأ حزب المؤتمر الذي قاد الهند بعدها وأداره نهرو الذي صار بعد ذلك رئيسا للوزراء – ظل غاندي رمزا وعمل نهرو بالسياسة ودخل الحكم – ليس بالضرورة أن يعمل الجميع بالسياسة ولكن الضرورة أن يدرك الجميع أهميتها، والإدراك هنا بمعنى الدعم والمشاركة بأي صورة .

7 – قوة الثورة واستمراريتها واحتمالات نجاحها فى أمدٍ ما يتناسب طرديا مع حاملي جيناتها – ولا يهم فى ذلك مدى قوة الثورة المضادة أيضا أو قدر تشويه الثورة، ففى النهاية الموازين منضبطة بفعل حقائق لا يمكن تغييرها – مثلا فى مصر ملايين من الشباب معتقدين فى الثورة كاعتقاد دين – هي الانتصار الأكبر فى حياة كل منهم – هي الحلم والأمل فى مستقبلهم – هي الرد المستقيم على سنوات البؤس التى عاشوها وعشرات السنوات التى عاشها أهلهم – هي الفاصل بين مصر التى يريدونها عظمى ومصر التى أرادها آخرون مطية متأخرة فى ذيل العالم – هم الفاعلون ولو كره الكارهون – هم مربط الفرس فى النهاية ومفتاح الحل – تشويه الثورة يقع فى قلب كل منهم – تعسر وصولها لبر أمان يعكر صفو حياتهم ويزيد غضبهم – يملكون إعلامهم وأدواتهم بعيدا عن إعلام الدولة وأدواتها .

أخيرا: في مصر الآن أظن أن بعض الشباب يخطئ عندما يعتقد أن المصريين الأكبر سنا أو المتعاطفين مع أو الراغبين في توليه الرئاسة هم ضد الثورة – يعتقد فى ذلك كثير من الفلول وقوى الثورة المضادة أيضا – ولكن هل يمكن أن يكره هؤلاء الثورة – هل يمكن أن يكرهوا أن يعيشوا بكرامة وبمستوى معقول من الحياة وبحد أدنى محترم من الدخل – هل يمكن أن يكرهوا أن تنحاز الدولة لهم ولا تسمح لفئة محدودة بنهب ثروات بلدهم – لا يمكن أن يكرهوا ذلك أو يكونوا فى مواجهته – هم في الأساس من صنعوا من 25 يناير ثورة بخروجهم الكبير فى 28 يناير – هم أيضا من صوتوا للإخوان المسلمين في عدة انتخابات برلمانية قبل الثورة ثم بعدها ثم صوتوا وارتضوا بمرسي ثم خرجوا بأعداد غير مسبوقة ضده وأسقطوه – يقفون الآن مع السيسي لأنه وقف معهم (منطق بسيط) لا يحتمل تعقيد أكثر – أغلبهم متذمرون من تحلق الفلول حوله – يظنون فى الرجل أنه سيحقق الأهداف السابقة ويتعجبون ممن لا يقف إلى جواره الآن – يقارنون بينه وبين رموز القوى السياسية – لن يتخلوا عن أهداف الثورة لأنها أهدافهم وحياتهم فى النهاية ومستقبل أولادهم – بالنسبة لهم حتى الآن هو لم يعلن انحيازا مع أحد أو ضد أحد – لم يقل شيئا – لم يفعل شيئا – رصيده لديهم هو 3 يوليو - ولكنهم مترقبون وفي النهاية الانحياز هو سؤال إجباري والقول والفعل ليس اختياريا .

SputnikNews