أخبار عاجلة

«الجزيرة» قبل التحول: الإخوان دعموا أول انقلاب فى العالم الإسلامى.. وأرسلوا الوفود«المؤيدة» إلى اليمن

«الجزيرة» قبل التحول: الإخوان دعموا أول انقلاب فى العالم الإسلامى.. وأرسلوا الوفود«المؤيدة» إلى اليمن «الجزيرة» قبل التحول: الإخوان دعموا أول انقلاب فى العالم الإسلامى.. وأرسلوا الوفود«المؤيدة» إلى اليمن
الانقلاب تم بمباركة حسن البنا عام 1948 واستمر 26 يوماً فقط.. ثم فشل بعدها

كتب : رحاب لؤى منذ 22 دقيقة

مفاجآت فى وجهات النظر التى كانت قناة «الجزيرة» تقدمها قبل ثورة يناير وبعدها، توضح التباين السافر بين مصالح القناة والدولة المالكة لها قبيل الثورة وبعدها، وكيف تغيرت خريطة التوافقات والمواءمات وتغير معها التاريخ على «الكيف» فأصبح ما كان مجرماً بالأمس، مسموحاً به اليوم، والتنظيم «المسلح» تحول إلى «جماعة طامحة إلى الديمقراطية، بل إن الإخوان تحولوا فى نظر «الجزيرة» فجأة من جماعة تدعم أول انقلاب فى تاريخ العالم الإسلامى، وتتعاون مؤخرا مع دولة ذات تاريخ عريق فى الانقلابات إلى جماعة تكافح ما يطلقون عليه «انقلاب» فى بلادهم التى تحاول التخلص أخيراً من الهموم والكوارث التى تتركها الجماعة بصفة يومية على صفحة التاريخ المصرى.

الفيلم الوثائقى الذى تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعى مؤخراً، والذى كان جزءًا من مجموعة حلقات بثتها القناة عام 2009 تحت اسم «الجريمة السياسية - تاريخ الإخوان المسلمين ومقتل حسن البنا»، يدور حول الاغتيالات التى تمت بحق العديد من الشخصيات العربية، من بينهم ناجى العلى والرئيس محمد أنور السادات، وغيرهما الكثيرون، كان حسن البنا من بين الشخصيات التى ناقشت الحلقات ملابسات موتهم.

الجماعة تمدح الحاكم حياً وتذمه ميتاً.. و«البنا» حوّل قطاعاً من الجماعة للعمل العسكرى

جماعة تستهدف رضا الحاكم، تمدحه حياً وتذمه ميتاً، هكذا بالضبط كان الحال مع الجماعة التى يظهرها الفيلم فى مجموعة مواقف صادقة تماماً، أبرزها يوم اصطفوا يهتفون مؤيدين للملك فاروق على طول الطريق عقب توليه السلطة، وهو الأمر الذى علق عليه الفيلم الوثائقى بجملة: «توج فاروق ملكاً لمصر، فاستقبله الإخوان على محطات السكة الحديدية، على طول الطريق بين القاهرة الإسكندرية، بالهتافات المؤيدة والمبايعة، فقد رغبوا فى الحصول من صاحب الجلالة الشاب على تأييده لدعوتهم».

فى الجزء الخاص بأسباب اغتيال حسن البنا، يشير الفيلم إلى أن الكوارث بدأت حين قرر البنا الانتقال إلى مرحلة التنفيذ «الجهاد»، تلك الخطوة التى كان لها أكبر الأثر فى اغتياله، يقول الفيلم: «ولأن البنا لم يكن ليؤمن بالطفرات، فقد شرع بتحويل قطاع من الجماعة من العمل المدنى، إلى العمل شبه العسكرى عن طريق التطور والتدرج، فكوّن فرق الرحلات، ثم فرق الجوالة، بمظهرها العسكرى، وأعدادها الضخمة، والتى كانت تقدم عروضاً تظهر قوة الجماعة، وأنشأ نظام الجماعة، ثم طوره إلى نظام الأسر، وكانت هذه الأنظمة أداة تفريخ لنظام جديد أشد حساسية وخطورة».

ويواصل المعلق بالفيلم حديثه عن الجماعة التى تصفها ذات القناة الآن بالسلمية، قائلاً فى الدقيقة 14 من الفيلم البالغ من الوقت ساعة و39 دقيقة و18 ثانية: «تنظيم مسلح يستهدف استخدام القوة والعنف لتنفيذ الأهداف بقوة السلاح، قائم على السرية التامة، والطاعة المطلقة، يتم انتقاء عناصره بدقة شديدة أطلق عليه اسم الجهاز الخاص، أو التنظيم السرى، ووضع له قانون سمى بقانون التكوين».

شطر كامل وخاص من الفيلم الوثائقى الذى سبق وأنتجته الجزيرة دار عن «التنظيم السرى» يتحدث فى هذا الشطر محمود الصباغ أحد قادة التنظيم الخاص، الذى أكد أن مجموعته لم تكن تتلقى تعليمات إلا من البنا شخصياً، مجموعات من خمسة أشخاص، لكل منها أمير، وهى أمور تستلزم «كتمان، قوة أعصاب، قدرة على عمل عمليات عسكرية قوية».

الفيلم الوثائقى لـ«الجزيرة» وصف الإخوان بـ«تنظيم مسلح يستهدف استخدام القوة والعنف»

بدأ التنظيم السرى للإخوان نشاطه بإلقاء القنابل داخل الحانات التى يتجمع بداخلها جنود الاحتلال، ثم قاموا بتفجير قطارات مخصصة لنقلهم، ثم اغتيل أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء، على يد العيسوى الذى أكدت الكثير من الأدبيات انتماءه الصميم للإخوان.

الفيلم يفضح الكثير من الممارسات التى يتنصل منها الإخوان اليوم، والتى تتكرر بحذافيرها دون تغيير يذكر، رغم تغير التواريخ والشخصيات، يوضح الفيلم قيام الإخوان بتفجير عدد من أقسام البوليس كرد على قمع المظاهرات، التى ترفض معاهدة صدقى، عقب إنهاء الحرب العالمية الثانية حين تحولت قوة الإخوان إلى قوة كبرى، وفى عام 1948 وقعت خطيرة وكبيرة، ارتأت وقتها أن دور الإخوان هو الأكبر فيها، وأن حركة الإصلاح الدينى قد تحولت إلى جماعة «تمارس الإرهاب» لتحقيق مكاسب سياسية بعلم وتخطيط من حسن البنا.

إخوان اليوم الذين يدّعون وقوع انقلاب فى البلاد هم أنفسهم من أيدوا انقلابيى اليمن، وتعاونوا مع انقلابيى قطر، عبر التاريخ، فى 17 فبراير من عام 1948 حدث أول انقلاب فى العالم الإسلامى، حين اغتيل يحيى حميد الدين حاكم اليمن على يد المعارضين لحكمه بزعامة عبدالله الوزيرى، وكان لحسن البنا دور كبير فى دعم وتنشيط الانقلاب، وتردد أن إعداد الشعب اليمنى للثورة نبت فى المركز العام للجماعة، وبالتعاون مع البدر حفيد الإمام يحيى، انقلاب موعز به من حسن البنا، الذى أرسل وفداً ليؤيد ويهدى ويرشد الانقلابيين الجدد، لكن فشل الانقلاب، كان الهدف المعلن أن تصبح اليمن نواة لدولة الإسلام ومنطلق الدعوة، استمر الانقلاب 26 يوماً، ثم فشل وتراجع، لكنه بحسب المعلق: «ألقى الضوء على قدرة حسن البنا وجماعته على فرض إرادتهم السياسية بكل الوسائل، والتى من بينها قلب أنظمة الحكم».

لم يكن ترويع القضاة، وتهديد قاضى محاكمة هروب المساجين من وادى النطرون الحادث الأول للجماعة، فالقاضى أحمد بك الخازندار فى صباح 22 مارس، والذى كان ينظر بدوره قضايا تتعلق بإرهاب الجماعة، تم اغتياله بإفراغ 6 رصاصات فى صدره، كان الهدف إرهاب رجال القضاء، إذا تقدم إليهم متهمون فى قضايا مشابهة، ليبرهن الإخوان أن أهداف جهازهم السرى قد أصبحت غير محصورة فى مقاومة الاستعمار والصهيونية.

«ضبط سيارة محملة بالأسلحة» خبر يتردد حالياً كثيراً، له أصل قديم، فى سقطة خطيرة وقعت عام 1948، وكشفت بالصدفة البحتة وجود ما يسمى بالتنظيم السرى، حين عثر فى شارع العباسية على سيارة جيب دون أرقام تحمل أسلحة وذخيرة ومتفجرات، وخطط لنسف السفارتين البريطانية والأمريكية، ووثائق تحتوى على أسماء أعضاء التنظيم وشفرة الاتصال، وأهداف مزمع تدميرها مستقبلياً. اتضح أن الإخوان مسئولون عن عمليات التفجير التى شهدتها البلاد فى الشهور الأخيرة وقتها، وأعطت البوليس المصرى دليلاً قاطعاً على إجرام الجماعة، فى خطوة جاءت بالمصادفة.

عقب أيام من كشف التنظيم السرى، جرى اغتيال الحكمدار سليم زكى حكمدار شرطة القاهرة، على يد طالب من الجماعة، بحسب تحقيقات الشرطة، ما دفع الكثيرين إلى المقارنة بين حال شرطيى اليوم والأمس مع الجماعة، وإن كانت بعض الأدبيات تبرئ الطالب إلا أن المسألة تُركت لحكم التاريخ.

اغتيال محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الوزارة ورئيس الحزب السعدى، والحاكم العسكرى ووزير الداخلية والمالية فى وزارته، كان واحداً من أعمال عناصر التنظيم الخاص للإخوان بقيادة عبدالرحمن السندى، حيث جرى اغتياله داخل مدخل وزارة الداخلية وأمام أعين الضباط.

أما حرق المحاكم فحدّث ولا حرج، هى عادة قديمة، ففى صباح 13 يناير دوّى انفجار أمام محكمة الاستئناف فى باب الخلق، اعترف بعدها شفيق أنس، منفذ العملية، أن الأمر بالتنفيذ كان من سيد فايز للتخلص من ملفات القضية وجميع أحرازها.

لم تكن حلقات الجزيرة «الجريمة السياسية» هو العمل الوثائقى الأول أو الأخير عن الجماعة ومؤسسيها، فقد سبق للقناة نفسها أن أنتجت فيلماً وثائقياً بعنوان «إسلاميون» يقدم تسجيلاً صوتياً نادراً لحسن البنا وهو يقول: «إننا لسنا حزباً سياسياً، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا، ولسنا جمعية خيرية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أنبل مقاصدنا، إننا لسنا شيئاً من هذه التشكيلات، ولكننا أيها الناس فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحدده وضع، ولا يقيده جنس، ولا يقف دونه حاجز جغرافى ولا ينتهى بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك لأنه نظام رب العالمين ومنهاج رسوله الأمين».

«الفارق بين معالجة قناة الجزيرة المتوازنة عام 2009، ومعالجتها الآن لأمر الجماعة مبرر» قالها الدكتور شريف يونس مدرس التاريخ الحديث والمعاصر، مشيراً إلى أن الأفلام الوثائقية تحكمها مواصفات، ومعايير علمية، أما المعالجات الحالية للقناة فتعتمد على مذيع جالس ومداخلات، وتنظيرات قد لا تتعلق بالواقع.

لم يناقش الفيلم الوثائقى كل شىء، يشير شريف يونس إلى كتاب الدكتور طارق البشرى فى الحركة السياسية بمصر وإشارته إلى مجموعة من التفجيرات التى شنها الإخوان فى بورسعيد قبل قتلهم الخازندار، وهو ما لم يذكر فى الفيلم.

يستبعد يونس وجود علاقات تاريخية بين جماعة الإخوان ودولة قطر، ويقول: «حين توفى حسن البنا كانت قطر ملكية بريطانية، لا قطر ولدت لأجل الإخوان، ولا الإخوان يعملون لأجل قطر».

الدكتور كمال حبيب، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية أشار إلى أن الدور الذى تلعبه الجزيرة حالياً مفهوم ومنطقى فى ظل غياب ميثاق شرف للعمل الإعلامى، وأن الكثير من الأمور والتفاصيل لم تدخل دائرة الأفلام الوثائقية المحكمة بعد، كلقاءات الإخوان بعمر سليمان، وغيرها من المواقف التى تذكر عرضاً فى وسط الأحداث، يقول: «فكرة التوثيق مختلفة، ما يجرى الآن تغطية للأحداث الجارية، ومن المفهوم أن الجزيرة متبنية وجهة النظر القطرية ووجهة النظر التى تمثل الإخوان، لكن على الجانب الآخر، القنوات الأخرى، كل القنوات العربية لها توجه، وهو أمر لن ينضبط إلا بميثاق شرف».

يفسر حبيب التناقض فى موقف الإخوان المؤيد لانقلابات اليمن، وقطر، وعدائهم لما يسمونه «انقلاب» بمصر، قائلاً: «هذه هى السياسة، لا توجد استقامة فى معالجة الجماعة أو غيرها من اللاعبين السياسيين لهذه الأمور، ففى مرة سوف نجدهم مؤيدين للانقلاب ثم فى مرة أخرى يدينونه وفق سياقات ووفق الظرف التاريخى، وفى مثل هذه الأمور لا يجب أن نتوقع وجود استقامة فى السياسة، فنرى من يؤيد الانقلابات على طول الخط ومن يعارضها على طول الخط، السياسة لا تعرف استقامة، وتسعى للمصالح، وتتحكم فيها المواقف، الكل لديه تحيزات، وقد وصلنا كباحثين فى مجال العلوم الاجتماعية إلى خلاصة أن التحيز معروف وموجود، ولكن على كل جهة أن تعلن تحيزها «عشان نبقى عارفين راسنا من رجلينا».

DMC